بين طيات إنارة تتناوب على شرفتي المظلمة ومن خلالها كنت أسترق بعض النظرات خلسة الى امرأة جميلة في الجوار وأراها كأنها ترسم شيئاً
لم يتحمل فضولي الإنتظار فناديتها عمّا تفعل فردت دون أن تلتفت إلي
( لم أزل.. أرسم في الظلمة بصيص نور ... أي ابتلاء يا نفس أنت فيه ، وأي ثقل على كاهلي ما زال بازدياد ، وما انحنى به ظهري . ما زالت تعقد لساني مرارة خيباتي المتعاقبة ، بتجرع كؤوس البؤس بلا ثمالة ، يتزلزل جسدي بصمت الغضب ، يترنح ولا يسقط )
مالك ايتها الجميلة وهذا الغضب دعيها حتى يأتي الصباح بنوره قالت: لا… تعال واكتب
( ايها الثرثار .... افضح كل أخباري ، وأرق نزفي على ورق ، ترجم كل خفقاتي ، ومد الخط بآهاتي ، ارسم كل أحلامي .. آمالي وأحزاني ، اكتب في الهوى قصصا وأشعارا ، واكتب حكايا الليل خاطرة ، انثر شذا العطر أفراحا ملونة بزهر الروض ، وارويها بمزن مدادك القاني ..
لا تصمت ، فصمتك يؤرق الأوراق من ضجر ، ويقتل كل أفكاري ، خذ من نبضي حياة لك ، ومن أنفاسي أنفاسك ، ومن توقد مشاعري مشعلا لإلهامك )
لن أخفيك سراً فإني
( لا زَالَتْ تَسْكُنُنِي الأَمِاكِنْ ، وِيَسْكُنُ فِي عَيْنَيَّ وَجْهكَ وَ قَمَرٌ سَقَطَ دَمْعَةً ذَاتَ وِدَاعٍ .
وَحْدِي .. عُدْتُّ أَجُوبُ أَرْوِقَةََ الذِّكْرَى ، أَتَلَمَّسُ لَحَظَاتِ قُرْبِكَ ، فِي البُعْدِ تَحْتَوِينِي لَحَظَاتُ شَوْقٍ ، تَشُدُّنِي إِلى كُلِّ زَاوِيَةٍ شَهِدَتْ لِقَاءَاتِنَا ، هَمَسَاتِنَا ، مَوَاعِيدَنَا ، أَحَادِيثِثَا ، أَحْلَامَنَا ، وَوُعُوداً قَطَعْنَاهَا عَهْدَ وَفَاءٍ ، شَوَاهِدَ بَاقِيَاتٍ ، سِنْدِيَانَةٍ انْحَنَتْ بِكِبْرِيَاءٍ .. ضَمَّتْنَا فِي أَفْيَاءِ غُصُونٍ تَدَلَّتْ ، تُصِيخُ السَّمْعَ لِخَفْقِ القُلُوبِ ، وآهَاتِ لَوْعَةٍ سَكَنَتْ جَرْحَ الرُّوحِ ، سَقَتْنَا دُمُوعَ الوِدَاعِ كُؤُوسَ عَذَابٍ .. بِمَرَارِ غَصَّةٍ ..)
أليس هناك يا وفاء الأمل بشروق شمس غد؟ قالت
( بارقة أمل ... كم رسمنا من دمانا لوحات فرح ، أطرت بنظرات شوق ترنو لغد يأتي ، علقت على مسامير الأماني التي دقت في جدر صمت ليال مكفهرات ، بسواد المصير ليلا سرمديا ، يتوق لانبلاج نور ، يبرق في دياجير النفس المصلوبة على بوابة التيه ، يضيء بسناه قلوبا تملكها الأسى ردحا من المشاعر )
وسمعتها تغني عند الصباح وهي تتبختر كأنها الطاووس وفي يدها
( قبضة من حبّات الزيتون .. كانت تتفحص الحبات الخضراء بعناية ، تمسك من كل شجرة حبة ، تعصرها لكي تتفحص كمية الزيت ، ونضج تلك الثمار ، وهي لا زالت تردد تلك الكلمات)
هي بالحقيقة ليست كأي كلمات بل هي
( كلمات رطبة ..
تخاطب طيفاً مرّ بذاكرتها وتقول ....
احمل حقيبتي ، أخرج منديلا ، أجفف به رذاذ كلماتك ، يشمئز .. يطير محلقا مع النسمات مبتعدا ، تلاحقه النظرات الشاردة حسدا .
رعشة خوف تصيبني و يدك تسحبني من شرودي .. أنقاد متعثرة بأفكاري )
وممّ تعانين يا وفاء؟ قالت من
( إثم البوح.. صفحَاتي باتتْ قيعَانًا ، تشَقّقَتْ عطَشًا ، فلاَ بنت شفَة أزْهرَتْ فيهَا ؛ ولا أينعَ حرْفٌ على سنّ اليَرَاع ، ولا ذُبالة فكْرٍ تمَخّضَ بهَا العقْلُ ..
بترَ يرَاعِي مِنْ بينَ أنامِلِي ، باتَ بلا حياةٍ وقد نزَفَ فِي وَدَاعِكَ نزفَهُ الأَخيرَ ، وأعلنَ عن البَوْح توبتَهُ)
وما نرى منك الا أحرفاً تفوق خيال الكلمات فماذا سيقول قراءك بـ
( غلالة التواضع ... كم سقيت الروض بدموع الصبر ، وكم انتظرت ، براعم الورود ، كنت سياجا لها بروحي ، أظلل عليها بأحلامي ، أشق بإظفار الألم قناة الأمل ..
الربيع كسا الروض اخضرار الحلم .. شبت غصون الغراس ، وبراعم تكورت في رحمها غلال المحبة ، أنظر إليها بلهفي جنى موسم حصاد ..
زحف الصيف بوهج اللهيب في شمسه ، جف البرعم على سوقه ، صار الروض غابة شوك ، يلف حقده على قلبي ، ويغرس نصاله في حلمي ، ورياح سموم كيده تهب تذروا آمالي )
نظرت الى البعيد وتأوهت وأبرقت بكلمات عبر أمواج البحر مخاطبة الحبيب
( أيها الراحل ... أنا هنا ... أمسح الدمع بمناديل الصبر ، لازلت أنتظر الإياب ، عل مفكرة الذكريات تطرق باب الشوق في قلب أدمن الرحيل ، يوقظ الحنين الغافي على دروب الاغتراب ، ينثر رمادا من نار خبت في حنايا ضلوعه ، ليشعل الشوق لهيبا للرجوع )
وبعد
( لحظة صمت .. والخَفْقَةُ دَفْقُ حَنِينٍ ، أَحْتَرِقُ بِهَا ، أَتَلَهَّفُ لِلَحْنِ الْهَمْسِ نَغَمَاً يُرَاقِصُ حُلُمِي ، يَتَّسِعُ أُفُقُ نَظَرَاتِكَ ، يَجْتَاحُ سِيَاجَ أَضْلُعِي ، يَخْتَرِقُ حُدُودَ بَوْحِي ، يَسْتَبِيحُ سِرِّي ، يُحَاصِرُنِي .. يِنْتَزِعُ اعْتِرَافَاً ..
مِنِّي ..
بِأَنِّي ..
أَهِيمُ بِكَ ….
أَرْتَعِشُ لَوْ تَحَرَّكَتْ يَدُكَ ، لَوْ هَدْبُكَ سَتَرَ نَظْرَتَكَ ، لَوْ لَفَحَتْ وَجْهِي أَنْفَاسكَ ، أَذُوبُ فِي مَجْلِسِي .. تَائِهَةٌ فِي حَدَقِةِ عَيْنكَ .
لَحْظَةُ صَمْتٍ فَضَحَتْ كُلَّ مَشَاعِرِي وَمَشَاعِرُكَ .
بَحْرُ عَيْنَيْكَ بِلَا مَدَى .. أَمْوَاجُهُ عَانَقَتْ شَوَاطِئِي ، غَمَرَتْنِي بِلُجَّةِ الشَّوْقِ ، نَشَرَتْ شِرَاعَ مَرَاكِبَ الْهَوَى الَّتِي غَفَتْ فِي مَرْفَئِي )
ولكن
( لن أقول أحبك .. لن أبوح بها .. احلم كما تشاء
خذني في سهرات ليلية
نمشي في الطرقات سوية
نبتل تحت أمطار الشتاء
اعشقني في كل الفصول
الهمني كلمات الشعر
واهمس في اذني ..
.. أحبك ..
لن أقول احبك.. لن أبوح بها ..
خذ يدي بين يديك
عانقني بلهفة الشوق
لامس وجهي بحر أنفاسك
ليختلج القلب نابضا بالهوى
لأذوب بين ذراعيك
.. ولكن ..
