شكل النص الأدبي ضرورة أم ترف ؟؟؟
لعل الملاحظ لفنون الأدب كافة يدركُ أنها لا تقبلُ خاصية الجمود , أو الالتزام بروح واحدة لا يمكن مفارقتهاُ أو التمرد عليها, و بأنها تُساير التطور المادي الذي يؤثر في البيئة و المحيط الذي يعيشُ فيهما الكاتب , فيتأثرُ بهما , و يستقي منهما مادة النص الأدبي موظفا خياله و أدواته الكتابية , ليقدّم نصا قادرا على التأثير في وجدان و ذهن المتلقي , دونَ أن يُهمِلَ في ذلكَ الناحية الجمالية و الإطار العام الذي يَطرحُ من خلاله فكرة النص , و ذلك باعتنائهِ بتفاصيل الكتابة , و الشكليات التي تساعد على فهم المعاني و توضيح المقاصد .
إن الكاتب كالتاجر تماما , فالتاجر يعتني ببضاعتهِ , و يحرصُ على أن يراها الزبون في أجمل صفة ممكنة , فهو بذلك يمهدُ لكلماته و مصداقيتها في حثّ الزبون على اقتناء بضاعته , و هدفهُ من وراء ذلك هو تحقيق المنفعة - و هي الربح في المفهوم الاقتصادي - فالكاتب الحذق هو من يسلكُ نفس الطريق , و لكن هدفه هو إقناع القارئ بفكرته , و منفعتهُ في ذلك أدبية بحتة.
و لأنّ الشابكة بعكس دور النشر الورقية التي لها لجان لغوية و نحوية مختصة في مراجعة النص و تنقيحه من أي شوائب قبل عملية النشر , لَزمَ على الكاتب الذي ينشرُ نصوصه على الشبكة أن يعي أحقية القارئ في أن يتمتع بنص جميل شكلا و مضمونا , خاليا من الأخطاء الكثيرة سواءً في المبنى أو المعنى , و أن لا يرهقهُ في إعادة قراءة النص , و تشكيل علامات الترقيم في خلدهِ ليتمكن من فهم المعنى المقصود , أو إعادة صياغة الجمل بذهنه ليصلَ إلى مراد الكاتب , و بذلك يفقدُ الكاتب أهم مميزاتهِ , و بدلَ أن يصلَ هو إلى القارئ , نرى هذا الأخير هو من يحاول جاهدا في أن يصل إلى الكاتب .
هذا إذا ما أرادَ الكاتب أن يتفاعل مع نصوصه قراء حقيقيون , و ليس مجرد عابري سبيل يتقنون فن المجاملة و الإطراء , بحيثُ أنّ ردودهم تصلحُ لأن تكون في أي نص أدبي ينشر هنا أو هناك .
إنّ الكاتب الحذق هو ذاكَ الذي لا يبخسُ نصه حقه من حيث الشكل أو المضمون, أو من حيثُ استعمال صور بديعة تحلقُ بالنص, فتجعلهُ كطائر " الكناري " إذا ما تأملناه أعجبنا شكله و لونه, و إذا ما استمعنا لشدوه أطربنا صوته و لحنه.
إنّ الواحد منّا قد يكتبُ نصهُ في ساعة من الزمن, و ربما يتجاوزها إلى ساعات , و أحيانا إلى أيام , حسب ما تقتضيه ضرورة الإبداع و طواعية الإلهام, فهل لا يستحقُ بعد كل هذا التعب دقائقَ معدودة ليراجعَ فيها نصهُ من حيث الإملاء و طريقة العرض ؟؟؟ هل نصوصنا منبوذة لكي نتعامل معها بهذه القسوة ؟؟؟ و ما ذنبُ المتلقي الذي يتطلعُ دوما إلى نصوص تبهجُ عينيه و تشبعُ ذائقته الأدبية ؟.
إن القائل بأنّ شكل النص الأدبي ليس مهما , و يتساهلُ في عرضهِ بهذه الطريقة , و حجتهُ في ذلك ضيق الوقت , أو الكتابة المباشرة , هو شخص يصنع لنفسهِ مبررات لا تعفيهِ من المسؤولية أو المحاسبة , و من يعتقدُ أنّ من يهتمُ بالهمزاتِ مثلا و يشيرُ لها هو شخص سطحي يعتني بالشكل و يُهملُ المضمون , أسألهُ ... كم من همزةٍ سقطت عن موضعها غيّرت معانٍ و أساءت لها ؟؟؟ و كم من همزةٍ سقطت جعلتنا نتساءلُ من المخاطب ؟؟؟ أذكرٌ هو أم أنثى ؟؟؟ و كم من همزةٍ سقطت جعلتنا نعيدُ قراءة الجمل من أولها , لنتمكن من فهمِ المغزى من سياق الكلام ؟
النص الأدبي مولود جديد , ينبغي لنا أن نوفر له الجو المناسب , لينشأ و يترعرع و يتفرع إلى زوايا نور تخرجهُ من عزلتهِ النصية , و تخضعهُ لإجراء القراءات المتعددة المستويات , و ليس كل القراء واحد , فلذلك توفير المهد المناسب لهذا المولود و أقلّه (ضوابط كتابة النص الأدبي) هي أبسطُ ما يمكن للكاتب أن يقدمهُ , ليحظى نصه بالمتابعة الكافية و الاهتمام المطلوب, إذا ما أراد لهذا المولود الحياة السعيدة.
و من كل ما سبق يتعينُ علينا أن ندركَ أنّ ضوابط الكتابة الصحيحة, و اختيار القالب الملائم لطبيعة أي نص نكتبه, هو من ضرورات نجاح النص الأدبي , و يخدمُ مضمونه, و بذلك تأثيره في المتلقي , و طريقة تجاوبه الايجابي معه , بما يفتحُ آفاقا جديدة , قد لا يدركها الكاتب نفسه , و هو عاكف على تفريغ شحناته العاطفية أو الفكرية من خلال العملية الإبداعية .
06/03/2009