أوصاله مقطعة منذ زمن ليس ببعيد ، لكنه زال صامدًا رغم كل ما أصابه ، و ما زال رمزًا شامخًا لكل من أحبه ، ورغم كثرة المحن ورغم كل العذاب ورغم كل شيء ما زال يؤمن بيوم يلتئم فيه الشمل ، وتتجمع فيه الأوصال .
أراد أن يذهب إلى هناك ليطمئن على جزء عزيز عليه ، لم يره منذ مدة بفعل الاحداث الاخيرة التي حصلت ،من حصار وقتل واختلاف في الأراء وأحيانًا المعتقدات ، فوجد تظاهرة صاخبة وأصوأتًا تصدح بصوتٍ عالٍ ــ عاش الوطن الموت لأعداء الوطن ـ لم يتمالك نفسه من شدة الفرح ، فصرخ بأعلى صوته ـ عاش الوطن الموت لأعداء الوطن ـ ، وتقدم الجمع ، وهو يهتف صارخًا بكل ما أوتي من قوة .
ثم عاد إلى هنا بعد أن رأى هناك جملة من الأمور التي مزقت قلبه وأدمت عينيه ، لكنه سلم أمره لله ، وعاد ليجد أمامه جمعًا كبيرًا يهتف بصوت واحد : عاش الوطن الموت لأعداء الوطن ، لم يتردد لحظة في الالتحاق بهم وأخذ يهتف معهم ـ عاش الوطن الموت لأعداء الوطن ـ ، ثم تركهم وأنصرف ، لكنه لم ينتبه لوجود العسس من حوله وهم يراقبونه عندما كان يهتف هناك ويصرخ بأعلى صوته عاش الوطن الموت لأعداء الوطن ، فاعتبر من هنا أنه عميلاً لمن هم هناك .
أراد أن يوضح الامور لكنه لم يستطع ، ثم فكر باللجوء إلى هناك ، لكن أخبره بعضهم أن من هناك رأوه وهو يهتف هنا وأنه قد يكون عميلاً جاء إلى هناك ، ماذا يفعل ، ليفهم من هنا ، ويفهم من هم هناك ، ألقوا القبض عليه ، وأخذوه بعيدًا وأنقطعت عنا أخباره ، فلم نعد نسمع شيئًا عنه.
بعد بضعة أسابيع أخبرني من أثق بصدقه أنه رآه يتقدم مظاهرة ضخمة وهو يحمل يافطة عليها صورة كبيرة والجميع كان يهتف بصوتٍ واحد ـ عاش الزعيم يسقط أعداء الرغيف !
أردت أن أكذب الخبر ، لم أقتنع ، فأردت أن أتأكد بنفسي ، ذهبت باحثًا عنه ، فوجدته يتوسد التراب وقد تغيرت ملامحه بفعل فاعل ، و لهول ما لقيه هنا ، وما سمعه عما يحدث هناك علمت أنه فقد حواسه كلها فلم يعد يدري بأي شيء يدور حوله.