لن أقول احبك.. لن أبوح بها)
واعلم يا هذا يا أنت الذي سافرت دون وداع بأنك
(ماكنت يوماً لي وماكنت يوماً لغيري
كيف آسى عليك !! وقد مضيت تحمل أفراحي وأتراحي ، وتدوس برحيلك آمالي ؟؟
وهل سألتك يوما لم كان هذا منك ؟؟ وأنت ما أقبلت إلا لتدبر وتحمل المزيد والمزيد ،
إلى أن يأتي يومٌ تطويني به مع من طويت ؟؟
كيف آمنك ؟؟ كيف أركن إليك و ما كنت يوما لي و ما كنت يوما لغيري)
ولكني
(أتيت لآخذ حاجياتي ولعلي أغيب فترة لا أدري كم تطول ، ابنتي تنتظرني في الخارج)
..ثم قالت وكأنها تجيب على سؤال وجه اليها من قريب
(نعم ..أعلنت الشوق عليك ، يا من أطلت الغياب ، ولذت بمساحات الصمت ، وأنت رابض في قلبي ، تسجل تاريخ غيابك حفرا على شغافه ، تحصي غيابك نبضاته)
أتدري يا مهاجر
( متى التقيتك...... على عتبة الشوق ، يقف الحزن بحدقة عيني ، أبحث عن ملامحك التي تاهت في فسحة غيابك ، أهمس بكلمات تتكسر على حد الشفاه .. أحبك ..
وما كنت تهتم أو تنظر الى
( ارتعاشات القلم .. لست أدري أدموع .. أم شريان الدم
انسكب أحرفا .. تجمعت جملا ..
روت روض الورق .. فأنبت زهرا ....
شرائط بسماتي حولها.. عقدتها ..
لونتها .. بألوان فرحي ..
اليك أرسلتها)
ألم تذكر ذلك الصباح وكانت تزين يدك وردتان
( وردتان ، سكب الصفاء عليهما نقاء بياضه ، امتدت بهما يدك ، وعيناك يرف منهما الهدب خجلا ، وجنتاك تضرجتا بخمرِّي اللون خفرا .. وعلى شفتيك ندت ابتسامة أبانت لؤلؤات ارتصت صفا لامعا ..
ترتعش يدي في كفك كطفلة تاهت في غياهب المجهول تبحث عن متعة المغامرة )
وقلت لي
(صباح الخير يا عمري...على حُدُودِ اغْتِرَابـِِكَ واغْترابِي ، بَنَتِ العَصافيرُ أعْشَاشها ، لتَسْتيْقظَـَ كُلَّ فَجْرٍ تُشَارِكُ القُلُوبَ شدْوَهَا على إشْرَاقة ِ شمسِ ِ الشّوْقِ ِ، عزْف َ تأوُّهٍ، وتَبَتُّلَِ صلاَةٍ في محْرَابِ الوَفَاءِ ولَهَاً، تُحَمِّلُ الأثيرَ المُسَافِرَ عَبْرَ البَرَاري والبِحَار مُفرَدَاتُ العِشْقِ أريجَ زُهُورٍ ظّمْأَى لقَطْرَة مَاءِ الحَيَاة ِ ، يَهُبُّ نَسِيمًا عَليلاً علَى قَلْبِي المُلْتَاع المُحْرَق ِعلَى شَوَاطِئ انْتظَارِي .
يغْفُو نَهَارِي علَى عتَبَات ِ لَيْلِي ، لتَسْكُنَ شُرفةَ َ قلْبِي حُلمًا ، يُرَاوِدُ نَوْمِي ، يُعَانِقُ طيْفُـَك جَفْنِي ، لأَصْحُوَ علَى صَوْتِكَ يُهَاتفُنِي ..)
وقلتُ
( لك وحدك يكون الهمس
كلَّمَا غلّفَتْنِي الوَحْدَة ، وَحمَلتْنِي غَمَامَةُ الشّوْقِِ لتُمْطِرَنِي مُزُونَ حَنِينٍ علَى كَفين كُنْت شَرْنقَة بيْنَهُمَا ، قَبْلَ أَنْ أُحلّقَ لنُورِ عينيْك فَرَاشَة ، تَتَلوّنُ برَبيعِ قَلبك ، تُفرِدُ أجْنحَتَهَا للشّمْس ..
لَك وَحْدَك يَكُونُ هَمْسِي كُلّمَا بَلّلتْنِي أمْطَارُ نيسَان ، وَكُلّمَا اغتَسلَت الوُرودُ بِندَى فجْرهِ وتنَفّسَ عطرَهَا )
والآن ليس لي الا أن أقول لك
(يا أنا يا أنت
يا ســري المخبوء خلف ضلوعي
يا نشــوة روحي
يا نبضــة الشــوق لقلبي
يا بسمة على ثغري
يا حرفا خط بلون الفرح أيام عمري
يا سكني ويا أُنسي ..)
لا أعلم كيف طاوعتني نفسي وقلت لك
( ارحل....
