اخي الدكتور احمد الناعم ساورد لك مقالا للدكتور سعد الخثلان حول هذا الموضوع :
هذه المراصد التي وجدت في الوقت الحاضر لم تكن موجودة من قبل على هذا النحو الذي هي موجودة عليه، فهل يصح الاعتماد على هذه المراصد أم لا؟ قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نشير إلى مسألة أخرى تكلم عنها أهل العلم قديما وحديثا .
فهي ليست من النوازل ولكن لارتباطها بهذه المسألة التي بين أيدينا نشير لها إشارة مختصرة، وهي حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر، وللعلماء في ذلك قولان:
فأكثر أهل العلم قديما وحديثا على أنه لا يصح الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر، بل حكي إجماعا، لكن حكاية الإجماع محل نظر، إذ أن هناك من الفقهاء من خالف في هذه المسألة، فقد خالف بعض فقهاء المالكية والشافعية، كما حكى ذلك القرافي وغيره واشتهر عن ابن سريج من الشافعية، أنه يعتمد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر .
ومن أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين، الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- وله رسالة مشهورة في هذا، ومن العلماء المعاصرين من قال إنه يعتمد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات، بمعنى: لو قال الفلكيون لا يمكن أن يرى الهلال هذه الليلة فيقول يعتمد على قولهم في هذا، لكن لو قالوا يمكن أن يرى، فلا يعتمد . وإنما يعتمد على الرؤية فإن رؤي أثبت دخول الشهر وإلا فلا، وهذا قال به جمع من العلماء المعاصرين .
والذي يظهر في هذه المسألة -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أن الاعتماد إنما هو على الرؤية، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا الشهر ثلاثين .
ولكن مع ذلك ينبغي إذا دل الحساب على عدم إمكانية رؤية الهلال أن يتشدد في قبول الشهادة، فلا تقبل إلا من إنسان موثوق في دينه وأمانته، وأيضا من إنسان معروف بحدة البصر والخبرة في تحديد منازله، إذ أن بعض الناس، بعض من يدعي رؤية الهلال يغلب عليهم التسرع والعجلة والوهم، وبعضهم ربما رأى كوكبا أو نجما يشبه الهلال فظنه هلالا .
وأذكر أنه في شهر شوال من العام الماضي عام ألف وأربعمائة وست وعشرين ادعى رؤية الهلال خمسة شهود، ومع ذلك رد مجلس القضاء الأعلى هنا في المملكة جميع شهادة هؤلاء، وكان الواقع هو كما رآه مجلس القضاء، فالليلة التي بعدها لم ير الهلال، يعني هؤلاء ادعوا رؤية الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، والليلة التي بعدها لم يستطع أحد رؤية الهلال حتى ولو بالمراصد الفلكية، هذا أعطى مؤشرا على أن ما رآه المجلس هو الحق .
فيغلب، بعض الناس ربما يكون ثقة لكنه يهم يرى شيئا يشبه الهلال، فيقول إنه هلال، ويشهد بناء على ذلك، فأقول إن الحساب يمكن أن يعتبر قرينة لا يعتمد عليها ولكن يستأنس بها في دخول الشهر، والحساب له عدة مجالات، منها حساب وقت ولادة الهلال، وحساب وقت غروب القمر، وحساب مقدار درجات القمر فوق الأفق وقت غروب الشمس إلى غير ذلك من المجالات .
وأقوى هذه المجالات هو حساب وقت غروب القمر، فإنه من المتفق عليه بين العلماء أنه لا يعتد برؤية الهلال، إلا إذا رؤي بعد غروب الشمس، أما لو رؤي قبل غروب الشمس ولو بدقيقة ثم لم ير بعد غروب الشمس، فلا يعتد به بالإجماع، وحينئذ فلو دل الحساب الفلكي على غروب القمر قبل غروب الشمس ثم أتى أحد فادعى رؤيته بعد غروب الشمس، فما الحكم؟
الواقع أن حساب وقت غروب القمر دقيق جدا، وقد حدثني أحد المختصين في علم الفلك، بأن معادلة غروب الشمس هي نفسها معادلة غروب القمر، وقال: إن من يشكك في حساب غروب القمر فليشكك إذا في حساب غروب الشمس؛ لأن المعادلة واحدة، وقد جربت هذا بنفسي وراقبت غروب القمر لعدة شهور، ووجدته دقيقا يغرب في نفس الدقيقة التي حددت في الحساب، فهو كغروب الشمس في هذا .
