:::::::عندما يأتى الحب::::::
فريد عبد العزيز
هل يظل الإنسان في رحلة ضياع حتى يجد نصفه الأخر؟ ، هل الحب يصنع المعجزات ؟ ما هو الحب ؟ وما أهميته ؟ وكيف يمكن ان يغيرنا للأحسن ؟ هذه هى الاسئله التى نبحث عن إجابتها
من شرفة الدور الثامن ببرج الأمراء العتيق بشارع لاظوغلي بوسط البلد اطل ( كمال ) بابتسامه عريضة على الشارع العريض و فجاءه تحولت ابتسامته لعبوس فاتجه لغرفة ( صلاح) وأيقظه من نومه ليسأله
- واد يا صلاح إحنا في مصر ولا ف حته تانيه؟
بصعوبة أجابه ( صلاح ) وهو يغالب رغبته في النوم
- حرام عليك يا كمال تصحينى من نومي عشان تقوللى إحنا في مصر ولا فين ؟ في مصر يا سيدي... ارتحت!!
تعبيرات وجه (كمال) لا توحي بأنه ارتاح ولو مؤقتا لإجابة ( صلاح ) فبادره قائلا :
- أمال الستات كلها لابسه خيم ومش باين منها حاجه ليه ؟؟؟؟ انا حاسس انى ف أفغانستان.
وانتظر رد ( صلاح ) ولكن صلاح راح مره أخرى في سبات نوم عميق.
كان من الطبيعي ان يحدث في الفترة الاخيره ثوره دينيه فالناس لم يعد لديهم سوى الرب ليتقربوا إليه ويطلبوا منه المعونة ، فطالت اللحى واتشح الغالب الأعم من النساء بالسواد ، حتى محلات وسط البلد والتي كان ( كمال ) من خلالها يستمع للاغاني العربية و الاجنبيه الحديثة أصبحت تذيع خطب الدعاه نجوم الكاسيت والتي تمتلئ بالويل والثبور وعظائم الأمور مما يدل ان الثورة الدينية وصلت لكل الطبقات والمستويات ..... وان الكل لم يعد لهم سوى الله للتوسل والتضرع إليه.
نشأ ( كمال) في أسره ميسورة الحال من أم لبنانية الجنسية وأب تاجر أقمشة مصري خسر معظم ثرواته في صالات القمار ومات بحسرته ولحقته الأم بفترة قصيرة تاركين (كمال) في رعاية عمته ( سامية) والتي لم تشأ أن تتعب نفسها فألحقته بمدرسه داخليه طوال سنين عمره الدراسية وفى الجامعة استقر في شقة أسرته ببرج الأمراء هو وصديق عمره ( صلاح) ، وهب الله ل(كمال) الوجه والجسد الجميلان والذكاء الباهر وهو ما استغلهم ( كمال ) بجداره فى عمليات النصب التي يقوم بها ويساعده فيها( صلاح ) على الرغم من أن ( صلاح ) لايملك نفس مقومات ( كمال ) إلا أنه ينفذ بجداره وبراعة فائقة يحسد عليها ما يطلبه منه ( كمال) .
خرج ( كمال) من غرفة نوم ( صلاح ) متجها إلى حجرة الاستقبال وجلس على كرسي في مواجهة التلفاز واخذ يقلب بين القنوات كأنما يبحث عن ضالة وهو يتأفف ويقول
- ما فيش جديد ..... ملللللللللللل
عندما أراد وضع الريموت على الطاولة المجاورة له وجد عليها كتاب عنوانه ( طريقك إلى السعادة الجنسية)
فابتسم وعلم على الفور انه يخص صديق عمره ( صلاح) ولم تكن ابتسامته عابره بل كانت ذات مغزى ... إن ( صلاح) أراد الله له أن يولد بخصيه واحده وعيب خلقي أخر يمنعه من المعاشرة والزواج والإنجاب فلماذا تجذبه هذه النوعية من الكتب؟ فقال ببينه وبين نفسه وهو يقلب صفحات الكتاب وينظر للصور التوضحيه المرفقة أن ( كمال) يشبه من يحاول اللعب ببيضه واحده في مواجهة حجر وعلت ضحكاته بصوره هيستريه وأخذ يضرب ألأرضيه الباركيه بقدميه حتى سمع صدى لضرباته في أركان الشقة الكبيرة.
كان ( صلاح) لا يخجل من ذلك بل كان يحمد الله كثيرا على كل حال ويفضل الخروج من الشقة متجها إلى اى مكان في الأوقات التي يحضر فيها ( كمال)بنات الليل من فتيات أو سيدات إلى الشقة.
