المتابع لما يجري الآن لا يقف مشدوهًا ومذعورًا فقط ، بل يكاد أنْ يتمنى الموت لفرط عجزه عن فعل أي شيء أمام كل ما يجري في غزة الصابرة الصامدة المجاهدة ، فما يجري الآن لا يمكن وصفه بمجرد كلمات تعبر عن الغضب والسخط والإدانة والاستنكار ، أنّها جريمة متكاملة الأركان وأخطر ما في هذه الجريمة أنّها تتم في ضوء النهار ؛ وبمباركة معظم الأنظمة العربية والأوروبية .
بالأمس تابعت حوارًا أجرته الجزيرة الفضائية مع محمد حسنين هيكل حول ما يجري في غزة ، ونظرًا لأهمية هذا الرجل التاريخية والسياسية والصحفية وعلى كافة المستويات ، فقد لفت انتباهي عدّة نقاط منها ما هو معروف للجميع وسبق وأنْ تكلمنا عنها في هذه الواحة الغراء وتكلم غيرنا أيضًا ؛ وأهميتها تنبع من كونها شهادة من هذا الرجل على النظام المصري الحالي ، وحجم الأخطاء والجرائم التي وقع – وما زال – يقع فيها ، وسنذكّر هنا بأبرز تلك النقاط :
1- أنّه لا يرى أي مبرر لتصرفات هذا النظام حيال ما يجري ولا يستطيع أنْ يفهم لماذا يفعل هذا النظام كل ذلك ، وأنّ الدور المصري قد أصبح تابعًا وبشكل كامل إلى رغبات وأوامر أمريكا و ( وإسرائيل ) وأنّ مصر صاحبة الحضارة الممتدة لأكثر من 7000 سنة لا ينبغي لها أنْ تكون بمثل هذا الخنوع والذلّ ، وأنّ القيادة المصرية ومعها بعض الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية قد ساهمت في خنق حركة حماس ، وأنّ الحديث عن أنّ حماس اعتدت على (إسرائيل ) مما يبرر ( لإسرائيل ) قيامها بهذا العدوان هو نكتة سخيفة ، وأنّ المطلوب ليس التفاهم أو الضغط على حماس ؛ وإنّما استئصالها من جذورها وبشكل نهائي – لا قدر الله - وما يجري الآن قد تم التخطيط له بشكل دقيق ومنضبط ، وأنّ إدارة أوباما القادمة على علم بكل ذلك – وقد أخذت ( إسرائيل ) الضوء الأخضر من الجميع للقيام بكل ما تراه مناسبًا في غزة .
2- إنّ حجج الرئيس ( مبارك ) في عدم فتح معبر رفح ليس له ما يبرره ، و نفهم من ذلك أنّ عدم فتح المعبر هو مطلب حيوي لجميع من ساهم في هذه النكبة الجديدة ، من أجل استمرار عمليات القتل بكل سهولة وبدون أي إزعاج من أحد ، وأنّ مصر قد فقدت هيبتها بسبب تصرفات قيادتها ، وما يجري الآن لن ينسى بسهولة من قبل الشعوب كافة .
3- إنّ ما قاله الرئيس ( مبارك ) حول ضرورة عدم خروج حماس منتصرة من معركة غزة ، والذي سرّبه الرئيس الفرنسي ( ساركوزي ) في فلسطين المحتلة وأمام قادة الصهاينة هو فضيحة لا يمكن وصفها بحق ( مبارك ) ، وكلام هيكل هنا له أهميته الكبرى لكل الشعوب العربية والإسلامية – إضافة إلى عدم فتح معبر رفح وعدم السماح بإدخال الطواقم الطبية العربية والدواء والغذاء بشكل مناسب - ، إذْ أنّه يخرس كل الألسن التي تحاول الدفاع عن هذا النظام المصري والذي أثبت أنّه قد ابتعد كثيرًا عن آمال وطموحات الشعب المصري الشقيق البطل ، ويجهض أي محاولة للدمج بين هذا النظام والشعب الحرّ هناك ، إذْ يحاول بعض المأجورين أنْ يربطوا ما بين الإدانات المتواصلة لتصرفات هذا النظام وما بين الشعب المصري الحبيب ، لدرجة أنّ بعضهم يحاول تذكير الشعب المصري بالضابط الذي توفي على حدود رفح ، وتحميل حركة حماس المسئولية عن هذا الحادث العرضي رغم أنّه لم يثبت أنّ حماس هي من قامت بذلك ، بل تفيد كل الدلائل أنّه تصرف فردي من أحد المواطنين نتيجة حالة الغضب والهلع التي سادت بعد عملية إطلاق النّار العشوائية عند الحدود ووقوع بعض الإصابات ، في محاولة مكشوفة لإبعاد الصوت المصري الحرّ عن كل ما يجري وتحريضه ضد حماس وغزة كلها في هذا الظرف الذي لا يحتمل معه أية تسمية أخرى ، فهي إمّا الحياة بشرف وكرامة وإمّا الموت بشرف وكرامة وفي سبيل الله ، وما قاله هيكل له أهميته البالغة ، فهو ليس مجرد شخص عادي ، وتصريحه هذا يبيّن بشكل واضح إلى أي مدى وصل تآمر هذا النظام على شعبه المصري أولًا وقبل كل شيء وعلى الشعوب العربية والإسلامية .
4- إنّ بعض الأنظمة العربية ومعها مصر قد انحدرت في تبعيتها وانجرارها وراء أوامر ورغبات أمريكا و ( إسرائيل ) إلى حدّ لا يمكن قبوله ، بل إنّها وصلت إلى درجة لم تعد تملك معها حرية التصرف في أخص شؤونها الداخلية والخارجية ، وأنّ الابتزاز الأمريكي ( الإسرائيلي ) قد وصل لدرجة مهينة فعلًا .
5- إنّ عداء مصر وبعض الأنظمة العربية لإيران ليس له ما يبرره ، وأنّ الحديث عن السنة والشيعة ومحاولة إيران نشر التشيّع في مناطق السنّة هو أمر تافه لا قيمة له ، - وهذا صحيح – ونفهم من هذا أنّ التبعية لأمريكا و ( إسرائيل ) تجعل من هذه الأنظمة أداة - وحليف يندر وجوده - وبدون أية تكاليف لتنفيذ سياستهم .
ما دعاني لوضع هذا المقال هو التنبيه إلى كل تلك المحاولات التي قام بها مأجورون وما زال بعض المرتزقة لتبييض وجه هذا النظام ، ولتبرير كل ما يقوم به ضد هذه الأمّة ، متجاهلين كل ما يجري في غزة .
اللهم أنصر أهلنا في غزة هاشم ، اللهم أنصر من نصرهم ، واخذل من خذلهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى .