أمة إقرأ لا تقرأ
جلست على رصيف "فرعي " اعتاد الناس الجلوس عليه لاحتساء الشاي عند أشهر " القهوجيين " في ذلك الحي الذي .. يمثل عراقة المدينة ، وأصالة الماضي .. فمرّ صديق لي ، فرآني أحتسي الشاي وقد وضعت على فخذي كتبا ، وعيناي بين دفتيه ، تلتهم الأسطر والحروف ، وتقبلان عليها إقبال الظامئ على الماء البارد
نظر إلي صديقي وقال : تقرأ في الشارع ؟ وقرأت على وجهه كل آيات الدهشة ، قلت : وماذا في ذلك فاستمر يعظ حتى ذهب وهو متأسف أن لم أستجب له ، وأنا أناديه أن ليس في الامر مايريب دون جدوى .
عندما يصل بنا الحال إلى أن نعيب على من يتصفح كتابا كلّّ ما عنّ له زمن يستطيب القراءة فيه
، أعتقد أننا وصلنا إلى مستوى متدنٍ في حب القراءة
القراءة آلة المعرفة .. إلى الشهود الحضاري..
القراءة مفتاح ووسيلةٌ للتعلم والمعرفة المؤدي بدوره للتقدم على جميع الأصعدة ، فمتى عِيب على الشخص أن أصبح قارئا فاقرأ على الدنيا السلام ، فالامة الجاهلة لا يبلغ بها الحال هذا الزمان إلا أن تكون زبدا " يذهب جفاءً "
لأن القوة تكتسب اليوم بالمعرفة التي هي ثمرة القراءة ، وعهد الهيمنة دون معرفة ولّى زمانه منذ رحل التتر عن بلادنا
أوروبا في القرون الوسطى..
أوروبا نموذج للأمة الجاهلة في القرون الوسطى ، يوم كانت جامعاتنا مهوى الأفئدة ، وملاذ الدارسين ، وكانت الأخرى تلعب بها الجاهلية يمينا وشمالا ، فاطلع أهلها فرأوا أن الخلاص بالعلم ، فأرسلوا الدارسين وتقربوا لحكام الأندلس ، حتى جاء " مايكل سكود "
الذي ترجم كتب العربية إلى لغات أوروبا ، فكانت الشرارة الأولى للشهود الحضاري في أوروبا.. لتصبح القارة لأول صناعيا وعلميا
نماذج غربية .. ومعادلة بسيطة !!
بمعادلة بسيطة .. إذا نظر ت إلى حال "صاحبي " كأنموذج للمجتمع المسلم ، وحال المجتمع الغربي تجد النتيجة الحتمية للسر الذي لطالما تساءلنا عن سره
لماذا تقدموا وتخلفنا !!
لقد مررت على مطارات غربية وشوارع وحدائق فرأيت الغربيين أحد ثلاثة .. أما شخص - ذكرا أو أنثى - يقرأ كتابا أو مجلة أو شخص ياكل ويطم ابنه او ابنته
او شخص يمارس الرياضة ويتصفح النت
"جنون القراءة "
" المقري الزبيدي"
الإمام الشوكاني يذكر في " البدر الطالع" في الجزء الأول في ترجمة الإمام " المقري الزبيدي " صاحب " عنوان الشرف الوافي " وهو كتاب تقرأه فيه ثمانية فنون من فنون العلم .. " قلت وقد اطلعت عليه قبل عشر سنين "
قال " قال ابن حجر : كان من أذكياء العالم زرته في اليمن " وذكر له حكايا تدل على ذكائه وحب للقراءة قال " وكان ينسى أحيانا عمامته ويخرج للناس "
ابن الجوزي
وأثر عن ابن الجوزي في ترجمته كما في " العبر " أنه كان يقول " إني لأختار سف الكعك عن الخبز لما في الخبز من شغل وتأخير عما أحبه من القراءة "
طالعت قصصا ذكرها الأديب الطنطاوي عن عظماء ، فعل بهم حب القراءة فعل المجانين ،فمنهم
إسحاق نيوتن : كان يشتغل بالقراءة فتأتي القطة تخرمش الباب كي يفتح فهداه ذكاؤه أن يفتح لها فتحة صغيرة يناسب حجمها ، فلما أنجبت صغارا ، اهتدى إلى أن يفتح بجانب الفتحة بعدد الصغار كي لايزعجوه .. فتأمل
أمبير
كان من حبه للقراءة والكتابة إذا لقي طبشورا أخذه وبدأ يحل المسائل حتى ينسى نفسه .. ومرة وجد طبشورا فاخذه وكتب على شاحنة سوداء .. فتحركت فبقي يركض معها ويحل المسألة
وقد نسي نفسه !!