وضع (كمال) يده في جيب بنطلونه واخرج هاتفه المحمول واخذ يقلب بين الأرقام حتى استقرت عيناه على اسم معين فطلبه.
- صباح الخير يا ( نيرمين)
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
استغرب صلاح من الرد فعاود بسرعة النظر إلى الاسم والرقم حتى تأكد أنه اسم ورقم ( نيرمين)، لقد تعود منها أن تغمره بالقبلات فور سماع صباح الخير أو مساء الخير .... يبدو أن هناك جديد في الأمر
- (نانو) معايا ؟
- أختك في الله ( نيرمين ) معك يا أخ ( كمال)
- أنا بقالي فتره مبتصلش بيكى ولا بشوفك فحبيت اتطمن عليكى واعرف أخبارك إيه ؟ وهاعرف اشوفك النهارده ولا لأ؟؟؟
- بارك الله فيك يا اخى .... اخر أخباري اننى تبت إلى الله وحفظت جزء كبير من كتاب الله وقمت بحجة هذا العام وفى طريقي للزواج من أخ فاضل .
كمال بارتباك:
- أخبار حلوه والله.... ربنا يوفقك يا نيرمين
- بارك الله فيك يا آخى وسوف أدعو الله لك بالهدايه والتوفيق وعقبالك
- ميرسى....
- ممكن اطلب منك طلب يا كمال ؟.
- من غير ما تطلبي يا نيرمين .... متقلقيش .... مش هاتصل بيكى تانى
- بارك الله فيك.... السلام عليكم
- وعليكم السلام
واغلق ( كمال) الهاتف وما زال مندهشا لما حدث فى اللحظه ذاتها دخل عليه ( صلاح) وهو يفرك عينيه من أثر النوم وسأله:
- مالك يا بوكمال مسبهل ليه كدا ؟
- - نيرمين
- - مالها التانيه ؟ عايز تعرف عايشه فى مصر ولا فين ؟
- - لأ.... بس بتقولى يا اخى وبارك الله فيك وحجيت وحاجات زى كدا
- اجابه ( صلاح ) وهو يتجه صوب دورة المياه بخطوات متثاقله
-
- ربنا يهدى يا عم.
مرت حوالي نصف الساعة ولم يغير (كمال) وضعية جلوسه حتى أتاه صوت ( صلاح) من الخلف متسائلا:
- أخبار العملية الجديدة إيه يا بوصلاح؟ العملية حايحه ومحتاج قرشين
اخرج ( كمال) سيجاره من علبة سجائره الاميركيه واحتضنها بين إصبعيه السبابه والوسطى وأشعلها بقداحه دهب ساحبا نفسا عميقا منها وزفره بهدوء وهو يجيبه .
- العمليه الجايه انا اللى هاشيلها من الألف لليه ..... خليك انت ف العملية اللى بعدها.
- ما فيش مانع يا ( كيمو) بس ممكن اعرفها؟
- أه طبعا .... بص يا سيدى
وبدأ فى شرح تفاصيل( العمليه الجديده )كما يسمونها ل(صلاح).
فى شارع من شوارع القاهرة الكبرى وقف ( كمال) بقامته الطويلة ومظهره الأنيق في انتظار الضحية ...
وقف له سائق سياره أجره قائلا له
- تحت أمرك يا ريس ؟ رايح فين
نظر ( كمال) نظره سريعه للسياره فوجدها قديمه ومتهالكه كما هو حال معظم تاكسيات القاهره فشكره وتعلل بانه منتظر سائقه الخاص
مرت دقائق قليله حتى استقرت عينا ( كمال) على سيارة" تاكسى" يبدو من مظهرها أنها حديثه فأوقفها سائلا السائق:
- المهندسين يا اوسطى ؟
- اتفضل يابشمهندس
من خلال مراية صالون السياره أخذ ( كمال) يدقق النظر إلى السائق حتى استطاع تكوين صوره مبدئية له
سأله السائق
- رايح فين يا بشمهندس في المهندسين
أصطنع ( كمال) الابتسام وهو يقول له بصراحة يا عم................
- خدامك (قدرى)
- بصراحه يا عم قدرى انا معرفش حاجه فى القاهره انا أساسا من أسوان وجاى مصر في شغل عند عملاء ف المهندسين..... وأدى العنوان اهه
وأعطى للسائق كارت صغير نظر له السائق نظره سريعة وأجابه :
- من عيني يا بشمهندس ... دا أنت لو عايز تروح القمر نوديك
وبدأ ( قدرى ) سيل من الاسئله ل(كمال ) وكأنه ضابط شرطه
- هو حضرتك شغال في إيه يا بشمهندس؟
- انا ياعم ( قدرى) صاحب شركة إستيراد وتصدير في أسوان
- واشمعنى أسوان يعنى؟
- قريبه من السياح وبعمل للعملاء بتوعى رحلات سياحيه منها شغل ومنها تنشيط للسياحه برضه.... لازم نفكر ف بلدنا يا عم قدرى ونديها زى ما هى إدتنا .
