كان عليك أن تشتريها بعملة أخرى غير عملة الصدفة..فأنت لم تتعب نفسك في البحث عنها..وجدتها صدفة..وتجدها صدفة.. وجدتها دون لقاء و تجدها دون لقاء..هكذا كانت دوما لك و معك صدفة..هبة قدر في يوم و في لحظة غير معهودة...لم تتكبد معاناة التنقيب..عثرت عليها عندما فتحت عينيك ذات مساء لتجدها تطرق بابك..لهذا تعودت ألا تتساءل عن سر الصدفة..و عن احتمال ضياعها..فاستسهال مواظبتها على الحضور جعلك تستسهل كل ما يحيط بها..لكنك لم تحسب حساب انسحابها..قد تتراجع خطوات القهقرى ٳذا ما أحست البرودة في ترحابك..قد تكون تلقائيا..عفويا تؤمن بالسجية و الطبعية و السليقة و الفطرية..إنما نسيت أنك لم تعد لديك الحرية فيما تعتقد..هل حاولت أن تطوع عجينة تفكيرك و فلسفتك لتلائم تفكير صدفتك؟؟..أن تلبس رداء بنات أفكارها و تدللهن حتى تخيط لك و لها لباسا يوحدكما و يتوج أناقة لقائكما..أم أنك تعودت سماع صوت واحد..صوت أعماقك.. الصوت الكامن بداخلك..و الذي يهب لنفسه المشروعية على أي تصرف أو وجهة نظر..تراها الصائبة الحكيمة دوما...ٳن صدفتك تتألم من فرط الصراع الذي تعيشه..صراع يتأبط ذراعها و يجعلها تنقسم بين وادين وريحين و فكرتين و قناعتين..الأولى أمل في حب كبير و انعتاق عظيم وولادة جديدة ووصل و سكن و لباس دافئ...الأولى توق للتوحد..للذوبان في ذات أخرى.. حلم في فك الحصار عن القلب..حلم في تحطيم أغلال المسؤولية ..حلم في مغادرة طوعية لبها الإحساس بالوحدة و الصقيع الذي لفح البدن منذ سنوات بل دهورا..حلم بابتسامة صادقة و ضحكة تونع معها زهور الوجه.. و تسقي معها براعم و عواصم ظمآى.... في مهمه الألم و غسق ليلة مظلمة في بيداء مقفرة..أما الثانية فهي وهم يتربص بها.. يخنق قطرة الماء التي تتقاطر على لسانها الجاحظ عينيه أمام هلوسة وهذيان أسطورة تتعلق بأشباح قصائد.. يعيب نشرها أو استنباط رسالتها و رهانها..فالخسارة شاهد من شواهد قوافيها و العلل و الزحافات شعار من شعارات تفعيلات بحورها.. فالطويل و البسيط و الكامل..بحور تأنف أن تعترف بأوزانها.. كيف ٳذن بنفس و روح و قلب و عقل أن تقبل أن تستسلم.. أن تنهزم لتهذي أمام الوهم و الهراء..
الثانية قصة من ألف ليلة و ليلة..يسكت فيها دائما اللسان عن الكلام المباح و يظل العمر ينتظر و الفكر مشغول و اللسان معقود و الأنف يشم رائحة الفشل و اليد مغلولة و الجسد يتحرق اشتياقا.
الثانية حكمة أنصاف الآلهة و شظايا الأساطير و قصص طيف الخيال..الثانية معبد تحترق فيها النار المقدسة وحدها..تنتظر من يزرع فيها الحياة و يميت في نفسه الحياة.
ندى يزوغ..
المغرب