) .
تعقيب :
يرى الشيخ الأزهري قَطْعَ الهمزةِ في نحو «يا أَلمُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، قِيَاسًا على «أُنْصُرَ» و«إِضْرِبَ» وما شابَههُما من الأعلامِ المنقولةِ مِن الأفْعالِ . وكأنه راعى ابتعادَ الجُمَلِ عن أصلِها ، كما ابتعدت الأفعالُ عن أصلِها .
وهذا رأيٌ يخالفه فيه بعض العلماء . يقول ابنُ الحاجّ في حاشيته على شرح المكودي للألفية [2/65] : ( قولُ المكودي : (و«يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ») ، يتعيّن بقاءُ الألف على وصْلِها ، ولا يجوزُ قطْعُها ، محافظةً على الأصل ، خِلافَ ما في الأزهري مِن أنها همزةُ قطع ) .
وليس هذا موضع مناقشة هذه المسألة . ولكن الذي يعنينا هنا : أن الأزهري لمْ يتراجع إطلاقا عن رأيه الذي سبق لنا الاطّلاعُ عليه (في الهمسة الثامنة من الفصل الأول) ، والذي مِن أنّ همزةَ الوصل إنما ينُصّ على قطْعِ همزة الوصل عند التسمِيَة بالأفعال ، دُونَ الأسماء . وكلُّ ما فعَلهُ هنا : إجراءُ حُكْمِ الأفعال على الجُمَل المَحْكِيّة أيضا . وأمّا موقفُه من المصادر والأسماء العشرة ، فلمْ يَطْرَأْ عليه أيُّ تغيير .
فالمرجوُّ تأمُّلُ كلام الأزهري جيدا ، للتحقُّق من أن التناقُض المنسوبَ إليه مُجرَّدُ وَهْمٍ وقع فيه بعضُ المُحْدَثين .
3- منعطف الصبّان
علّق الشيخ الصبّان ، في باب «النداء» من حاشِيَته ، على حالة الجُمَل المحكيّة ، بقوله :
( قولُه [يقصد : الأشْموني] : (نحو : «يا أَلْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ») ، بقَطْعِ الهمزة ؛ لأنّ المبدوءَ بهمزة الوصل ، فِعْلاً أوْ غيْرَهُ ، إذا سُمِّيَ به يجب قَطْعُ همزتِه ، كما أفاده في «التصريح» . قال البعضُ : وانظُرْ ما الفرقُ بيْنَ هذا وبيْنَ «يا الله» ، حيثُ جوَّز فيه الشارحُ الأوجُهَ الثلاثة ! اهـ . وأنت خبيرٌ بأنّ لاِسْمِ الجلالةِ خَوَاصَّ لا يُشاركه فيها غيْرُه ، فلا يبعُد أن يكُونَ منها جوازُ الأوجُهِ الثلاثةِ ) .
تعقيب :
أراد الصبّان هنا التعبير بعبارات من عنده ، عمّا ذهب إليه الأزهري في «التصريح» ، من وجوب قطْعِ الهمزةِ في نحوِ «يا أَلْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ» .
ولكنه أتى بعبارةٍ قد تُوهِمُ غيرُ المُرادِ ، وهي قولُه : ( ... لأنّ المبدوءَ بهمزة الوصل ، فِعْلاً أو غيْرَه ، إذا سُمِّيَ به يجب قَطْعُ همزتِه ) . فظنّ بعضُهم أن كلمة «غيْرَهُ» هنا تَشْمَلُ أيضا ما كان في الأصل اسمًا .
وهذا فَهْمٌ يُناقض الرأي الذي صرّح به الصبّانُ في فصل «زيادة همزة الوصل» (انظر الهمسة العاشرة من الفصل الأول) ، علما أن هذا الفصل متأخِّر في ترتيبه عن باب «النِّداء» .
كما أنه يُناقض إحالتَهُ على كتاب «التصريح» للأزهري ، علما أن الأزهري لمْ يُعمِّم القاعدةَ إطلاقا ، وإنما اكتفى بقياس الجُمَل المَحْكِيّة على الأفعال .