فهذا هو من أقوى القرائن في الحساب الفلكي، والواقع أنه في سنوات مضت يتقدم شهود فيدعون رؤية الهلال مع أن الحسابات قد دلت على أنه قد غرب، بل إن بعض أنواع التلسكوبات تتجه مباشرة إلى الهلال، إذا برمجت تتجه مباشرة إلى الهلال وتتابعه من أول النهار، فإذا غرب الهلال اتجهت إلى الأرض، أحيانا تتجه إلى الأرض وتعطي إشارة بغروب القمر، ومع ذلك يأتي من يشهد برؤية الهلال، فهل تقبل شهادة هؤلاء ؟
نحن قلنا إنه ينبغي أن يتشدد في قبول شهادتهم، ولكن إذا كانوا أهل ديانة وأمانة وخبرة وحدة نظر، فإنه من الصعب رد شهادتهم؛ لأننا قررنا أنه لا يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر، بل إنه جاء في صحيح مسلم أن الناس تراءوا الهلال زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم هو ابن ليلتين، وقال بعضهم هو ابن ثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أمده لكم لتروه .
فظاهر هذا الحديث هو أن الله تعالى قد يمد الهلال لكي يراه الناس، يكون في هذا خرقا لما هو معروف أو معلوم بالسنن، والله تعالى أعلم، ولهذا فنتمسك بظاهر النص في هذا، فنقول المعول عليه هو الرؤية، ولكن ينبغي أن يتشدد إذا دلت الحسابات الفلكية على عدم إمكانية الرؤية، ينبغي أن يتشدد في ذلك، ولا تقبل الشهادة إلا من عرف خبرته في هذا وحدة نظره مع دينه وأمانته .
وهذه المسألة أعني دخول الشهر، تشكل في بعض البلاد خاصة في بعض البلاد غير الإسلامية والتي يكون فيها جالية إسلامية، يختلفون اختلافا كثيرا في هذه المسألة، فأقول إذا أمكن اتحاد المسلمين على رأي فهو المطلوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس .
ولكن إذا اختلف الناس في البلد الواحد فحينئذ نقول: إنه ينبغي اتباع البلاد التي تعتمد على الرؤية في إثبات دخول الشهر، خاصة إذا كان الناس في تلك البلاد في الغرب يعني بأن كانت البلاد التي يريدون اتباعها في الشرق، فمثلا لو رؤي هلال هنا في المملكة فلا بد أن يرى في البلاد التي تقع غربها، كبلاد إفريقيا وأوروبا وأمريكا .
البلاد التي تقع في الغرب لا بد أن يرى فيها الهلال، لا يمكن أن يعني يرى الهلال هنا في المملكة ولا يمكن رؤيته في البلاد التي تقع في الغرب، ما دام أن الرؤية صحيحة فلا بد أن يرى في البلاد التي تقع في الغرب، ولا يلزم من ذلك رؤيته في الشرق، فقد يتعذر رؤية الهلال في الشرق ويمكن رؤيته في الغرب .
هذه نبذة موجزة عن هذه المسألة، ونعود لمسألتنا التي بين أيدينا وهي الاعتماد على المراصد الفلكية في إثبات الشهر، هذه المسألة بحثها مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة قبل نحو ربع قرن، وتحديدا عام 1403 للهجرة، وشكل لجنة من الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- مع بعض المختصين .
ورأت اللجنة عدة أمور أقرها مجلس هيئة كبار العلماء:
ومنها: إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعا .
ومنها: إذا رؤي الهلال بالعين المجردة فالعمل بهذه الرؤية وإن لم ير بالمرصد .
