قيل لي إنك سافرت.. لم أصدقهم حتى أرى بأم عيني ..خلو المكان من عبق مسكك , لعل البرودة أكلت جدرانه , لعل الهواء مخنوق من الهدوء الأبكم الأصم , لعل النوافذ تعبت من امتشاق الخواء والدخان واستقبال رسائل العتمة ..
قررت أخيرا أن أقف على هذا الأمر عن قرب حتى أرى مشجب جبتك شاغرا.. ولكني لم أصدق غيابك.. عندما وجدت رائحة عطرك تتدلى من ذلك المشجب المحبب ..الذي كنت اعلق عليه بدل الثياب, انتظاري, و حصاري ,, وأحيانا إخضرار شجاري ..فجأة ! خطرت ببالي فكرة ..أن أمدد يدي وألمس هيكل ظلك المسائي.. فوجدت مكانه نبضات حية توحي بدفء مازال يشغل حيز الإحساس,, ماثلا في نبرة صوتك الآتي برائحة الصبر,, صوتا يسير على أقدام الصدى.. وينتعل المدى يصدر من مكان ما , كما يحدث في قصص الخيال العلمي وتردداته تومئ بأنك حاضر ولكن خلف جدار غير قابل للاختراق ..بيد انه يخترق النظر ..
قيل انك موجود خارج نفسك ..وقيل انك نزعت خيوط الورد.. واقتلعت من تاج مملكتي فصوص الود ..أتدري لم أعر سمعي لكل هذا الهراء.. أتظن هذا زهدا وتقشفا وغلوا مني ؟..أم إنه فوضى القناعة ؟ ....ولربما كبريائي التي لا تأبه لنبأ غروب شهاب يقتفي اثر سديم ملغم بالرماد وماذا أفعل اذا تواطأ نجمي مع غموض الليل ..و طفق يلملم حصاة تناثرت من جبل مبتور الوتد , يستبيح التمحور خارج مجرتي...كيف سترتب فوضى هذا التساؤل ؟..
عرجت بنظراتي إلى الأريكة التي كانت تمتلئ بك , حتى أقصى غيابك و ان كان الحضور جافا تاركا أثرا مملحا لفقاعات متلاشية ..لم أصدقهم بأنك سافرت دون أن تودعني .. بحثت عنك في القلب وجدته ممتلئ منك عجبا لهذا القلب ..حتى التكنولوجيا لم تتفوق على مراوغته وعناده , و دمائي كانت غارقة بك إلى عنق الشريان التاجي.. يا لهذا المكان الذي لا تبرحه .. مازال لقنديلك الليلي وقدته الخافتة.. التي تموسق الضوء بأوتار النسيم.. حيث يضيء المكان دون أن تتبرج أركانه.. و دون أن يتسلل نوره خارج شرنقة الأسرار , ودون أن يعري مسافات الامتلاء وهندسة الفراغات.. وليس قابل لاستيعاب التبادل وتغيير الأماكن.. لأنه غير مهيأ لهذا العبث المزاجي ..حيث أن لسان حاله يقول.. ما في القلب في القلب,, وما خارجه خارج النبض والتغطية.. اذن لماذا تزرعني في بستان الحيرة ..؟ ....