فنحن هنا أمام احتمالَيْن لا ثالث لهما :
* إما أن الصبان ناقض نفسه حقّا . وفي هذه الحالة لا يُعْتَدُّ بكلامه الوارد في باب «النِّداء» ؛ لأنه مبني على فهم خاطئ لكلام الأزهري ، وما بُني على باطل فهو باطل .
* وإما أن نلتمس لكلامه الوارد في باب «النِّداء» تأويلا مناسبا ؛ وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس :
- فيمكن القول مثلا : إن كلمة «غيْرَهُ» هنا لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها ، فهي مثلُ عبارة «مِن غيْرِ فِعْلٍ» في كلام ابن مالك ، ومِثْلُ عبارة «قيل : أو اسم أيضا» في كلام السيوطي ، المُعَلَّقِ عليهما سابقا (في الهمستَيْن الرابعة والسابعة من الفصل الأول) .
- ويمكن القول أيضا : إن عبارة «إذا سُمِّيَ به» تعني «إذا انتَقَل إلى الاِسْمِيّةِ» ، أي : «إذا صارَ اسْمًا ، ولمْ يكُنْ مِن قبْلُ كذلك» ، فيصدُق هذا على ما سُمِّيَ به من الحروف والأفعال والجُمَل المَحْكِيّة ، دُونَ الأسماء .
ولو أخذنا كلام الصبان على ظاهره ، لَقُلنا بقَطْعِ الهمزةِ في نحو «المُصْطَفى» و«الحَسَن» و«الحُسَيْن» و«العبّاس» ونحْوِها من الأعلام ؛ وهو خطأٌ بَيِّنٌ .
4- منعطف الخضري
قال ابن عقيل ، شارحًا بيتَ ابن مالك السابق :
( وأمّا مع اسم الله تعالى ومَحْكِيِّ الجُمَل ، فيجوز ؛ فتقول : «يا أللهُ» بقَطْعِ الهمزةِ ووَصْلِها ، وتقول فِيمَنِ اسمُهُ «الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌٌ» : «يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌٌ ، أَقْبِِلْ» ) .
فعلّق عليه الشيخ الخضري في حاشيَته ، بقوله :
( قولُه : (بقَطْعِ الهمزةِ) ؛ أي : لأنها – لعدم مُفارقتِها له – صارت كجزء من الكلمة ، فلمْ تُحذَفْ في النداء ؛ وحينئذٍ تثبُت ألفُ «يا» وجوباً . وقولُه : (وَوَصْلُها) ؛ أي : نظراً لأصْلِها ؛ وحينئذٍ تثبُت ألفُ «يا» أو تُحذَف . ففيه ثلاثةُ أوْجُهٍ .
بخلاف «يا أَلمُنطَلِقُ زيْدٌ» ؛ فيجبُ قطْعُ همزتِه مع ثُبوت ألفِ «يا» ، لأن ما بُدِئَ بهمزةِ الوصل ، فِعْلاً كان أوْ غيْرَهُ ، يجبُ قطْعُها في التسميَةِ به ، لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، فتُقطَع في النداء أيضاً ؛ ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها كما في الجلالة ، لأنّ له خَوَاصَّ ليسَتْ لِغَيْرِه ) .
تعقيب :
كلام الخضري هذا شبيهٌ بكلام الصبّان السابق .
فيمكن القول هنا أيضا : إن كلمة «غيْرَهُ» لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها .
ويمكن القول أيضا : إن التعليل الذي أتى به ، في قوله : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ» ، معناه : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، بعدما كانت جُزءًا من غيْرِ الاِسْمِ» ، بمعنى : «لاِنتقال الكلمة إلى الاِسْمِيّة» ؛ فيصدُق هذا على ما سُمِّيَ به من الحروف والأفعال والجُمَل المَحْكِيّة ، دُونَ الأسماء . هذا هو المعنى السليم ، الذي يناسب ما سبق نقلُه عن الخضري (في الهمسات 11 و12 و13 من الفصل الأول) .
ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى هنا : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا لا يتجزّأ من الاِسْمِ ، بعدما كان يمكن الاستغناءُ عنها» ؛ لأن معنى هذا : أن همزات المصادر والأسماء العشرة كان يمكن الاستغناءُ عنها من قبلُ ، ولَمْ تَصِرْ جُزءًا لا يتجزّأ من الاِسم إلا عند الانتقال إلى العلمية ؛ وهذا خطأ بَيِّنٌ .
5- منعطف الهوريني
قال الشيخ نَصْر الهُورِيني في «المَطالع النَّصْريّة» [148] :
( ولو سُمِّيَ بما همزَتُه وَصْلٌ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نقَلَه الصبّانُ في «النداء» ) .
تعقيب :
هذا سَهْوٌ واضح من الشيخ الهوريني (رحمه الله) . فالصبّأن إنما تحدّث عن «المُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، لا عن «المُنْطَلِق» وحْدَها . أما «المُنْطَلِق» ، فلا شكّ أن همزتَها همزةُ وصْلٍ ، مثل همزة «المُعْتَصِم» و«المُصْطَفى» و«المُنتَصِر» و«الحَسَن» و«الحُسَيْن» و«العبّاس» وما شابَهها من الأعلام .
وهذا يُقوِّي احتمالَ سَهْوِهِ في «الاثنين» أيضا ، التي لم يذكرها الصبان إطلاقا . ويزدادُ هذا الاحتمالُ قوّةً إذا عَلِمْنا أن هذه الكلمة ضُبِطت بهمزةِ وصْلٍ في «القاموس المحيط» للفَيْروزابادي ، الذي ضبَطه وصحَّحه الشيخ الهوريني نفسُه .
قد يقول قائل : لعلّ المثال الثاني كان في الأصل : «المُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، ثم سقطت «زَيْدٌ» سهوا عند الطباعة .
فنقول : وما يُدرينا ؟ لعلّ المثال الأول أيضا كان في الأصل : «الاثنينِ صُمْتُ» ، ثم سقطت « صُمْتُ» سهوا عند الطباعة ! وحينئذ يكون حديثه عن همزة «أَلْ» لا عن همزة «اثنين» .
6- منعطف حسين والي
قال الشيخ حسين والي في «كتاب الإملاء» :
( واعلمْ أنّه لو سُمِّيَ بما همزَتُه وَصْلٌ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نَبَّهَ إليه علماءُ النحوِ في الكلام على النداء ) .
تعقيب :
لم يتيسّر لي الاطلاع على النص في موضعه الأصلي ، فأخشى أن يكون تعرّض لشيء من التغيير في المرجع الذي اعتمدتُ عليه . أقول هذا مراعاة للأمانة العلمية .
وعموما ، يبدو كلامُ الشيخ حسين والي مقتبَسا من كلام الشيخ الهوريني (رحمهما الله) ، مع زيادة في تعميم المسألة ، بتعويض اسم «الصبّان» بعبارة «علماء النحو» . فليُراجَع التعليق السابق على كلام الهوريني .
7- منعطف عباس حسن
قال الأستاذ عباس حسن في «النحو الوافي» [1/306] :
( إذا كان العلَمُ منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همزتَه بعد النقل تصيرُ همزةَ قطْعٍ - كما أشرْنا – نحو : «إنشراح» عَلَم امرأة ، و«ألْ» عَلَم على الأداة الخاصة بالتعريف أو غيْرِه ، بشرط أن تُكتَب منفردة مقصودًا بها ذاتُها ؛ فنقول : «"ألْ" كلمة ثُنائيّة» و«"ألْ" فى اللغة أنواعٌ من حيث المدلول» ، ومثل : «يوم الإثنين» ، بكتابة همزة «إثنين» ، لأنها عَلَم على ذلك اليوم ، ومثل : «أُسْكُت» عَلَم على صحراء ) .
