الى نقاوة السماء المغطاة بالدخان ،يتأمل غيومها التي تسبح في البحر الذي اختفى عندما كثرت الابنية ، و يتناغم على موسيقى زمامير السيارات ،يا لهذه العذوبة ، اذا ما سقط نظره يسرح بأبنية شامخة و كم يحلو النظر الى الحجارة الجامدة الى الجفاف .. يا له من مسكين ، ينظر الى السماء برهة فيجدها خالية ثم يسقط ، يتمايل ، يهرب يقاتل ، يرفرف بجناحيه راجيا الهرب فلا يستطيع ، تحبسه القيود ، تحبسه قضبان قفصه .
تراه في أجمل طلة ، بريشه المتموج بين الاصفر و الاخضر ، يمازجه لون الحياة ، تراه يضحك للجميع ظنا بأنهم سينقذوه ، سيحملوه الى حيث لا يوجد قضبان ، و لكن تعلق بامل هارب منه ، للشمس يهتف مزقزقا للحرية المعلقة بالسماء ، هي من أخبره ان هناك امل وانه من المعاناة يندلع الصباح يواسيه و يزرع على طريقه نور الامل ، و هو لا يزال معلقا على شجرة اهداه له صاحب القفص ، جميلة طويلة جدا ، لها اوراق و قاعدة هي مطابقة تماما للطبيبعية الا انها مصنوعة من البلاستيك ليس لها رائحة ولا حياة ، حتى الاشجار ارادوا ان يجعلوها مزيفة فالزيف اصبح في كل مكان و هو اكثر ما يعرف هذه الايام !!..
ثم يعود ليشغل لحاظه في كل شيء ، يمر بعينيه الكبيرتين الضاحكتين على رغم الالم ،لينظر بين المارين ان وجد من بينهم من يعرفه ايام حريته ، قبل دخوله هذه الغابة من القضبان ، يقنع نفسه بأن احدا ما زال يعرفه ، ليقنع نفسه انه ليس وحده مسترجعا ذكرى النقاشات العذبة التي لطالما تناولها مع اصدقائه أيام كانت السماء مفتوحة على التحليق.
يزقزق يصرخ ، فيظنوه يغني و هو من الالم يصرخ ، فليس هناك من يرى سوى ريشه اذي يتطاير مع نسيمات لوثها الكذب ، و بينما هو يقفز من باب الى اخر يبحث عن مفر و ليس له سوى هذه القضبان الي تحيطه التي زينت بأجمل الالوان و شيدت بأثمن الحديد و الذهب و ما نفع كل هذا ؟؟؟
يقفز من حلم إلى آخر أ هم أوقفوه عن الطيران ، لكنهم لن يستطيعوا منعه من ممارسة الحلم .
هو يدرك ان الحلم ممارسة ، حين نتوقف طويلا عن الأحلام لاتعود تزورنا ابدا .
ذات شمس ساطعة قرر أن يكون ماعليه ، قرر أن يصمت لكي لا يلتبس على سجانه الصوت ، قرر أن يصرخ بالصمت ، صوته حين كان يخرج من حنجرته المثقلة بالخيبة ، جعل الآخرين يعتقدونه يغني ، ليصمت إذا لعلهم حينها يدركون عذاباته ، فيحرروه .
بضعة أيام لم يفتح فمه الصغير بنغمة أو بصراخ ، كانوا يتأملونه بشفقة ، أحس أنه يؤثر في مشاعرهم ،
بضعة ايام اخرى ، صاروا يجتمعون حول قفصه ، شعر أنهم حزانى من أجله ، تمادى بالصمت أكثر .
ذات شمس غاربة ، فتحوا له باب القفص ، وقف على بوابته ، حاول أن يفرد جناحيه ، وبمجرد ان قرر الطيران اكتشف أنه بلا جانحين .
سقط على الأرض ، وراح يتوسلهم بعيون دامعة : أعيدوني إلى سجني ، لكثرة ما تعلم الصمت ، فقدت ذاكرته قصائد الأجنحة .
هم لم يعيدوه ، تركوه مرميا على الشرفة ، كان يتأمل الشمس الغاربة ، يتأملها بالم واشتياق ، لساعت طويلة ظل هناك ، آخر مشهد يتذكره ، أحدهم يحمله ويرمي به من الطابق العالي جدا ، كان ارتطامه قويا على الأرض ،
الشيء الوخيد الذي عاود التحليق ، كانت روحه تصعد إلى الأعالي ، وقتها شعر أنه في منتهى الحرية والفرح .
____
رشة قوس قزح..