السائق وقد علاه القرف فحوله لبصقه خارج السياره مستطردا الكلام:
- إدتنا إيه يا حصره؟ دى بلد بنت ( .......... ) وشعب ابن ستين (..........)
ابتسم كمال وسأله :
- شكلك سياسي محنك ؟
- بص يا بشمهندس انا لاسياسى ولا حاجه ..... بس مبخافش غير من اللى خالقنى .... واقول للأعور أنت أعور ف عينه
وفجاءه إرتبك السائق وتغير صوته فسأله (كمال)
- خير يا عم قدرى؟؟؟
فأجابه وما زالت علامات الخوف والارتباك واضحه على وجهه وفى صوته
- خير ان شاء الله يا بشمهندس .... تقريبا فى لجنه من المباحث او المرور هنا .... ربنا يستر
واخذ ( قدرى) يتمتم ويحوقل بأدعية في سره وهو داخل بسيارته على اللجنه..... وكمال يحاول ان يخفى انفجاره من الضحك على شجاعة (قدرى) التى تبددت عند أول لجنة مرور لا يوجد بها سوى (عسكري) و(أمين شرطه).
وبعدما مر من اللجنة بسلام عاد مره أخرى لمطاردة كمال بالاسئله ، ولكن ( كمال) كان قد استقر على انه سوف يعطيه درسا لن ينساه لو عاد مره أخرى للتدخل فيما يعنيه وقد كان
- لكن يا بشمهندس حضرتك مقولتليش بتستورد ايه وبتصدر إيه ولا مؤاخذه ؟
على الفور اجابه ( كمال)
- احنا بنستورد كناتر هدايا من الصين وبنقوم بتوزيعها على المستوى المحلى فى جميع المحافظات
وبنصدر لمعظم الدول الاوربيه ( بول الابل).... فيه شفاء من كل الأمراض يا عم ( قدري)
السائق باستغراب
- بول جمال يعنى ؟
- اه يا حج بول الجمال مطلوب جدا في دول أوربا والأمريكتين ..... هو سبب انه مش منتشر في مصر انه غالى شوبه الكيلو الخام بيوصل ل 35 جنيه .... فبنصدره وندخل عمله صعبه للبلد
( قدري) وقد أستبد به الطمع
- طب ممكن حضرتك تجيبلى كيلو ولو عايز فلوسهم اديهملك دلوقت ؟
- فلوسك وصلت يا حاج ... فى إيه؟؟؟
- واحنا كمان وصلنا يا بشمهندس الشركه اللى حضرتك عايزها اهه.
يقف ( قدرى) بسيارته يمين الشارع ويدور حديث قصير بين ( كمال ) و ( قدرى) قبل ان يعطيه الاجره
- بص يا معلم انا 3 تيام بالظبط وراجع تانى .... هاجيبلك معايا ( بول الجمل ) وهاتقضى معايا كام مشوار
أوصلك ازاى ؟
يخرج السائق كارد ويعطيه ل(كمال) قائلا :
- الكارت دا فيه تليفون بيتى والموبايل وقت ما تيجى بالسلامه اتصل عليا وقولى انا ف الحته الفلانيه ، عشر دقايق وهاكون عند حضرتك
يشكره ( كمال) ويخرج له ورقه فئة خمسون جنيه فينظر له ( قدرى ) باندهاش بس دا كتير اوى يا بشمهندس
- يا عم قدرى ما بين الخيرين حساب وبعدين احنا مع بعض ... هنروح فين
يشكره ( قدري) بعد ان أكل الطعم ويودعه وهو يوصيه الا ينسى زجاجة ( بول الابل) التى وعده بها
بعد مرور السيارة بدقائق يذهب ( كمال) صوب الطريق الأخر لإيقاف سيارة أجره عائدا الى شقته .
فى الشقه يدور هذا الحوار بين ( كمال) و( صلاح):
كمال: راجل حشرى وغتت ... بس كله يهون عشان خاطر عربيته.... وادينى هادوقه( بول الابل) جزاء تدخله فيما لايعنيه
صلاح: انت قلتله هترجعله بعد كام يوم ؟
كمال: 3 تيام ..... أه بالمناسبه شوفت الازازه اللى حاططها فى الحمام
صلاح : مالها ؟
كمال: مالها على الله ..... من هنا ليوم الخميس عايزك تملاهالى بول .....
