المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأمون المغازي
أديبنا : الطيب الجوادي ،
هذه قراءة موجزة في قصتك
( مطلوب عقل على الزيرو )
بطلك يطلب عقلاً على الزيرو .
عنوان متألق يا أستاذ ، مزج رائع بين الأداء اللغوي والدلالة العميقة المتبحرة ، المحرضة على التأمل ، واستحضار ما سيجري ، وإن كانت تشي بما هي قبته ، فالعقل الذي هو على الزيرو غير متحقق بالمرة حتى لو افترضنا الطفولة ، أما البعد الحركي للعنوان فيكمن في تحريك الدلالات نحو الواقع لاستحضار مادة فكرية تطهيرية أو ماسحة لمخلفات الاحتراق في العقل .
النص :
هذا نص له سماته الخاصة المميزة ، حيث استجمع القاص أوتارًا عدة كان السبك المتين أحد سماته ، ليأتي السرد متناسبًا مع الحالة والحدث ؛ ليخدم الحكي ، وهنا استخدم الأديب المبدع ، ما أسميه الهجوم ، ولكنه هجوم من نوع مميز ، يمكن أن نطلق عليه الفتح ؛ حين هجم على العيادة لنكون فجأة أمام الطبيب والحالة مستخدمًا في ذلك أسلوب الحكي القصي المنظم ، مستخدمًا دلالات غير قابلة للتأويل ، أي بصورة واقعية لا نستبعد حدوثها أمام حالة توتر عصبي ، أو حالة هروب ، لكنه يتحول من هذا الهجوم إلى المصاحبة ، حيث يجعل القاءئ مصاحبًا له أو بالأحرى بين الشخوص يتأمل ويتأثر ، ويبتسم ، ويتوقع ، إنه عضو موجب في القصة لأنه يتأثر تأثرًا مباشرًا بكل ما يدور ، وقد وفق القاص في إحداث هذه النقلة من الهجوم إلى المصاحبة في حين بقي الحكي بطاقاته وأخذ التوتر في التصاعد ، وقد أمتعتني بعض التفصيات التي خدمت العمل مثل : تساقط العرق ، طلب إغلاق الباب ، مسح العرق بكمه ( رائعة هذه اللقطة ) إنها تحمل من التوتر ما يصيب القارئ بتوتر مكافئ وهذا في حد ذاته إبهار وإمتاع .
يراوح القاص بين الحوار والسرد في محاولة لإحكام الخناق على الحدث رافعًا التوتر وصولاً إلى حالة من البوح والتصريح بالمسببات التي كان من الممكن التعامل معها بتكثيف أكثر ، يخدم القص مبتعدًا به عن الإعادة ، وإن كانت الإعادة جاءت بزيادة مكتوبة كانت مفهومة سلفًا ، حيث اتضح الهدف من القصة في ربعها الأول ، ليظهر التشويق بالحوار البسيط الذي ناسبته اللغة ، والقاص ناجح في هذا بكل تأكيد لأنه بعث روحًا متطورة في قصته ، في مراتب من التنامي الداخلي الذي تستشعره ذائقة المتلقي ، والقاص يحسن التخلص بمهارة ورشاقة .
وفي حالة من اليقين يرى البطل نفسه متخلصًا القاص بذلك من حالة الفنتازيا ـ التي أشار إليها أستاذنا الكبير الدكتور : محمد حسن السمان ، ففتح لنا أحد أهم الأبواب للتعامل مع هذا العمل الجميل ـ ليدخل بنا في حالة متوهجة حينما أبرز الممرضة .
وهنا توقفت ؛ الممرضة ، درجة علمية أقل من الطبيب ، وضع اجتماعي أدنى ، ظروف معيشية لم نلمحها إلا من قولها ، تهمس ـ ليس أمام الطبيب ـ تتحدث بثقة ، أي أنها تعيش حالة اليقين أمام زائر للعيادة يحمل من الأفكار ما يفيد الرغبة في التغيير ، لتتألق الثيمة السياسية ، لكني لا يمكن أن أفصلها هنا عن الثيمتين : الاجتماعية ، والاقتصادية لتأتي الرؤية من الممرضة أي من المعايشة ، لتثبت عدم وجود العقل في صفعة قوية للنظم المعمول بها .
الإغلاق :
جاء من نسيج العمل ببساطة ، لكن بدت عليه بعض ملامح تدخل القاص ، وهنا أثني على القاص وأشكره لموافقته الدكتورة : نجلاء طمان ، على حذف السطر الأخير الذي لم يخدم العمل بالمرة ، بل يمكن أن ننهي القصة بهذا السؤال المفاجئ الرائع : ولكن ،هل أنت متأكد أنه يوجد داخل دماغك عقل ؟
وبذلك تكون النهاية مفتوحة توحي بأبعاد تتيح المجال للقارئ للتفكر في دلالات العمل وأبعاده .
وكنت أتمنى لو أن أديبنا لم يصرح بأن العمل كان مقالاً أو أن يقدم أي تبرير ، حيث نرى العمل ماتعًا حقق الإمتاع ، والتشويق ، والهدف.
أديبنا الكريم ،
لك الود بالمحبة
مأمون