المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان
الصغيرة الهاربة (أرضي ...أعيديني)
أرضى! ...أعيديني. أناديكِ ..أعيديني. تعبت أنا من الترحال, مراراً وتكراراً الحقيبة التي أحزمها تعيد حزم نفسها, وتبدأ الثياب في طي نفسها , أخرجها فتعود إليها لأشد الرحال. لكن يجذبني شبح المدينة, يكبلني... يقيدني, فمدى إلى يدك...أعيديني, أعيدي إلى قراري, أعيدي إلى القدرة على لمس الأشياء, ثم إزاحة يدي عنها دون أن أخسر شيئاً. خذيني بعيداً عن شمس تجلس فوق رأسي وقت الظهيرة, فتتحرك الدماغ عن موضعها, ويترك القلب تجويفه.
أعيدي إلي ذراعي التي اختطفتها الحافلة المكدسة, وقدمي التي انخلعت على إسفلت المدينة. قد كنت أحتفظ بتفاصيل جسدي في مفكرة قديمة, لكن صفحاتها أصابتها نوبة حمى في درجها العتيق, وسكنها العفن فاختنقت تفاصيلي وضاعت معالمها. أعيدي رسم خارطة أعضائي المفقودة, فألتقي معهم ومع طينك ويجتمع شملنا لا ينفرط تحت ظل شجرة نخيل لا تهرم.
أرضى, أطبقي كفك الكبيرة على كف يدي الصغيرة, فأنا ...أنا الهاربة منك إليك , لا أزال راقدة فوق جناح الساقية , أطبق كفى الصغيرة وأفتحها. أنا ...أنا لا أموت ولا أحيا, أضاعت همومي حدود الأقاليم, أحاول أن أتذكر... ها أنا طفلتك الشقية أتسلق شجرة التوت , أثقل على فرعها فيهبط بي يلمسك, فتعانقيني...أضحك, أخرج كنزي الثمين, أفرغ جيوبي المملوءة بثمار التوت, أضحك...أنظر بفخر إلى غنيمة حربي , نتشارك في أكلها.
أعيديني , أمسكت النيران بحواف أحلامي فاحترقت كالورق, واستيقظتُ, وكفى يملؤها الرماد بدلا ً من الطحين. أعيديني ... كيف أحيا بعيدة عنك؟ بعيدة عن ظل شجيراتك, ورائحة القمح والبرسيم عند هطول الأمطار, وبخور طينك عند الفجر يدخل أنفاس صدري فأنتشي. كيف أنسى رقص خضرواتك المحموم مع الرياح!... ونقيق الضفادع وهى تتبادل العشق تحت ضوء قمرك, والبوص والغاب يتلوى بكل طيش وغنج يعانق نسيمك.
أعيديني, كيف أحيا بعيدا عنك ؟؟ كيف أحيا هكذا...! وقد استيقظت فوجدتني هاجعة في سرير مزعج, بعدما كنت أفترش شط ترعتك. مازلت أذكرها وهى تتلوى كدودة كبيرة عملاقة داخل بطنك الكبيرة, والأسماك وقد تركتْ قاعها وصعدتْ تفقم قرب سطحها, تشاغبني وأنا أضع الطعم في صنارتي الصغيرة, وتفر مبتعدة تضحك منى عندما أرمى الخيط في الماء, تسرق من صنارتي الطعم, فلا أصيد ولا سمكة, وأعود أحمل صفيحتي الصغيرة فارغة.
أعيديني, اغفري لي أي غضب شعرت به يوماً نحو الصغيرة الهاربة.
ومد يديك أرضى...أعيديني.
بقلم / د. نجلاء طمان
23 يوليو 2007م
من وحى قراءتي لنص"هل يزرع الإسفلت؟ " للأديب الكبير: مأمون المغازي
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=20940
هي عودة للحب وللنبض شوقا لاشتمام رائحة الطين
حيث الصباحات الندية والاحلام البكر
(يالصباح المدينة هنالك الشمس مختلفة و الهواء القابل للتنفس أكثر
والسماء أرحب كل شئ قريب كل شئ ممكن كل شئ مشوق
كل شئ ينتظرنا بفرح)
وبعد عمر كل شئ هناك لايعادل لحظة حلم في أحضان أرض
هي كصدر أم
وتبدأ نداءات الحنين
واعتذارات الشوق
وما أجمل أن تكون بلغة مرهفة عميقة وصور متتالية
بانسيابية جميلة جداً كلغتك د.نجلاء
اعجابي وتقديري لك وللأديب المتميز مأمون المغازي