ونعتّك بـ
خريفُ الحبِّ أسْقَطَكَ ورقةً جافةً عن أغصانِ مشاعري المورقةِ بالعطاء ، تتقاذفُكَ رياحُ الهجرِ على أصقاعِ طرقاتِ الوِحْدَةِ ، تُكَسِّرُ ما تبقَّى من هشيمِ يباسِكَ ، تَذْروكَ فُتاتًا على نوافذ هجَرَتْها عيونُ الانتظارِ زمنًا ..
اقْرَعْ قلوبا أُوصِدَتْ دونَكَ ، واسْتَجْدِ قطرةً تَهَبُكَ رمقَ حياةٍ ، وتَسَوَّلْ على عتباتِها نبضةً تُدْفِئُ ارتعاشَ قلبِكَ الذي سكنَهُ الصقيعُ دُهوراً )
ايها الوداع ... مهلا
بَنَفْسَجَةُ القَلْب قَد انْشَقَّ بُرعُمُها ، وتَفَتّحَتْ بِحزْنٍ أزَلِي يُدِير سَوَاقِي الدّمْع ، والرّئَةُ تنَفّسَت الِجرَاح شرقَات دَمْعٍ وغصَّاتِ أَلمٍ ، فِي لَيْلٍ سكّنَتْ ظُلمَتَـهُ ناعِقات ُبومِ الشُّؤم، وَرَعْدَة الرّعْب يُراوِدُ صفيرُهَا جذْوَةَ رُوحٍ خَبَتْ ، تُلْقِي شحِيحَ رَمَقِ حَيَاةٍ علَى تغضُنّاتِ وَجْهٍ لاكَتْهُ أنْيَابُ الرّزَايَا ..
أيُّهَا المُتَعَجّلُونَ الخُطَى ..
مَهْلاً ..)
فاجعتي الأخرى حنان
رحلت حنان ..
رحلت فجأة لتخلف في نفسي فراغا معتما ..
رحلت وكأنها اختارت سرعة الوصول إلى عالم رأته بروحها سعيدة برحلة برزخية نورانية ..
كان رحيلك مفاجئا مفجعا ، وفقدك أليما أليما ، أسقطني في الوجوم لا أصدق أن روحك قد فارقت ملبية نداء بارئها ..
أتخبط ما بين ابتسامتك ودمعي والفراغ يحيطيني بصمت كئيب ، أغرق في حزن رائحته الموت ونكهته المرارة ..
--------
وبكت وفاء ..
بعد أن استعصى دمعها ..
ونادت البحر
أيُّهَا البَحْرُ ..
أيُّهَا البَحْرُ ..
أعْشَقُكَ .. مَوْجُكَ مُوسِيقَى تُدَغْدغُ رُوحِي ، نَسيمُكَ .. أنْفَاسٌ تمْلأُ رئَتِي ، رائِحَتُكَ .. عِطْرٌ يُدَاعِبُ أشْوَاقِي إلَيْكَ ..
لَمْ أَعْشَقْكَ كُلَّ هَذَا الْعِشْقِ رُغْمَ بُعْدِكَ عَنّي ؟ أَلِأَنَّكَ مِثْلُهُ بعِيدُ المَنَالِ ؟!! موْجُكَ رَجِيعُ صَوْتِهِ حِينَ يَهْمِسُ ، وَنسِيمُكَ تَدَفُّقُ مَشَاعرِهِ ، ورَائِحَتُكَ أَنْفَاسُه ..
لِمَ حَنِينِي إلَيْكَ يُشْبِهُ حَنِينِي إِلَيْهِ ؟؟!!
أنا ما عدت أنا
تؤلمني النظرةُ إِنْ سقطتْ على صفحةِ الماضي ، ومداركُ العقلِ تقفزُ من عتمةٍ إلى ضياءٍ يبهرُ بصيرتي ، تجلدني بسياطِ الندمِ والحسرةِ ..
تسقط .. تتهاوى مني صرخةٌ قبل أن تتجاوز الحنجرةََ إلى أعماقي . واهيةٌ أنتِ يا نفسي , ضعيفةٌ حد الهشاشة ..
تصارعين الزمن ، و هو والانتظار حجرا رحىٍ تطحنكِ وتذروكِ هباءً . تباً لخواءٍ تعوي به الريحُ في صدركِ .. تباً لفراغٍ يلفُ كينونتكِ .
ماهذا الكلام يا وفاء ؟ قالت انه
هذيان نفس
وعذراً يا وفاء فلربما لم نفِ بما يتوجب لروائع حرفك بهذه اللوحة
لكنها قد علقت في متحف
شاكر السلمان وماذا لو....
7/6/2008