وقد أحال ، عند قوله : «كما أشَرْنا» ، على قوله في حاشية الصفحة 304 ، في سياق الحديث عن الأسماء المنقولة من الأفعال :
( ومن أمثلة الأمر : «أُسْكُت» - بضمّ الهمزة – علَم على صحراء عربية . وهذه الهمزةُ للقطع ، مع أنها في الأصل للوصل ؛ لأن همزة الوصل [...] إذا وُجِدت في لفظ ليس علَما ثم صار علَما ، فإنها تصير همزةَ قَطْعٍ ) .
كما أحال على قوله في حاشية الصفحة 421 :
( [...] وهمزةُ العلَم قطْعٌ – في الرأي الأنسَبِ – ولو كان هذا العلَم منقولا من لفظ آخر ، بشرط أن تَصِيرَ جزءا مُلازِما له ، مثل : «ألرَّجُلُ مُسافِرٌ» ، علَم على إنسان ، كما نصُّوا على هذا في باب النداء ) .
ثم قال في الحاشية ، معلّقا على قوله «لأنها عَلَم على ذلك اليوم» :
( ولا الْتِفاتَ لِما اشترطه بعضُهم لإخراج نوعٍ من الأعلام من هذا الحُكم ؛ إذِ الصحيحُ أن هذا الحُكم عامٌّ شاملٌ يشمل الأعلام بأنواعها المختلفة ، كما يشمل غيْرَ الأسماءِ من كل لفظٍ مبدوء بهمزة الوصل قد سُمِّيَ به وصار علَما .
راجع «حاشية الصبان» في آخر باب النداء ، عند قول ابن مالك : (وبِاضْطِرارٍ خُصَّ جَمْعُ «يا» و«أَلْ» ...) . وكذلك : «التصريح» و«الخضري» في هذا الموضع نفسه .
وللخضري تعليل قوي ، نصه : (لأن ما بُدِئَ بهمزةِ الوصل ، فِعْلاً كان أوْ غيْرَهُ ، يجبُ قطْعُها في التسميَةِ به ، لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، فتُقطَع في النداء أيضاً ؛ ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها كما في لفظ الجلالة ، لأنّ له خَوَاصَّ ليسَتْ لِغَيْرِه) اهـ .
فلا التفاتَ إلى ما نقله الصبّان عن غيْرِه في موضع آخر ) .
تعقيب :
الأستاذ عباس حسن (رحمه الله) مِنّن لا يُشَكّ في علمهم ومكانتهم اللغوية . ولكن علامات التسرُّع باديَةٌ في موقفه من هذه المسألة ، وجلّ مَن لا يسهو .
ومن مظاهر هذا التسرع :
1- إطلاقُه اسمَ «أُسْكُت» على صحراء عربية . والوارد في المعاجم المعتمدة : «إِصْمِت» ، وليس المقصود منها مكانا محددا بعينه .
جاء في «لسان العرب» [ص م ت] : ( و«لقيته ببلدة إِصْمِتَ» : وهي القَفْر التي لا أَحدَ بها [...] . و«تَرَكْتُه بصحراءَ إِصْمِتَ» : أَي حيثُ لا يُدْرى أَينَ هو . و«تَرَكْتُه بوحش إِصْمِتَ» [...] قال ابن سيده: وعندي أَنه الفَلاةُ ؛ قال الراعي:
أَشْلى سَلُوقِيَّةً باتَت، وباتَ لهَا *** بوَحْشِ إِصْمِتَ ، في أَصْلابها ، أَوَدُ
و«لقيته ببلدة إِصْمِتَ» : إِذا لقيته بمكانٍ قَفْرٍ ، لا أَنيسَ به
) .
فمن وجد «صحراء أُسْكُت» في مرجع من المراجع المعتمدة ، فليدُلَّنا عليه مشكورا .
2- استعماله عبارة «بعضُهم» في الإشارة إلى أصحاب الرأي الآخر . وهذا تعبير لا يليق إطلاقه على سيبويه وأمثاله من الفطاحلة . وأرجحُ الظن أن الأستاذ عباس حسن لم يطّلع على نص سيبويه ، واكتفى بالاطلاع على ما نقله الصبّان عن الدماميني في فصل «زيادة همزة الوصل» (انظر الهمسة العاشرة من الفصل الأول) .
