1910-1997
جاك كوستو: صوت العالم الصامت
المصدر هنا
وجه ناحل لوحته الشمس¡ موسيقى (عالم الأعماق) المهيبة¡ وسفينة اسمها (الكاليبسو). خواطر من هذا النوع قد ترافقنا ونحن نتأمل البحر أو نطالع مشاهد للأعماق. لاغرو.. فالفرنسي (جاك-إيف كوستو - Jacques-Yves Cousteau) يكاد يكون الفرد المسؤول بالكلية عن تعريف ملايين البشر بالجزء من العالم المغمور تحت الماء. ورحلة (كوستو) مع البحر التي استغرقت ستين عاماً لم تكن مجرد مغامرة استكشاف. فـ (تقني المحيطات) هذا كما كان يسمي نفسه قد أسهم في ابتكارات ومشاريع ترتكز عليها كثير من أبحاث التقنيات البيئية اليوم.
ولد (كوستو) منتصف عام 1910. وبالرغم من أن بدايات مسيرته الدراسية كانت متعثرة¡ إلا أن اهتمامه بالابتكار بدأ في سن الحادية عشرة قبل أن يُنمي اهتماماً بتصوير الأفلام ثم ليتبلور شغفه بآليات الغوص واستكشاف الأعماق بعد تخرجه من الأكاديمية البحرية والتحاقه بسلاح البحرية الفرنسي.
خلال الحرب العالمية الثانية اشتغل (كوستو) بأعمال استخباراتية لصالح الجيش الفرنسي. وفي العام 1943 وضع مع زميله المهندس (إيميل غاغنان) تصميم (رئة الماء – Aqualung) أو اسطوانة الهواء المضغوط التي يستخدمها الغواصون اليوم والتي مثلت فتحاً معرفياً مكن المستكشفين أخيراً من البقاء تحت الماء من دون الاعتماد على مخزون الرئتين. طرحت الفكرة في الأسواق الفرنسية عام 46¡ ووصلت إلى أميركا عام 52 لتفرض نفسها على عالم الغوص بعد ذلك.
رُقي (كوستو) بعد الحرب لرتبة (كابتن). ثم عُين رئيساً لبرنامج دراسة المحيطات (Oceanography) الفرنسي. وفي عام 1950 اشترى سفينة (الكاليبسو) التي اقترنت شهرته بها لتكون بمثابة مركز أبحاثه البحرية خلال الستة والأربعين عاماً التالية. وقد عمد (كوستو) لإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية والكتب من أجل تمويل رحلاته ولنشر الوعي ببيئة الأعماق في بادرة غير مسبوقة وقتها حققت نجاحاً مدوياً. بل أن فيلمه الوثائقي الأول (العالم الصامت – The Silent World) فاز بالجائزة الأولى في مهرجان (كان) لعام 1956. وهو إنجاز لم يلامسه مُنتَج وثائقي آخر حتى جاء (مايكل مور) بفيلمه (فهرنهايت 9/11) بعد ثمان وأربعين سنة.
تقاعد (كوستو) من البحرية الفرنسية ليتفرغ لمشاريع أبحاثه. حيث عُين عام 1957 مديراً لمتحف موناكو للمحيطات. وأسس مجموعة لأبحاث الأعماق بطولون. بالإضافة لرئاسته لبرنامج (Conshelf) الخاص بتجارب إقامة البشر لمدد طويلة بمستعمرات مقامة في أعماق البحار.
كما أن جهوده الرائدة في تطوير الآليات لم تتوقف. ففي العام 1963 طور كاميرا للتصوير تحت الماء اشترت شركة (Nikon) حقوقها لاحقاً لتنتجها تحت اسم (Nikonos). كما عمل (كوستو) على بناء الغواصة SP-350 التي تتسع لشخصين وتعمل تحت عمق يصل لـ 350 متراً بقاع المحيط. ليحقق عام 1965 إنجازاً بالوصول بنسخة مطورة منها لعمق 500 متر. وقد دشن (كوستو) عام 1980 نموذجاً آخر لغواصة أعماق نفاثة ذات راكب واحد أسماها TURBOSAIL.
بدأت صورة (كوستو) الشعبية بالظهور حين نظم حملة لاقت اهتماماً عالمياً ضد محاولة المجمع الأوروبي للطاقة الذرية (EURATOM) للتخلص من مخلفاته النووية بإمارة (موناكو) عام 1960. وتم إيقاف القطار المحمل بهذه المخلفات بواسطة نساء وأطفال اعتصموا على الخط الحديدي وأعادوه لمصدره. واستدعي (كوستو) وقتها للمناقشة مع الرئيس الفرنسي (شارل دوغول) على خلفية هذه الأحداث.
في عام 1968م طُلب إلى (كوستو) الاشتراك في سلسلة برامج تيليفزيونية لتعريف الجمهور بعالم البحر الخفي. وهكذا كان برنامج (عالم الأعماق- Undersea World) الذي قدم للجمهور العادي صورة لعالم أبحاث المحيطات طيلة ثماني سنوات. وليحتل مكانة راسخة¡ حتى عند المشاهدين العرب¡ كأحد أهم معالم التثقيف التلفازي. وقد جعل البرنامج من (كوستو) نجماً عالمياً¡ كما جعل من الاهتمام بالبيئة البحرية هماً شعبياً. ما حدا به لتأسيس جمعية غير ربحية باسمه لحماية الحياة البحرية يفوق عدد اعضائها اليوم الثلاثمائة ألف.
يعد (كوستو) اليوم رمزاً لتظافر روحي العلم والمغامرة لأجل البيئة. وهو قد حصل على تكريم (الأكاديمية الفرنسية). وعلى (وسام الحرية) الأميركي مرتين من قبل الرئيسين (كارتر) و (ريغان). كما حصل على جائزة الأمم المتحدة الدولية للبيئة وعُين مستشاراً لديها ولدى البنك الدولي. وبالرغم من أن (كوستو) قد توفي عام 1997 إثر أزمة قلبية¡ إلا أن تراثه لا يزال حياً ومحركاً للكثير من الجهود العالمية. حتى سفينته العتيدة (الكاليبسو) التي غرقت إثر اصطدامها ببارجة عام 1996¡ تم انتشالها لاحقاً لتبقى شاهداً على منجزاته. بينما ينتظر العالم انطلاق خليفتها (كاليبسو 2) التي وضع (كوستو) نفسه تصاميمها يوماً لتجمع صفوة تقنيات أبحاث البيئة البحرية.
مواقع مهمة لمعرفة جهود هذا الرجل
هنـــــــــا
وهـــــنا