المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لميس الامام
الكاتبة المرموقة د. نجلاء طمان
تحياتي لقلمك السامق..كنت قد قرأت نصك الباذخ الذي يحكي الكثير عن غربة الروح في منفى الجسد..
وقد قمت بهذه القراءة لعلي اكون موفقة فيما سجله عقلي وقلمي..
النص:
دميتان... وجرح يسير على قدم ونصف قدم وعكاز
عندي دمية نحيلة, لها أزرع طويلة... يمكن أن تلف على رقبتي, يمكن أن تعانقني. أشعر بالبرد.... !!! اشتريت واحدة أخرى, نفس الشكل, لكن لونها مختلف. هما الآن اثنان... واحدة زرقاء... بلون السماء, وواحدة وردية, يجلسان أمامي, وينامان معي. وجههما بريء... بسيط ؛ دائرتان سوداوان...هما العينان, دائرة حمراء...هي الفم, بروز صغير... هو الأنف, العينان... لا بؤبؤ لهما أبدا, لكنهما دوما ينظراني, دوما... دوما, هما دوما موجودان, أشكي لهما, ولصورة, ولا أحد يرد, ولا شيء... لا شيء أبدا... لا شيء, وأظل وحيدة... وحيدة.
ربما أفكر بشراء دمية ثالثة... تختلف, ربما ترد, أو تشارك الكل الصمت, أو أشتري دمية متحركة... تحرك يديها, أو تسير, أو تتكلم... أي كلام. قد تقول: ماما, أو بابا, أو أهلا بك, أو صباح الخير, أو تبكي, أو تضحك... ضحكة بريئة. عندي على الخلوي... ضحكة طفل... طويلة... من القلب... رائعة, كلما أسمعها... أضحك, وكل مرة أسمعها... أضحك, لا أملها, ربما ضحكتي مختلفة في نقائها, لكنها ضحكة على كل حال... ومن ظلّ نقي؟ هناك السواد... والألم , والوجع.
ربما لو سألت الدمية الأولى, لتقول لك : أنها فرحة بالدمية الثانية. جيد أنني أحضرت لها واحدة أخرى, حتى لا تصبح وحيدة, عساني أكفر عن ذنبي بحقها... في تلويث أذنيها بالشكوى والكلام... والبكاء. ربما ملت مني, فتجد غيري يذهب مللها. تصرف جميل مني, أحيانا أفعل شيئا جميلا حقا. ربما ملت تحرشي بها دائما أغتصب حضنها, دائما أنا أشدها, ألف يديها حول عنقي. ولا مرة فكرت هي بعناقي, ولا مرة جذبتني, لكنها لا تشتكي, دائما صامتة, حتى ولو متضايقة. هل اكف عن جذبها أنا؟؟؟ هل أتحلى بشيء من كبرياء... واتركها؟؟؟ لكنني لا أستطيع, تعودت على عناقها, ويديها تحيطاني, حتى لو أشدهما أنا, فقط يبقيان... لا يذهبان. لكن تعبت يداي من الشد, أريدها مرة تشدني... مرة واحدة تفعل. لم لا تفعل؟؟؟ ألن تفعل أبدا؟؟؟ لا بأس... تعودت البرد... والثلوج, حتى في عز الحر. جميل أن أصبح لها رفيق, فلتهنأ معه. هل أحقد عليها... بعد كل ما أعطته لي؟؟؟ لا... فلأبكي وحدي, وأعود لوحدتي كما كنت. اليوم أذهب للنوم , وأتركهما معا, أكيد سيسعدان بدوني, ربما يزفران بارتياح من ثقل ظلي الكئيب.
فلأهنأ أنا بنفسي... ووحدتي
وجمرة في عيني تئن...
وبكاء يصرخ داخلي...فتخرج الصرخة تتحشرج...
وحروف تحترق على أوتار كلماتي...
ودخان يتصاعد من رماد ذكرياتي...