صلاح بضحك:
وهتدفع 35 جنيه ف الكيلو؟
الاثنان: ههههههههههههههههههههههه.
بعد مرور ثلاثة أيام يقف ( كمال) فى حدود الثانيه ظهرا أمام كشك سجائر في شارع دجله بالمعادى متحدثا من تليفون محمول خاص بالكشك وهو ينظر للوحه خشيبه مكتوبة بألوان كالحة وخط سيء ( الدقيقة ب 75 قرش)
- ايوه يا حاج ( قدري) انا هنا في شارع دجله فى المعادى
-...........
- خلاص انا مستنيك .... فى أمان الله.
اقل من ربع ساعة وتظهر سيارة قدري ليقف بها على مقربه من ( كمال) وينزل وهو يبتسم ل( كمال) ابتسامه عريضه وكأنه فريسة سهله فاتحا له ذراعيه
- بالحضن يا ياباشا ..... مصر كلها منوره
فيبادله ( كمال) الأحضان والقبلات وهو يتصنع الاهميه والرصانة لزوم العمل ... ينظر ( قدري) إلى الحقيبة الانيقه التي يضعها ( كمال ) بجواره ليحملها له ويدخلا السيارة
وفى السيارة يفتح ( كمال) حقيبته الانيقه ويخرج منها زجاجة ( البول ) مادا يده إلى ( قدري ) ويدور الحوار الاتى :
- إتفضل يا سيدى إلازازه اللي وعدتك بيها
بفرحه يمد ( قدري) يده وهو يقول :
- كل دا .... دا يجى 3 كيلو
- بالهنا والشفا يا عم قدري .... انا قلت عشان المدام والأولاد برضه ينوبهم من الحب جانب
ثم يبادره بسؤال
- مبدئيا كدا يا عم ( قدري ) حضرتك إتغديت ولا لسه ؟
( قدري) متظاهرا بالخجل والشبع
- الحمد لله ضربت من شوية شقتين فول .
- فول إيه بس يا راجل .... بص أنا عايز اكل أنا وأنت أكلة كباب وكفته عند أشهر وأغلى مطعم في مصر عشان يبقى عيش وملح وبالمره تجرب الهديه مع أكله تستاهل مش فول يا حجنا.
( قدري ) وقد علا وجهه الفرح والسرور
- يبقى ما فيش غير ( أبو نقره) ....دا بما إنك إبن بلد يا باشا ونزيه.
- طب بينا على ( أبو نقره)
أسفل يا فطه كبيره من النيون مكتوب عليها ( أبو نقره ) يستعد ( كمال) و ( قدري ) للدخول.
وعلى الطاولة يدور الحوار التالي بين ( كمال) والنادل وباهتمام شديد يتابع ( قدري ) الحوار وهو يمسك بكلتا يديه زجاجة ( بول الإبل)
- بص يا ريس أنا عايز 2 كيلو كباب وكفته ضانى و4 تجواز حمام ومش هاوصيك على الشوربه والسلاطات
النادل بعد ان كتب الاوردر
- تحت أمرك يا فندم
بعد انصراف النادل يعاتب ( قدري) كمال قائلا :
- مش كتير كدا يا باشا ؟
- لا كتير ولا حاجه يا حاج .... الخير كتير والحمد لله .... المهم انت بس اشرب كاسين بول قبل الأكل هيعملوا معاك شغل كويس!!!.
يحاول (قدرى) وصف بول الابل ل ( كمال ) فيقول
- هو لونه قريب للبيرة وطعمه صعب شويه بس لذيذ ..... انا خايف أدمنه .... اصل خدامك صايع قديم وليه ف الشرب والميه والنسوان كمان بس من يوم ما تجوزت .... ( بطريقه تمثيلية) تبنا إلى الله
الاثنان : هههههههههههههه
يحمد ( كمال) الله على الطعام ويذهب لغسيل يديه ويعود للطاولة و( قدري ) ما زال يلتهم بشراسة أكوام اللحوم والحمام الماثلة أمامه والزجاجة التى أهداها كمال إياه و الممددة في وسط الطاولة تظهر وقد فرغت إلى أكثر من المنتصف بقليل
في اللحظة ذاتها يتظاهر ( كمال) بأنه نسى محفظته في سيارة ( قدري) فينبهه للحقيبة التي يضعها على المقعد المجاور له فيجيبه:
- لا دى فيها 100 ألف جنيه وشوية ورق شغل وموبايلى .... عشان كدا اصريت انى ما اسبهاش ف التاكس
دى فلوس ناس ياحجنا.
