سلام الـلـه عليكم
لمحة خاطفة في قصة " كلمة خائبة "
لقد رسمت لنا الأديبة الدكتورة نجلاء طمان , مشهدا قصيا مقتنصا , من واقع الحياة , وتظهر المهارة , في تجسيد المشهد ليكون لوحة قصية , تملك أبعادا رائعة , بدأت باستخدام التوضيب البارع للمشهد , من خلال رسم صورة الحالة النفسية للشخصية " هو " , في توليف بين الخيوط الزمانية والمكانية تلميحا , فالمشهد يضمهما معا , وفي حالة مواجهة انسانية , هو الأضعف صورة في المشهد , وفي حالة انكسار , نظرا لموقف سابق له , غير سوي :
"وقف أمامها يتسول نظراتها , يحاول النطق , يحارب أحبال حنجرته , كلماته مشنوقة تتعلق عليها , تتأرجح مع دقات الساعة , يمر الوقت."
ثم يتم رسم الصورة المقابلة لشخصية " هي " , بشكل أكثر بروزا وشموخا , شخصية صاحبة حق , وتصورها الكاتبة , بالجمود والقوة , والسيطرة المطلقة على مسرح الحدث , من خلال رسم الملامح , وملامسة الحركات التي تعكس داخل الشخصية , واستقلاباتها النفسية :
"تنظر إليه بوجهٍ جامدٍ كالصخر..غامضٍ خاوٍ كالكهف , عيناها تكبل شفتيه , تعتقل لسانه في غياهب تردده . تضيق عيناها وهى ترمقه، تخبىء تحت جفونها جثتها الملقاة على أرصفة غدره, تنتظره ينطق , كلمات تكفن بها آلاماً كم ظلت تعثو في حناياها فسادً , فتدفن بها صبراً أعياه الصبر. "
وبعد التصوير الموفق , لحالتي المشهد " هو " و " هي " , والموقفين المتقابلين , أوصلتنا الكاتبة إلى لحظة التوتر القصوى , لاستيعاب الحدث والالمام بتفصيلاته , تأتي ومضة عقدة الحدث , ومزج اللوحتين معا , في المشهد الواحد , عندما تخرج كلمة ضعيفة , على لسان الشخصية " هو " المنكسرة , كلمة " آسف " :
"
ينتصر في حربه , تفر كلمة محتضرة من لسانه المكبل بأصفاد ندمه , تتلوى ..تسقط في الهواء ..تهوى على أرض الغرفة..تتكسر.. فتتناثر شظاياها تدمى وجه الانتظار :
- آسف "
ثم يسيطر السكون لبرهة , ثم ينفجر صوت الشخصية الأقوى , صاحبة الحق " هي " على شكل ضحكة مجلجلة , هي نهاية المشهد :
"تطلق ضحكة مجلجلة . "
والقصة " كلمة خائبة " عمل فني أدبي , اتسم ببراعة التوضيب والبناء والقفل , وكتب بلغة عالية , وجاء العنوان , منذ البداية يختصر الحالة , ويوفّر على القارئ الاسهاب في التفكير والتخيل , لأنها خطت النهاية مسبقا , ولولا العنوان , لبقيت الأمور مفتوحة , أمام تخيلات القارئ , وقد يذهب في مناح ايجابية , في استخلاص العبرة من المشهد القصي , وهذا ما لم ترده الكاتبة , لأنها ربما تريد أن توصل غلى ذهن القارئ , أن كلمة الاعتذار , لاتكفي أحيانا لمسح خطيئة مرتكبة .
د. محمد حسن السمان