وجمرات حمراء هناك تنبض داخله...
وشموع عمر تنزف على صفحات دموعي...
ودماء مبعثرة...فوق أزقة دهاليز وجعي...
وشهيق متعب...
وزفير منهك...
ورئة متهالكة...
وجسد ممزق...تمطر بعضه السماء
ويتفرق بعضه على الأرصفة... وبعض آخر مجهول مكانه...
وقلب مفتت...مشتت... لا يتلملم
من يلمم قلبي؟؟
من يغزو ليلي الكئيب الموحش؟؟؟
من يجرؤ؟؟
متى تحضري خيوط الفجر؟؟؟
فتبعثري ليلي...
وتنثري نجومك في وريدي...
وتجري قلبي من فوق الأرصفة...
وتضمي حبا لك... يسكن بين أوتار المفاصل...
ينخر في العظام... ويحولني إلي جرح...
جرح شرب بدونك الوجع حتى الثمالة...
جرح...
مجرد جرح...
معاق...
يسير على قدم ونصف قدم...
وعكاز...
يتعثر في أشلائي.
الآن فقط كتبتها...قبل فجر يوم...
د. نجلاء طمان
قراءة في
الخاطرة النثرية
دميتان... وجرح يسير على قدم ونصف قدم وعكاز
للكاتبة الدكتورة نجلاء طمان
ترتاد الكاتبة بحر الليل حيثُ خريطة الذاكرة تُعدها كغريب سَلك طريقاً مجهول
تحاول النوم ونفس يُرهقها الحديث
مع العقل والوجدان حديث لا يعرف سوي دوران الأشياء
فحين تكونُ في قمة الألفه بين العقلِ والروح
يُغرينا العقلُ في البحث خارج حدود الأشياء
حينها تتذكر النفس ولا تتناسى ما ألم بها من ذُل إبتعاد وقرب آلام
تلهو في حديقه الذات بين سراب ماضٍ حُكم َعليه أن يُمحا من ذاكرة الفرح
ومناخاتها النفسية التي سايرت أسئلتها والتي حملت الكثير من الالم والوجع
جراء تجارب حياتية افضت بها الى هذه الوحدة التي حاولت التخلص
منها بمصاحبة دمى لا تسمن ولا تغني من جوع لكنها وجدت فيها الانيس
الذي يسمع ولا يضجر من الشكاء والبكاء ،
ما بدى واضحا جليا من خلالها اهتمام الكاتبة ببواطن حديث نفس..
قابعة في ظلام غربة والجسد.
عمل أدبي يصور مسلسل من عدة أحداث مترابطة تنتهي
بتداعيات الحلول التي فرضتها على نفسها وعلى وحدتها
التي صبت فيها كل انفعالاتها النفسية والوجدانية كشلال منهمر من عل
سجلته نهاية الخاطرة
في تساؤلات استخلصتها من عنوان النص
دميتان... وجرح يسير على قدم ونصف قدم وعكاز.مع الارتباط بزمان ومكانه وتسلسل الفكرة فيها وعرض ما يتخللها
من صراع مادي و نفسي وما يكتنفها انفعالات مستها ومست الاطراف الاخرى
قامت الكاتبة د. نجلاء بجلاء ووضوح رسم شخوص
خاطرتها والمعاناة التي صاحبتها منذ بداية النص الى منتهاه
في قالب صبت الوحدة فيه على دواخلها بنظام منسق
لتغدو قريبة من الواقع السرد في الخاطرة أقرب منه
الى السرد كما في القصة القصيرة في احداثها وزمنها
بتحركات اطراف النص وبتصميم عرض مجريات الحدث مرتبا
من البداية والذي قامت بتطويره ضمن ترتيب زمني سببي..
كانت بعده الاحداث النفسية مضطربة.
لتغدو قريبة من الواقع.
مع خالص مودتي ومحبتي
لميس الامام