كانت كلمات ( كمال) كافيه ان تجعل ( قدري) يعطيه بنفس راضيه مرضيه مفاتيح سيارته الأجرة لإحضار
محفظته من السيارة، حتى لو طلب روحه في هذه اللحظة ما بخل بها عليه استطاع ( كمال) بمهارة وحرفيه شديدتين أن يكتسب ثقة (قدري) ،وأي ثقة ؟ إنها ثقة فاقت كل الحدود
مرت أكثر من ربع ساعة ولم يحضر ( كمال) فأحس ( قدري) بشيء من القلق فقام من على طاولة الطعام وخرج مسرعا للشارع ليطمئن على سيارته وكانت الصدمة قاسيه عندما لم يجد سيارته – وطبعا- لم يجد ( كمال) بهستيريا انطلق لطاولة الطعام مره أخرى ليفتح حقيبة ( كمال) الممتلئة بالنقود ..... ولكن كانت الصدمة اشد قساوه عندما لم يجد سوى مجموعة أوراق بيضاء وموبايل من النوعيه التى عندما تضغط على احدى إزرارها تسمع فتاه تقول:
- اى لوف يو .... اى لوف يو
الموبايل لم يكن سوى لعبه!!!!! ..... بين طيات الحقيبة وجد رسالة مكتوبه على الكمبيوتر نصها:
"عزيزي الأسطى قدري
أشكرك لتعاونك معي خلال الفترة الماضية .... وأشكرك من أعماقي على هذه الوجبة الدسمة
ولكن نصيحة من أخ اصغر لك لا تطمع ولا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه وما لا يرضيك
وأخيرا ..... تحياتي لك ولا تنسى دفع فاتورة الغذاء ...أسف جدا الزجاجة التي أهديتها لك لم تكون كما قلت لك بل هى من إنتاجي الشخصي .... بالهناء والشفاء"
وانفجر ( قدري ) فى وصلتي بكاء ونحيب وكلما وقعت عيناه على الزجاجه التى شرب اكثر من منتصفها شعر برغبه شديده فى التقيىء وانقسم العاملين بالمطعم قسمان .... قسم يطالبه بدفع فاتورة الطعام والأخر يحاول جاهدا أن يواسيه ولكن هيهات.
في اللحظة ذاتها كان ( كمال) قد قام بتسليم سيارة الأسطى ( قدري) للمعلم ( سلامه الزلط) فى ورشته المخصصه لطمس معالم السيارات المسروقه بمنطقه نائيه فى ( الدويقه ) وبسرعه طلب المعلم ( سلامه ) من احد صبيانه إدخالها حجرة العمليات لتفصيصها واستلم( كمال) ماتيسر من المال عدا ونقدا وفى طريق عودته كان يفكر فى ( العملية الجديدة).
في شقة ( كمال) وضع المبلغ كاملا والذى تعدى أكثر من نصف ثمن السياره الفعلى أمام ( صلاح) وتقاسماه بما يرضى الله..... وهو يقول ل ( صلاح)
- ابوصلاح اتصل على مكتب السياحة اللى بنتعامل معاه وقول له يحجز لنا تذكرتين ذهاب وإياب للبنان
وإقامة لمدة شهر فى فندق خمس نجوم كمان 7 تيام .
كمال باندهاش
- إحنا هنضيع فلوس العمليه فى لبنان ولا إيه ؟
- لا متخافش فلوس الرحله دى هاجيبها من ( العملية الجديدة) اللي إن شاء الله هنبدأ في تنفيذها من بكره
وبعدين رحلتنا دى هتبقى رحلة عمل .
- وايه هى العمليه الجديده يا كومندان ؟
- كمال وهو يشرب من كوب عصير أمامه:
- بص يا سيدي بقى الشعب المصري كله يا إما ناس عايزه تغنى يا إما ناس عايزه تمثل يا إما ناس عايزه تكتب أغانى والذي منه ..... هى دى العملية الجديدة ... عايزك تكتب الكلمتين دول في كل الجرايد والمجلات
" مطلوب لشركة سيمانتيك للإنتاج الفني .... مؤلفين... مطربين ..... ممثلين لعمل فني ضخم...فقط لمدة 3 أيام "
وتحط تحت الكلمتين دول رقم تليفون الشقة لتحديد ميعاد المقابلة الشخصية ...... بس تأكد على (جوده) البواب ان إحنا هنستغل الشقة مكتب وانه يرحب باللي يجى ويفتحلهم الاسانسير... اهم من الشغل ظبط الشغل يا زميلى.... بالمناسبه انت بتحب مين من المطربين ؟
(صلاح) ببلاهه:
- حميد الشاعرى
- على خيرة الله ابقى عرف اللى هيتقدموا للمسابقه انى ابن خالة الفنان ( حميد الشاعري) . ومتنساش تاخد اللوحه اللى على المكتب عندى وتحطها على الباب ...." سيمانتك للانتاج الفنى والتوزيع" وتمن الاستماره 25 جنيه بس.....( بابتسامه) إحنا مش مؤسسه ربحيه ... إحنا عايزين نساعد الشباب
- طب ولما يجوا يسألوا علينا بعد الاستمارات والاختبارات ؟
- ( جوده)البواب يقول لهم خدوا اللى فازوا وراحوا يصوروا فيلم ف لبنان ... وبابا كل الكنافة يا زميلي
الاثنان : ههههههههههههههههه.
