أخي الحبيب خليل
لم أقصد هنا أن أصدر فتوى في قضيةٍ ما من القضايا ، فأنا لست أهلاً لذلك
وما قصدته هنا أن هناك بعض الأمور يجب التسليم بها دون مناقشة وهي قليلة ، كما أن مسألة مناقشة الأحكام الشرعية لا تجوز إلا لمن امتلك الأدوات الضرورية لذلك .
أما قضية حكم المرتد فقد قرأت المقالين التاليين حولها :
( 1 )
حديث عقوبة المرتد* .. صحيح* .. ولا تناقض بينه وبين آيات الردة التي وردت في القرآن
يقول د.محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي بواشنطن* 'حكم الردة موجود في كل كتب الفقه الإسلامي وإن المرتد يعاقب علي ردته* .. وهناك خلاف حول عقوبة المرأة،* هل هي كعقوبة الرجل أم لا فالإمام أبو حنيفة يقول انها تحبس والجمهور يري تطبيق الحد عليها مثل الرجل*'.
وقد استند العلماء في عقوبة حد الردة إلي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم* 'من بدل دينه فاقتلوه*' .. وهذا الحديث رواه الإمام البخاري وصحيح البخاري كما نعلم هو الكتاب الأول من ناحية التثبت من أحاديث رسول الله* .. وهذا هو ما يراه علماؤنا القدامي* .. ولكن يرون في نفس الوقت ألا تطبق العقوبة علي المرتد إلا بعد خطوات معينة منها*: أن يندب للشخص الذي حصل منه ما يوجب الردة أحد العلماء سواء كان قاضيا أم لا ويناقشه في أفكاره لعله يتبين أن ما استند إليه من رأي هو شبهة لا دليل لها* .. فإذا هداه الله ورجع عن ردته انتهي الأمر* .. وإذا تمسك بردته تترك له الفرصة ليفكر في الأمر لمدة *٣ أيام كما يري فريق من العلماء*.
والعقوبة كما نري هي عقوبة شديدة وذلك يرجع إلي أن الدين هو أول ما يجب أن يحافظ عليه من أمور ضرورية لابد من وجودها في المجتمع وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل والعقل وحفظ المال ولعل السبب أيضا إلي جانب ذلك أن المرتد عن الإسلام عادة أو في* غالب أمره لا يكتفي بردته بينه وبين الله وإنما يحاول ان يعلم الناس بمبرراته لترك هذا الدين،* فبهذا يكون هادما لأساس من الأسس التي تقوم عليها الدولة في الإسلام*.
ويضيف د.رأفت عثمان في حديثه* .. حاول اليهود ان يضعفوا من مكانة الإسلام في نفوس المؤمنين به أيام رسول الله صلي الله عليه وسلم فطلبوا من مجموعة منهم أن يؤمنوا بالإسلام في أول النهار،* ثم يعلنوا كفرهم في آخر النهار وذلك للإساءة لسمعة الإسلام* .. وقد بين الله عز وجل في قوله الكريم* 'وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل علي الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون*' صدق الله العظيم* .. فما الذي يضمن أن ما حدث اليوم من حالات ارتداد في الاسلام وقد شهدنا عددا كبيرا منها في هذه الأيام وهناك من يكون مسلما ثم يرتد ويخرج في وسائل الإعلام مشككا في الدين الإسلامي* .. من يضمن ألا يكون هؤلاء يفعلون ذلك عن عمد وتعمد،* بقصد الإساءة للدين الإسلامي وهم بذلك يهدمون أساسا من أسس الدولة والتي هي أساسها ودستورها مبني علي الإسلام*.
ولكن هناك من يقول ان الآيات القرآنية التي وردت في الردة لم يرد فيها حكم العقوبة بالقتل وان العقوبة وردت في السنة فقط وفي التمسك بالعقوبة وفقا للسنة فيه تقديم للسنة عن القرآن*!
يجيب د.رأفت عثمان قائلا*: لا يصح ان نقول ان الحديث الذي ورد في حد الردة قد ناقض القرآن لأن التناقض لا يكون إلا بين حكمين في قضية واحدة،* والقرآن الكريم لم يقل* 'لا تعاقبوا المرتد*'،* وإنما أقصي ما يفهم منه هو عدم الكلام عن العقوبة فإذا جاءت السنة وبينته بحديث صحيح مثل ما رواه البخاري وهو أن عقوبة المرتد هي القتل فهذا لا يكون تناقضا وإنما يكون بيانا بحكم فعل لم يبن القرآن له حكما،* ومعروف أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من القرآن وحده وإنما بجانب القرآن بوصفه مصدرا للتشريع فإن السنة أيضا هي المصدر الثاني من مصادر التشريع* .. قال تعالي لرسوله الكريم*: 'وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم*' .. وقال تبارك وتعالي*: 'وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا*'.
*'فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما*'.
صدق الله العظيم
( 2 )
سؤال :
كيف نرد على الشبهة القائلة بأن: "عقوبة المرتد في الإسلام تتنافى مع حرية العقيدة"؟
الجواب :
الحمد لله وحده، وبعد:
أولاً: أنصح السائل الكريم أن يبتعد عن مجالسة أهل الزيغ والأهواء ممن يثيرون الشبهات في مجالسهم، ويُلبسون على الناس عقائدهم.
كما أنصحه بعدم إضاعة وقته بقراءة كتب ذوي التوجهات الفكرية المشبوهة، والمذاهب المنحرفة الهدامة، سيما تلك المتدثرة بجلابيب ذات صبغة إسلامية في الظاهر فقط، وإفلاس حقيقي في الأصالة، والاتباع لما كان عليه سلف الأمة عقيدة ومنهجاً.
ثانياً: ليعلم السائل أن أحكام الشريعة مفروضة من لدن حكيم عليم، وبلغها رسولنا الأمين –صلى الله عليه وسلم- للأمة كما أرادها الله تعالى.
فليس في أحكام الله وشريعته تناقض أو تصادم قال الله تعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً".
ثالثاً: أن الأصل في المسلم الرضا بأحكام الله وشرائعه والتسليم بها، سواء عقل الحكمة أم لم يعقل، فهم المقصود أم لم يفهم، إذ العقل البشري قد يقصر عن إدراك بعض أسرار الشريعة وأحكامها، فلا يسعه إلا أن يقول كما قال أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-:"سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
وأنا أضرب لك مثالاً: تُرى لم كانت ركعات الظهر والعصر والعشاء أربعا،ً بينما المغرب ثلاثاً والفجر اثنتين؟ ولم كانت الظهر والعصر سرية القراءة وكانت البواقي جهرية؟
الجواب: إنها إرادة الله وحكمته وكفى!
رابعاً: بالنسبة لما أثرته من تساؤل حول عقوبة المرتد -وهي القتل- وأنها تتنافى مع حرية العقيدة؟
فالجواب من وجوه:
(1) أولاً: إن المرتد بعد أن أقر بالإسلام والتزم به وتسمى به، فقد رضي بكل ما تضّمنه الإسلام من أحكام ومنها حكم المرتد.
(2) ثانياً: إن المرتد لا يقتل إلا بعد استتابته ثلاثاً- أي: ثلاثة أيام- مع خلاف في بعض المسائل كمن سب الله تعالى أو رسوله –عليه الصلاة والسلام-. فإصراره على الردة، والسيف مروض على رقبته، يدل على عدم استحقاقه البقاء، إذ لو بقي لكان عامل فتنة مهدم لضعيفي الإيمان من أبناء الأمة، بما قد يلقيه عليهم وبينهم من الشبه والأغلوطات، فقتل المرتد حماية لغيره من اقتفاء أثره والتشبه بمسكله. وتأمل كيف سمى الله تعالى قتل القاتل حياة حين قال:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون".
(3) ثالثاً: لو تُرك المرتد بلا قتل؛ لاتخذ الناس دين الله هزواً ولعبا؛ً فيسلم أحدهم اليوم ويكفر غداً ويسلم غداً ويكفر بعد غد بلا مبالاة، بدعوى حرية المعتقد، وفي ذلك مفاسد لا تخفى والله المستعان.
وفقك الله وأعانك، والسلام عليكم.