ومنها إذا رؤي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة، وذلك لقول الله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ولقوله عليه الصلاة والسلام: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته الحديث، وهو من رأى الهلال عن طريق المرصد يصدق عليه أنه رأى الهلال، ولأن المثبت مقدم على النافي .
وهذا الرأي اعتمده مجلس هيئة كبار العلماء، وأصبح العمل عليه منذ ذلك الحين منذ عام 1403، وفي هذا رد على من يقول: إن العلماء لا يرون الاعتماد على المراصد الفلكية، فهذا غير صحيح، العلماء قرروا منذ ذلك الحين جواز الاعتماد على المراصد الفلكية، لا مانع من الاعتماد عليها، سواء كانت المراصد الفلكية الكبيرة الضخمة، أو حتى عن طريق المنظار الصغير، أو ما يسمى بالدربين، ونحوه .
كل هذا يصح الاعتماد عليه ولو لم ير بالعين المجردة، وسماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى عندنا في المملكة صرح بهذا كثيرا بأن مجلس القضاء الأعلى يقبل الرؤية عن طريق المراصد الفلكية، فما يثار من أن العلماء هنا في المملكة لا يقبلون الرؤية عن طريق المراصد غير صحيح البتة، بل إن العلماء قرروا ذلك من نحو ربع قرن .
ولكن مع ذلك منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا لم ير الهلال عن طريق المراصد الفلكية ولو لمرة واحدة، فما هو السبب في هذا؟ يعني رغم أن العلماء أقروا هذا وهو الذي عليه العمل، ومجلس القضاء متوجه لقبول الرؤية عن طريق المراصد الفلكية إلا أنه لم ير الهلال عن طريق المراصد منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا ولو لمرة واحدة، فما هو السبب في هذا؟
أحد المختصين في علم الفلك تكلم عن هذه المسألة وذكر السبب في هذا، وقال: يظن الكثير أن المراصد الفلكية من تلسكوبات وغيرها أنها تحسن فرصة رؤية الهلال، والواقع قد يكون العكس من ذلك، ثم علل ذلك من الناحية العلمية، قال: إن فكرة المراصد تقوم على زيادة كمية الضوء الواصلة من الجسم المراد رصده والمراد به هنا القمر، لا تكبير حجم ذلك الجسم، وإنما فقط زيادة كمية الضوء؛ لأن أغلب الأجرام السماوية بعيدة جدا وإمكانية تكبيرها قد تكون صعبة بالنظر المباشر بالمرصد، ولكن التكبير يحدث بتصويرها ضوئيا، ومن ثم تكبير هذه الصورة إلى أقصاها .
وفي حالة رصد الهلال فإن القمر يكون قريبا جدا من الشمس، يعني في ليلة التحري يكون القمر قريبا جدا من الشمس، وهنا ستكون كمية ضوء الشمس من الكبر بحيث لا يتمكن من ينظر في المرصد من رؤية الهلال بسبب ضوء الشمس الشديد؛ لأن القمر قريب من الشمس، فيكون ضوء الشمس هنا كبيرا، فلا يتمكن الراصد عن طريق المرصد من رؤية الهلال، بل إنه ربما يؤثر ذلك على عين الراصد .
أما إذا كان القمر بعيدا عن الشمس، فإمكانية رؤيته البصرية ستكون سهلة، ولن يقدم المرصد حينئذ كبير خدمة، قال: وإذا زاد حجم المرصد الفلكي صغرت مساحة المنطقة المرصودة، وتركزت كمية الضوء الواصلة لعين الراصد في حين أن الرصد بالعين المجردة سيمكن من النظر إلى نصف الأفق تقريبا مما يقلل من كمية الضوء المركزة، إلى آخر ما ذكر .
ثم قال: وخلاصة القول أن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن حاليا، حسب الإمكانات الموجودة عالميا، إلا في حالات يمكن للعين البشرية أن ترى فيها ببساطة، فتبين بهذا السبب في عدم رؤية الهلال عن طريق المراصد، وهو أن القمر ليلة الرصد ليلة التحري يكون قريبا جدا من الشمس، وبالتالي لا يمكن رؤية الهلال في هذه الحال بسبب قوة الضوء .
