3
معا كنّا حبيبين.. وخصمين عنيدين ..فهي كالسحاب الذي يرتقي الجبال ، وأنا كالعشب النامي الذي ينتظر الغيث..فلا هي تمر بحقلي ولا أنا أستميل ود النهر القريب ..
معاً كنّا حبيبينِ
وخصمينِ عنيدينِ..
هي الغيمُ الذي سوى
ثلوج الألب والقطبينِ والكونِ..
وكنتُ العشبَ لا أدري
متى يأتي سحاب الأرضِ بالأمطارِ،
والأمطار أحبسها هنا في بؤبؤ العينِ..
مرارا تعبر الأنهار ودياني
فلا أستعطف الأقفال في القنوات،
أو ينهلُّ نبعُ الماء من بيني..
بيني وبينها حلم مشترك ، هي التي باغتتها العنادل وهي تقترف الحب. كانت كلما تمر ، أتحسس ثقوب جسدي ، وجه أثملته التنهدات يسري بروحك كجرس ملائكي أو يهتز كأوتار قيثارة سومرية ، أو هكذا أحسستها لأنني اخترقت حواجز الزمن وحلمت مثلها بعوالمٍ مندثرة. هي وحدها التي هيجّتْ وجداني ودثّرني جنانها الخمري الملتهب ساعة حرماني الصحراوي ووحدتي القمرية.
من يقوى الصمود؟ .. حورية بحرية وعبد أرضي أدمته القيود ؟..آه...
هي الحبُّ، هي الرغبة..
هي الأخوان والصحبة
لها أسَّستُ ديواني
مقاماتي وألحاني
ومنها قدْ جدلتُ الماء بالتربة
إذا غنّت عنادلها
تغنّى الدارُ والعتبة
فهلاّ تهتدي يوماً لعنواني ؟
وتقطف زهر بستاني
وهلاّ زالت الغربة؟
في لحظات التردد تنتحر الفرصة، والفرصة ابنة البرق ، لا يأتي بعدها سوى سيل منهمر جارف. ألا يحق لي الانجراف إذن لمرة واحدة؟.. فما أحلى الموت بين ذراع النسرين وما أروع التوهج بين خصلات الغمام ..إنني مسلوب الإرادة بين مَلكين يتحققان أعمالي، وجهها السرمدي وصوتها المكهرب..
لها أطلقتُ أشواقي
لها من دون عشاقي
هي الدنيا وما فيها
هي الخمّارُ والساقي
ومنها أستقي شعري
ومنها كلّ أوراقي
إذا ما قلت زوريني
تعكّر صفوها الراقي
وإنْ جاءتْ تعانقني
ستتركني بلا باقي
حشرجة كلماتي تتهالك أمام ملكوت إصغائها ، وهمسات أنفاسها تشقّ بئر رئتي حتى أكاد أتنفس ياسمينها وأنفث قرنفلها اللاهث. هي ومذبح الليل تآمرا على سلخي حيّاً ، وهاأنذا أنزف شوقا وأترنح حنانا أحدثها من وعي مقتلي عن سعادتي بها . نازفا يطببني ترنيم حنجرتها الخافت فأختال فرحاً وأنا أتلوى تحت جنح الظلام وبطش جبروتها وسكينتها الجارحة.
يتبع