احتضار!
"يخيفني وهج الفرح وكآبة الحزن,كلاهما يثير ضدي نوبة مجنونة, فيلفحني لظاها" .
تتأرجح الأشياء من حولي وتفقد توازنها المعهود,ويهيأ لي أن نيوتن لم يكن محقا بشأن جاذبيته..تختفي من أمامي كل دروب الياسمين ,وعلى قارعة الرصيف أكون لأرقب اللحظة القاتمة.
ينسحب الهواء من رئتيّ في اتفاق مريب مع شبح الموت ويضرب القلب دفوفه بقوة فيهتز صدري..يعلو ويهبط في إيقاع سريع.
أحاول استرجاع قطرات من رحيق الحياة..تتلاحق الأنفاس في تشبث عفوي بطوق النجاة..محاولات جاهدة..وتفقد خلاياي طاقتها وتتساقط في إعياء ثقيل..يدهمني الخدر بغدر لئيم ويتسلل مرتاحا في اشلائي.
أما أنت فما زلت أراك حولي..ولا زلت أعي..يفتتني أكثر مارد الرعب هذا الذي يرقبني في عينيك هلعا علي... أمقت هذه النوبة التي تستدعيه بجبروتها؟..كيف استطاع أن يقتحم ذلك المارد رقة جفنيك ويمتص البريق ليحشر ذاته في حدقتي النور؟
كيف أحرق في لحظات ربيعي الذي يزهر دوما هناك؟
وكيف أوصل أنا لك ما يعتريني؟
تتجمد الكلمات حين تلامس صقيع شفاه تختنق..واللاتوازن يعبث بي في لعبة أكرهها وأهزم فيها مرات.
حركة هلِعة من حولي توحي بالفصل الاخير..أحس بحرارة سائلة على وجنتي..يختفي البريق في العيون ويحل مارد الرعب فيها من جديد كأنه العدوى...وشتاء يهطل على الوجوه..
همهمات تحوم في الافق ..ولا زلت أعي..وأعلم أن تحرر كلمة من أشلاء فمي كاف لانجلاء اللحظة.
أي إلهي..روحي ترفرف فألهمها السكينة في رحابك.
الخدر يتمكن مني...يعيث في جسدي خمولا فظيعا..وتولي طاقة الحركة مودعة...يحملق في تضاريس وجهي ..يغيظه أثر الحياة فيها ..يغرز اأيابه بشراسة..فيستشري برود الموت وصفاره..وتهرب الدماء منه الى حيث لا أدري
يدهمني نعاس ثقيل في غير وقته..هو النزع الأخير إذن....
لا..لا زلت أعي..لا زلت اشعر بارتعاشات يديك على أطرافي ووجهي..لن أستسلم لنوم يتربص بي لحظة ضعف...ربي ساعدني..النوم يبدأ غزوه ..يجتاحني رغما عني ..يكبل فيّ ما تبقى من طاقة الارتعاش..وينثر في أرجائي احداث المشهد الاخير.
تـــ عــ بـــ ت..أنفاسي تتسارع الآن.
لا طاقة لي بالمسير قدما..لا طاقة لي بالبقاء هنا بين الكلمات..
يتلاشى الجسد تماما وتسافر الروح في ملكوته تعالى مستأنسة بعبير من سبقوا.
وداعا يا كل الحياة..وداعا ايها الفرح ..كم كنت قصيرا وغبيا...وداعا يا ربيع القلب ويا زهوره.
وأسافر إلى ما وراء فضائي..أدخل في ألف حكاية وألف سؤال..
وبعد محطات عدة أتبين ابتسامات كثيرة و آثار معالجات الطبيب في ذراعي.فأدرك حينها أنني عدت.