بطاقة معايدة
برقة وهدوء انسحبَ في ليل مضى ، لملم أشياءه وعطوره ونفحات أرواحنا ، حملها معه وسار بعيدا بعيدا ،ظللت أرقبه حتى لاحت من السماء بارقة ضوء بينت الخيط الأسود من الأبيض فعرفت أن زائرا آخر يطل بشعاعه المبارك.ارتحل رمضان كعادته نقيا جميلا هامسا ،لكنه حزين .وأفسح المكان لأيام مباركة أخرى ، تحمل في إهابها الحب والإيمان .ذهب رمضان وحل عيد الفطر غير سعيد .
أوطاننا وأهلونا وأطفالنا في بقاع من الأرض الواسعة نسوا الفرح ، ونسوا الحزن أيضا ،ولم يبق لديهم إلا صرخات استنجاد مكبوتة موجهة للسماء ، فما عادت الأرض بناسها تأبه لهم.
لنوجه من هنا بطاقات لمن نشاء .
بطاقتي أوجهها إليه
أبي العزيز
إليك هناك في بلد الارتحال الأول حيث تعانق خلاياك تراب الوطن وإن كان غير مسقط رأسك.
إليك هناك في نابلس الأبية العصية الشامخة ، شكيم العتيقة عتق التاريخ حيث امتزجت ذرات كينونتك بذرات الأرض، أبثك حبا كنت تتمنى أن تعيه فوق التراب ، لكن الأجل جاءك قبل أن أستطيع فهمما يجري.
ودعتك الوداع الأخير بعدأن ودعتني وداعك الأخير ، وكأنك كنت تعرف ما ينتظرك ،أبيت أن تعرضني لألم مواجهة الموت قبل الأوان .أودعتني وشقيقتي دار السينما لنشاهد شريطا مرحا ورجعت إلى البيت على وعد بإياب . لم تعد يا أبي بل جاء من يأخذنا إليك لنودعك الوداع الأخير . لم يتحقق حلمك بأي عودة .فلا أنت عدت لمسقط رأسك وبيارة جدك وبحر أسلافك ، ولا أنت استطعت أن تعود لتصحبنا للبيت تحت جناحك.
لم أبك جسدك الطاهر الممدد أمامي فاعذرني يا حبيبي ،فلم أكن سوى طفلة لا تدرك ما يحدث أمامها .
لكن المشهد بتفاصيله حفر عميقا في روحي ،ولم أطلع عليه أحدا.الآن يا أبي أبعث إليك بحبي ودعائي وإصراري مصحوبا بإصرارك على أن أفعل ما بوسعي لأجل الوطن .
كل عام وأنت وتراب فلسطين ,وكل أرض عربية وإسلامية بخير وعافية .
ابنتك
__________________