روح الأدب الإسلامي ( رؤية خاصة )
لعلنا جميعا نتفقُ في ضرورة وجود " أدب إسلامي " يتماشى و طبيعة هذا العصر المادي العبثي الوجودي الليبرالي , الذي فرضته موازين القوى بعد انهيار العالم الإسلامي , و ركونه إلى الضعف في كل المجالات ,إذ يفرض علينا ضرورة إثبات الذات و التميز شكلا و مضمونا , كبديل لا غنى عنه يُخرجنا من دائرة التبعية التي فُرضت علينا سواءً في مناهجنا التعليمية الأكاديمية , أو في تحصيلنا المعرفي و الثقافي على مدار سنين متواصلة .
الحركة الإسلامية في بداية القرن الماضي وجدت نفسها أمام تحديات كبيرة أمام الغزو الثقافي الاستعماري , و كذا سيطرة الفكر الشيوعي و الليبرالي الذي له أدبه و مدارسه و نظرياته , و كذا انتشار الفنون الغربية الدخيلة كالرواية و القصة القصيرة و المسرح و التعبير الجسدي و التشكيلي و السينما , مما جعل رواد الحركة الإسلامية آنذاك يفكرون في تقديم بديل أدبي يُحافظ على الهوية العربية و الإسلامية , و كذا الحفاظ على رسالتنا و أخلاقنا أمام تيارات الإلحاد و المادية , فظهر أمثال الرافعي ,و الكيلاني ,و باكثير, و سيد قطب رحمه الله , مما ساعد في بروز الصحوة الإسلامية كرد فعل سليم , و خصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران .
غير أن التكالب على أمة الإسلام زاد حدّة و بشاعة, و أصبح أعدائه من الداخل أكثر من الخارج, و خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر, و إعلان الحرب الصليبية الجديدة على الإسلام بمسميات جديدة, و محاولة التأثير على الشعوب و تقويض حركات المقاومة بنعتها بالإرهاب و سلبها شرعيتها و حقها في الدفاع عن أوطانها .
هذا المسمى الذي راح يتشدّق به الحاقدون , محاولين لصقهِ بالإسلام , فغدا قرينا يلازمهُ من فترة , أو يلمّحُ له في معظم الخطابات ,إلى أن جاء العدوان الهمجي الإرهابي على غزة هاشم , مما أسقط كل الأقنعة , و أظهر الوجوه الحقيقية لحكام العالم أمام شعوبهم التي كشفت زيف إدعاءاتهم , و تشدقهم بالحرية و حقوق الإنسان .
قد يسأل أحدكم, ما دخلُ كل هذا ؟ و ما علاقته بروح الأدب الإسلامي ؟
و أجيبُ , كل العلاقة , فروح الأدب الإسلامي تسبقُ شكله و مضمونه , بل هي الكفيلة في رسم ملامحه و توجيه خطابه , و ملزم لنا أن نواكب هذه المكتسبات لبث مفهوم الأدب الإسلامي , و إخراجه من دوائره الفكرية إلى دوائر إبداعية في شتى المجالات , و كما واجه أسلافنا تيارات القرن الماضي لا بد لنا من مواجهة تيارات هذا القرن , لأن الحملات المسعورة ضد الإسلام لن تتوقف أبدا , و نحن مطالبون أن نُقدم الإسلام بصورته و رسالته في شكل جديد , و لن يكون ذلك إلا باستعمال أدوات الغربيين أنفسهم من رواية و قصة و مسرح و سينما و فيديو كليب و خطاب يحدّثُ العقول و القلوب معا , بعيدا عن صور الوعظ و الإرشاد الديني , لأن الفرد في العالم الغربي يقبل الفكرة بالمحاورة العقلية الوجدانية في الوقت نفسه , و الكلمة مفتاح العقل و القلب إذا ما وضعت في قالبها الصحيح , و قدمت برهانها المنطقي.
فما المانع أن نضفي على نصوصنا الأدبية هذه الصبغة الإسلامية باستخدام نفس الخطاب و الأسلوب , و ما المانع أن نستخدم مثلا قصيدة النثر بهذا المعنى , بحيث نحافظ على الخصائص الإبداعية الحداثية , و لكن بروح عربية مسلمة , و الخروج عن المألوف بهذه النظرة , و ليست نظرة الآخرين الذين يبررون لثالوثهم ( الدين – الجسد _ السياسة ) كثورة على السائد , و كتجديد مقيت يرون فيه إبداعا و فنا و كسرا للطابوهات , و هم لا يدركون أنهم وقعوا عبيدا لفكر غير فكرهم و روح غير روحهم , فأي حرية يدّعي هؤلاء ؟ و هم تحت ضرس فكر ماسوني ملوّث .
إنّ الإسلام اليوم يفرضُ نفسه كبديل أساسي , و لن يقتنعَ به الآخرون إذا ما لم نعمل على الاقتناع به نحن و إقناعهم بذلك, و بأن نؤسس له كضرورة حضارية , كفيلة بإخراج العالم من جاهلية هذا القرن , و لنا عبرة في الأزمة المالية العالمية اليوم , و كيف قدّم نظام المصرف الإسلامي صورة مشرفة في التعامل , في وقت تداعت فيه كل الأنظمة المصرفية الأخرى , وكذا الأدب يمكن له أن يقدّم الكثير , و يخرجنا من دائرة الاتهام التي وضعنا الغرب فيها .
و بإمكاننا أن نتناول كل الموضوعات, و كل ما يتعلق بأحاسيسنا, و رؤانا في إطار يخدمُ معتقداتنا و قيمنا, سواءً فيما يتعلق بالأدب أو الفن, و لكن بمعايير نحن من نحددها, و ليس عيبا أبدا أن نقوم بمراجعات شاملة, و التنظير لأدب يتماشى و روح العصر و تطوراته , كدفاع شرعي عن هويتنا من الضياع .
إن روح الإسلام هي من تخلق روح الأدب و الفكر و الاقتصاد , و تشبّع الفرد بهذه الروح يغني كثيرا من تشبّعهِ بالمظهر , فالروح تسبقُ المظهر .
و مشكلتنا اليوم هي الاعتناء بأدق التفاصيل المظهرية , مع إهمالنا للروح التي تؤسس الفكرة , النظرية , الكلمة . ( و قبل البدء كانت الكلمة )
09/05/2009