وبالطبع نجحت الفكره وانهالت أعداد غفيره بسبب الاعلان على شركة( سيمانتيك) الوهميه لاكتشاف المواهب حتى انهما جمعا مبغلا كبيرا من المال فوق ما تصوروا فى ثلاثة أيام فقط وهو ما أغرى ( صلاح) بطلب استمرار المسابقه فقط لنهاية الاسبوع ولكن ( كمال) رفض فقد عود نفسه على احترام مواعيد بداية ونهاية كل عمليه يقومان بها.
فى نفس اليوم ليلا دخل ( كمال) إلى غرفته وخرج منها ماسكا بيده كتله زجاجيه أعطاها الى صلاح ودار الحوار التالى :
كمال: تسوى كام دى ؟
صلاح: ( وهو يقلبها بين يديه ) تسوى كام إيه بس .... دى حتة إزاز مالهاش لزمه .... دى واقعه من نجفه ولا إيه ؟
كمال : (مبتسما) دى ألماظه يا جاهل وتسوى أكتر من 2 مليون جنيه ..... هى دى (العمليه الجديده )
ويبدأ (كمال) فى سرد تفاصيل العمليه الجديده لصلاح وصلاح يستمع إليه وكأن فوق رأسه الطير
كمال: المهم بس فكرنى نفوت على الواد ( إبراهيم كبوشى) و ( كريم منظره) بتوع شارع محمد على
صلاح: (إبراهيم) و(كريم) الكومبارسات اللى بيشتغلوا فى مسرح السلام ؟
كمال: بالظبط
صلاح : طب ودول لزمتهم إيه معانا ؟
كمال: المره دى هاديهم بطوله .... وهعرفك مدى اهمية دورهم وأدائهم فى نجاح المهمه.
( محسن عبد السلام ) الجواهرجى المعروف بالعجوزه هو ضحية (كمال) فى عمليته الجديده.... ( محسن ) على الرغم من ثرائه الفاحش إلا أنه طماع جدا ولا يشبع من المال و يتعامل مع الجميع بمنطق انه الأعلم والبشر لا يفقهون..... وكان هذا مدخل ( كمال ) أليه.
ذهب كمال له قبل سفره بيوم عارضا عليه قطعة الزجاج على انها الماسه نادره ورثها ابا عن جدا واليوم هو يريد عرضها للشراء عن طريق فاترينة مجوهرات (محسن عبد السلام) بمبلغ إثنان مليون جنيه مقابل بدل عرض 20 الف جنيه شهريا ، وعند بيعها بالمبلغ له عموله عشرون فى المائه من قيمة الماسه الاجماليه
من نظرة (محسن) ولمسته الاولى علم على الفور أنها كتلة زجاج لا تساوى شىء وانا هذا الابله قد ضحك على أجداده ودفعوا دم قلبهم فى قطعة زجاج ، فما المانع ان يصيبنى من العشق جانب وافوز بمبلغ عشرون الف جنيها شهريا وهى لن تباع .
محسن: فعلا يا إكسلانس تحفه بديعه
كمال: اكتب عليها 2 مليون جنيه وأى عرض يجيلك تبعتلى فاكس فى الفندق اللى هاكون فيه فى لبنان على الرقم دا او تتصل على موبايلى ف الرقم دا .... حتى لو مكنتش موجود او الموبايل مش معايا حضرتك تسيبلى رساله وانا هاتصل بيك اول ما ارجع او أفضى
محسن : تحت أمرك يا إكسلانس .... تمنياتى لحضرتك برحله سعيده
يشكره (كمال) ويعطيه مبلغ 20 الف جنيه مقدما قسيمة الشهر الاول
فى الوقت ذاته يكون اعطى ابراهيم وكريم ما تيسر من المال للقيام بادوار اثرياء عرب ورجال اعمال بمعدل كل اسبوع مره لمده شهر يعرضون مبالغا ما بين مليون ونصف المليون ومليون وسبعمائه وخمسون الف فى الماسه المعروضه فى الفاترينه
وكلما حضر عرض ل(محسن عبد السلام) كام على الفور بإرسال فاكس ل(كمال) وترك رساله مسجله له على الهاتف.... ويتصل عليه (كمال) رافضا العرض ومصؤرا على مبلغ 2 مليون جنيه و(محسن) سعيد ايما سعاده لذلك فكلما ضلت الكتله الزجاجيه أكثر كلما حصد المزيد من الالوفات من هذا الابله... هكذا كان يفكر.
وعندما عاد (كمال) الى مصر بعد مرور الشهر بالتمام والكمال فى لبنان قام بالذهاب الى ( محسن عبد السلام )
طالبا منه إعطاءه الماسه لانه رجع فى كلامه بشان بيعها .
كمال: طالما محدش مقدر قيمتها يبقى اخدها اشيلها ف خزنه فى البنك افضل
محسن: وليه يا إكسلانس خليها معروضه لحد ما يجى زبونها شهر شهرين ان شالله سنه
كمال : شكرا يا (محسن ) بيه ... اوعدك لو فكرت ف بيعها تانى مش هلاقى افضل منك
يقوم (محسن باجراء مكالمه من هاتفه باحد موظفيه الذى يقوم باحضار الماسه من الفاتريتنه ويعطيها ل(كمال) وفجاءه يتغير وجه كمال ويقول بصوت مرتفع
- إيه دى يا (محسن) بيه ؟؟؟؟ حضرتك جايبلى حتة إزاز ؟؟؟ دى الامانه اللى إإتمنتك عليها ؟؟ظ؟
محسن بارتباك : هى دى الماسه بتاعة حضرتك يا فندم
كمال: انت خليت فيها افندم ولا عمر.... اتفضل حتة الازاز بتاعتك اهه
( ويضعها على مكتبه ) امام لفيف من العاملين من المحل تجمعوا أثر الصوت العالى
ويستطرد كمال قائلا :
- فلوسى هاعرف ازاى اجيبها عن طريق المحكمه.... بينى وبينك ساحات القضاء
فى المحكمه يقدم ( كمال)العقد المبرم بينه وبين ( محسن) بخصوص الايجار وسعراالماسه والعموله وكذلك رسائل الفاكس التى أرسلها له فى لبنان لاخباره بعروض الشراء والرسائل الصوتيه المسجله على هاتف (كمال) بصوت ( محسن ) نفسه ، وكانت هذه الادله والمستندات كفيله بان يحصل (كمال) على 2 مليون جنيه خلاف
ولحظة النطق بحكم المحكمه لصالح (كمال) يقوم باحتضان صديق عمره ( صلاح ) فى مشهد سينمائى مفتعل وهو يصرخ : يحيا العدل .... يحيا العدل ...... وبدموع تماسيح يصرخ .... عمااااار يا مصر عماااار يا مصر
ويصطحب ( صلاح ) خارج المحكمه مستندا عليه وهو يهمس له بصوت خافت:
- مبروك عليك المليون جنيه يا بن الكلب
وفى نفس اللحظات أحس ( محسن) وهو يعيد منطوق الحكم فى ذهنه بصدره ضيقا حرجا كأنما يصعد إلى السماء.
على مقهى ( البيت بيتك) بالمهندسين يجلس (كمال) و(صلاح) على طاوله مع عدد من أصدقائهم ومن بينهم ( ياسمين) و ( حسام) والذي قرر ( كمال)- أخيرا- أن يفتعل معهما مشكله لإخراجهم من دائرة أصدقائه للأبد.
لم يكن ( كمال ) من الغباء بحيث يمكن أن تكون ردة الفعل في غير صالحه أو غير محسوبة من تجاهه .... بل كان فى أصعب المواقف والظروف يتخير ردة الفعل المناسبة للموقف كما يريد هو حتى لا يخسر الكثير .... وربما تجعله يخسر كل شيء ، كان دوما ينصح صديق عمره ( صلاح) بألا يكون مثل أسفنجه تمتص ردود أفعال وتفاهات الآخرين بغباء فتغير من شكلها وخواصها وتصبح بمرور الوقت مجرد(.........) ، ولكن كلوح زجاجي شفاف تمر من عليه المياه بسهوله ويسر وكلما ازدادت المياه قوه كلما ازداد الزجاج بريقا ولمعانا.... لذلك كان ( كمال ) نادرا ما قل أن تجده حزين على شيء..أو لشيء.. لا لشيء سوى أنه تعلم التحكم فى ردات أفعاله.
