مابين مطرقة اللاّوسنديان النعم تعصف بي الريح, و تعتلجني الهموم, فلا أنا بمستريح بين "لا" ولا بين "نعم" ,حيرة اعتلتها سحب اللوعة, وألم ضيّقة قلة الحيلة .
إنه العجز في ساعة العجز, والضعف الذي تولد عن اختلاف المكان, وتغير المعايش, وتباين الظروف.
بأبي أنت وأمي -صلى الله عليه وسلم -حينما استعذت من الضعف والعجز,اللهم إني استعيذ بك مما استعاذ به –صلى الله عليه وسلم - .
إنه القيد فوق القيد ,إنها اللحظة التي تنظر إلى يمينك فلا تجدها معين , وتنظر لشمالك فتجدها تقطع في الوتين .
لا تستطيع بوحا, ولا لسر كتما, إنها مرحلة ما بين البينين, لا أنت بالحي الذي تُرجى سلامته,و لا بالميت الذي يُدعى له بالمغفرة والرحمة .
يدق القلب به ويهتف إليه, وليس إليه وسيلة ولا شرعة سوى أن أبيت وأعيش على بحر الأرواح ,الذي استعذبت نميرة,وتذوقت من فراته,وما ألذه من فرات.
إلا إننا عالم لا يؤمن إلا بالواقع والمحسوس.
ولعَمْرِي لا أؤمن بكل الموجودات,إلا أن بصمة من الواقع بسبابه منه أو إبهام ضرورة لا بد منها .
أن نصبح على واقع غير عالم الروح الذي نعيشه هي الدرجة العليا من الشتات والبعد , لأن الروح لم تعد في داخلك .
وتالله لست باظنة بروحي عليهم , إنما هو الجسد يتَـتبِعُ الروح المهاجرة ؛فيعاف مكانه الذي فيه, وإن كان جنة ,فأنت غريب في وإن كنت في وطنك ,وعابر سيبل لا تعرف أين طريق العودة ولا أين طريق الذهاب ؟حيرة نُصبتْ خلفك ,وحيرة تربعتْ أمامك.
يبقى الألم يعصرك ,واللوعة والشوق يأكُل منك, لحظة ...موت... حياة... و حياة يتبعها موت .
خلا المكان من الناس ,وإن امتلأ بأقربهم رحما إليك, فلا تسمع إلا الصوت الذي تبحث عنه, ولا تشتم إلا زاكي ريحهم وإن صُب فوق هامة رأسك دهن العود كله .
لا أعلم لماذا كلما مشيت خطوةً خُلت أنّ ضلعا من أضلاعي سقط؟. ليهاجر إليهم ,ويسكن في صدرهم الرحب بالحب,الواسع بالحنان ......آه ليتني كنت ضلعا ,إذن لرتحت و ريّحت , وإلا ليتني كنت الثوب الذي عليهم؛ حتى أتنعم بكل دقة ,وبكل زفرة منهم .
يا ضيعة آمالي .. ويا علة صحتي التي قربت الزوال.
غير دموعي لم يبت لي مواسٍ, فلا ماء آسن براو ٍ لي ظمأ, الذي اشتد .
حيلة وما أضعف الحيلة, ورجاء تقطّع من الرجاء, وأمل تهشّم من الألم ,غير أن أدعو على سجادتي بأن يجمعني الله بهم كما جمع بين يعقوب ويوسف عليهما السلام .
ولا زلت أتذكر صوتهم العذب حين ردد:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا .
يارب يا من لا يعجزك أمر مهما اشتد, ولا يحول بينك وبين قضائك وقدرك راد, ولا رادع ,اجمع الشتيتين جمعا مباركا لا فراق بعده.