أما إذا كان القمر بعيدا عن الشمس، فهنا تسهل رؤيته بالعين المجردة، فلا حاجة لرؤيته عن طريق المراصد، ولذلك منذ ذلك الحين عند إقرار العلما لجواز استخدام المراصد والاعتماد عليها إلى وقتنا هذا لم ير الهلال عن طريق المراصد، ولو لمرة واحدة، فهذا هو يعني السبب .
وكما ترون هو يعني الكلام الذي نقلته عن أحد المختصين مقنع في هذا ويؤيده الواقع، خلاصة الكلام أنه يصح الاعتماد على المراصد الفلكية في إثبات دخول الشهر، فلو قدر أنها صنعت بطريقة معينة بحيث يمكن رؤية الهلال عن طريقها فلا مانع شرعا من الاعتماد عليها، ولو لم ير الهلال بالعين المجردة، إنما فقط الإشكال هو في الاعتماد على الحساب، أما الاعتماد على رؤية الهلال عن طريق هذه المراصد فلا مانع منه .
قبل أن نتجاوز هذه المسألة يثير بعض الناس أمرا متعلقا بالاعتماد على الحساب، يقولون: أنتم تعتمدون على الحساب في أوقات الصلوات، فلماذا لا تعتمدون على الحساب في إثبات دخول الشهر؟ وأقول: هذا الإيراد ذكره القرافي -رحمه الله- في كتابه الفروق، في الفرق الثاني والمائة، كتاب الفروق كتاب قيم، ذكر هذا الإيراد في كتابه الفروق في الفرق الثاني والمائة، قال الفرق الثاني والمائة بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها، وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب .
ثم بين -رحمه الله- هذا الفرق، وقال: إن الله تعالى جعل أسبابا لوجوب الصلوات، فمتى علم السبب بأي طريق لزم الحكم، فجعل نصب، قال: إن الله تعالى نصب زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر، فمتى ما علم زوال الشمس بأي طريق فحينئذ لزم الحكم، وهكذا بالنسبة لوقت العصر والمغرب والعشاء والفجر، فمتى ما علمت هذه الأسباب التي نصبها الشارع لزم الحكم، إذا علمنا زوال الشمس بأي طريق لزم الحكم، علمنا أن يصبح طول ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال بأي طريق لزم الحكم، وهكذا، فجعل لأوقات الصلوات أسباب، متى ما علم هذا السبب لزم الحكم، فيمكن أن نعرف هذا السبب عن طريق الحساب الفلكي .
قال: وأما بالنسبة للأهلة، فلم ينصب صاحب الشرع خروجها خروج الشمس من الشعاع سببا للصوم، خروجها يعني خروج الأهلة من الشعاع، يعني من شعاع الشمس، سببا للصوم، بل رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي، قال: فصاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سببا للصوم .
خلاصة هذا الكلام نقول إن الشارع في أوقات الصلوات نصب أسبابا لدخول الوقت، فمتى علم هذا السبب بأي طريق دخل الوقت، ويمكن أن نعرف هذا السبب عن طريق الحساب الفلكي، أما بالنسبة لدخول الشهر، فقد جعل الشارع المعول عليه في ذلك هو الرؤية، ولم يجعل المعول عليه في ذلك هو الحساب، أو خروج الهلال كما ذكر من شعاع الشمس، وإنما المعول عليه الرؤيا .
فنجد أنه في دخول الشهر قال: صوموا لرؤيته ولم يقل لخروج الهلال من الشعاع، وإنما قال صوموا لرؤيته، بينما في وقت صلاة الظهر قال: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ يعني لزوال الشمس، فهذا هو الفرق، وبذلك نعرف أنه لا يصح هذا القياس، لا يصح قياس إثبات دخول الشهر على أوقات الصلوات في الاعتماد على الحساب، هذا ما يتعلق ببحث هذه المسألة
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اخي الدكتور احمد لي ملاحظه بسيطه وآمل ان تتقبلها مني بصدر رحب احيانا قد تكون في بعض ردودك قاسيا او في غير محلها مع ملاحظه انك لم تتجاوز حدود الحوار المنطقي
كل عام وانت بخير