ول(ياسمين) و( حسام) قصه أصبح لا يطيق استمرار فصولها معهما ‘ (ياسمين) هذه لم تكن سوى معرفة مقهى وبمرور الأيام تحولت المعرفة إلى صداقه بعد أن قصت عليه (ياسمين) الكثير عن حياتها وظروفها وآلامها بداعي أنها (ارتاحت له) كما كانت تقول في كل مره ، ولكن مع مرور الوقت تكشفت صورة (ياسمين) الحقيقية أمام (كمال ) وأصبحت واضحة لا مرية فيها بعدما قصت نفس القصص و الحوارات للمدعو ( حسام) والذي – هو الأخر- لا تتعدى علاقة (كمال ) به حدود المقهى ، (حسام) لم يكن أكثر من إنسان حياته عباره عن سلسله متصله من الفشل والاخفاقات.... ليس لديه وظيفة سوى اخذ ما تيسر من المال من أمه لشراء السجائر والملابس والتنزه مع الصديقات وإيهامهم بأنه صاحب شركة ( الفجر الجديد) للتجارة والتوزيع والتي لم تكن سوى بقاله في شارع جانبي بمنطقه( فيصل )يديرها أخاه الصغير ( محمود )، وهروبا من فشله خلق لنفسه دور المثقف الواعي في مقهى ( البيت بيتك ) ، فيظل بالساعات يتكلم في أي شيء وكل شيء – خاصة مع الصديقات- وكان ( كمال ) يعلم جيدا نواياه الدنيئة وهى استمالة فتيات المقهى بأشعاره الساذجة وكلماته المعسولة طمعا في صيدهم بشباكه القذرة وأخذ ما تيسر من أجسادهن ومشاعرهن بدعوى حبه العذري الشريف ، وكم من فتاه أغرها بمعسول كلامه وعندما ملكته أمرها قام بتصويرها في شقته لعرضها على أصدقاء المقهى المقربين بالموبايل والاسطوانات الضوئية وحتى غرف الدردشة منتهكا حرمة أجسادهن وحرمة مشاعرهن ، على الجانب الأخر كان (كمال) رغم حدته ألمعروفه وعصبيته التي تزعج الآخرين يتعامل مع صديقاته فى حدود الصداقة فقط ولو تطلب الأمر ضرورة وجود سيده أو فتاه في فراشه فكان يفضل الحصول على إحدى بنات الليل عن طريق أماكن تواجدهم فى بعض الشوارع ألمعروفه بعينها ، أو المولات التجارية ، أو الاتصال على إحداهن، لذلك لم ينزعج عندما مالت ( ياسمين ) أليه فهي مريضه نفسيا مثله ومن نفس الفصيلة التي تختلق القصص والروايات فهذا يحبها وهذا يعشقها وهذا يتحرش بها وهذا يراودها عن نفسها و(كمال) دوما يستمع إليها بإنصات مفضلا الصمت ورسم ابتسامه ساخرة على شفتيه ولسان حاله يقول "ألا تنظر لنفسها في المرايا تلك الدميمة؟ ولكن الذي أزعجه هو تنصيب (حسام) نفسه مدافعا عن الفتيات في المقهى فكلما وجه الكلام لإحداهن وجد هذا الأخرق يتكلم نيابة عنهن وكأنه الفارس النبيل .... فافتعل معهما مشكله ناهيا علاقته بهما ومع أمثالهما للأبد ... و تاركا (سعيد) ل(سعيدة) كما يقول المثل الدارج.
في إشارة مرور أثناء عودته للمنزل عاد بالذاكرة للوراء قليلا و فجاءه سمع صوت طرقات على زجاج سيارته المغلق فالتفت فإذا بفتاه لا تتعدى السادسة من عمرها .. فتح زجاج السيارة قليلا فقالت له ؟
- مناديل يا بيه ؟
ابتسم (كمال) لها بحنان وطيبه غير عاديتين وهو يقول :
- بس أنا معايا يا حبيبتي مناديل في العربية
بادلته الابتسامة بابتسامه من ثغرها الجميل عبارة عن مزيج من التوسل والألم :
- وماله يابيه ...خد تانى
ضحك ( كمال) ضحكه يشوبها مرارة لمنظرها الرث وسنها الصغير واخرج من جيبه حفنة نقود وأعطاها كلها لطفلة إشارة المرور طالبا منها العودة إلى البيت وبارك الله فيما رزق..... ربما نسى أو تناسى أن أطفال الشوارع ليس لهم بيت سوى النوم على الأرصفة ومطاردة لقمة العيش بين إشارات المرور.
صراحه انا تركت هذه السطور السابقه بيضاء لانى لا اجد ما اكتبه ..... أو ربما لغرابة ما سوف أكتبه.