سهام اللحظ
رمتكَ اللحاظ ُ بسهم *** فما أخطأتْ منك الفؤاد ..
أهو العشق بنيّ .. قد أصابتكَ رماحُه ، فألهبتْ حشاك صبابة ُ الهوى ، وللعين سجمٌ خجول ، يتوارى في التماعةِ نجوم الدجى أرقا ، ونبضُ القلب يقتات على آخر فتاتِ الصبرِ فيك ..
كزبد البحر هذيانكَ يطفو على شفاهك ، لا يترك إلا ترسّب مرارةِ الملح ، وتشققات الصمتِ وزفرات أنين..
أتراه العشق بنيّ .. استوطن الفؤادَ منك فاعتلّت به روحُك ، و ذوى منك الجسدُ واصطبغ بصفرة نائحة على محياك ، تمتص منك رحيقَ زهرةِ شبابِك الذابلِ على أعتاب الهوى شوقا وهياما ..
مالي بُنيّ أرى الصبرَ قد جافاك ، والشوقَ قد أرّقك ، وما منعك لذةَ َ الوصالِ إلا خِشية ُ الخالقِ ِ والخفرُ تحفظا ، وقد ادلهمّ ليلُك وطال ، بعد أن عَزّ الكرى ، يداعب خيالَك طيفُ المنى ، فساعة مُحياك في تبسم ، وساعة متجهما ..
سكن جفنَك السهادُ ، تُقلّب ناظريك في نجوم السماء شاكيا لوعة َ الوجد ، تزفر الآهاتِ حَرّى ، تناجي قمرا وإن غاب كغياب من نَبَضَ الفؤادُ بعشقها هُياما ، وقد كُبّلتْ بالصمت شفة ٌ زُمَّت على سرّك تسجنه بين الحنايا وخلفَ الضلوع ، وعينيك الساهمتين تبوحان بما يعتملُ في صدرك المغلق ِ على عالم لا يتصلُ بعالم ِ من حولك ..
هون عليك بُنيّ ، فلا يفقدنّك الهوى رشدَك ، ولا يلقينّك في تهلكة سبقك إليها مَنْ سبقك فكانوا مثلا ، فتلاحقُ سرابا لا يروي ظمأ ، وتُهلك نفسَك بمطاردةِ طيف لا أملَ فيه يُرتجى ، يلقيك في قرِّ فيافي الوهم ..
أي بنيّ ..
هي القلوب تتقلبُ ، والعشقُ جذوة ٌ من نار تميلُ كلما مال بها الهواء حتى تنطفئ بنفثةِ يأس ، فأحِبّ َ من تستطيعُ العيشَ معه لا مَن لا تستطيعُ العيشَ دونه ، ومن تأنسُ بقربه ولا يقتلُك فقدُه ، ولا تطرقْ بابا أغلقَ دونَك فتهرقُ ماءَ وجهِك ، ولا توصدنّ بابَك في وجه من أحبَك فلا تدري ما يصيرُ إليه حالُك ..