3- إحالتُه على كتاب «التصريح» للأزهري ، وقد رأينا أن الأزهري لم يُعمِّم القاعدة إطلاقا . وأرجح الظن أن الأستاذ عبّاسًا لم يطّلع على كلام الأزهري في موضعه ، وإنما اكتفى بما تُوهِمُه عبارة الصبّان في نقْلِه عنه .
4- قولُه : (وللخضري تعليل قوي) . أين التعليل ؟ إن المتأمل لكلام الخضري لا يجد فيه من التعليل إلا قوْلَه : (لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ) ؛ وهي عبارة تحتمل التأويل ، كما ذكرنا .
أما قوله : (ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها ...) ، فلا تعليل فيه أصلا ، بل لا وجْهَ لنقله هنا ؛ لأنه ليس معطوفا على (فتُقطَع في النداء أيضاً) ، وإنما هو معطوف على (فيجبُ قطْعُ همزتِه مع ثُبوت ألفِ «يا») الواردة في الجزء الذي لم ينقله عباس حسن من مستهلّ كلام الخضري ؛ في سياق الحديث عن «يا أَلمُنطَلِقُ زيْدٌ» .
5- استعمالُه عبارةً تُوهِمُ أن الصبّان في الرأي الآخر كان مجرّد ناقل عن غيره (يقصد الدماميني) . وكأنه يقصد عدم اقتناع الصبان بما نقله . ولو صحّ هذا الاستنتاج ، لَلَزِمَ القولُ : إن الصبان غيْرُ مُقتنِع أيضا بالرأي الذي تُوهِمُ عباراتُه أنه نقَله عن الأزهري .
منعطفات أخرى
وما زالت سلسلة الانعطافات متواصلة :
1- فهذا الأستاذ محمد إبراهيم سليم يقول في «معلَم الإملاء الحديث» [18] : ( [...] ودليلُ ذلك ما قاله السابقون : (اعلمْ أنّه لو سُمِّيَ بما همزَتُه همزةُ وَصْلٍ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نَبَّهَ إليه علماءُ النحوِ في الكلام على النداء) ) .
أقول : إنه يزيد المسألة تعميما ، فينسبُ كلامَ الهوريني وحسين والي إلى «السابقين» ، مما يزيد القارئ اقتناعا بصواب الفكرة .
2- وهذا الأستاذ أحمد قَبِّش يقول في «الإملاء العربي : نشأتُه وقواعده ومفرداته وتمريناته» [27] : ( إذا سمَّيْتَ بما فيه همزةُ وصلٍ ، كـ «الاِثْنَيْن» اسم لليوم ، و«ألخميس» اسم لليوم ، صارت همزتُه همزةَ قَطْعٍ ) .
أقول : هذا خطأٌ بَيِّن . فهمزةُ «الخميس» همزةُ وصل بلا شكّ ؛ ولها في القرآن الكريم نظيران : همزةُ «الجُمُعَة» وهمزةُ «السَّبْت» ، وكِلْتاهُما همزةُ وصل في جميع القراءات القرآنية المُعتمَدة .
3- وهذا الدكتور جمال عبد العزيز أحمد يقول في «الكافي في الإملاء والترقيم» [10] : ( إذا سُمِّيَ بما فيه همزةُ وصل ، تحوّلت إلى همزة قطع . وعلى هذا لو سُمِّيَ بكلمة «انتصار» وأصبحت عَلَما على شخص فإنها تُكتب هكذا «إنتصار» . ومن هذا يوم «الإثنين» لأنه علم على اليوم المعروف . وكذلك «الْ» عندما نُخبِر عنها أو نتكلم عنها ؛ لأنها أصبحت عَلَما على أداة التعريف . ومن هذا أيضا «الْ» في الجملة المَحْكيّة المُسمَّى بها ، نحو قولهم : «يا ألله» «يا ألمأمون» «يا ألمنطلق زيد» ) .
أقول : هذا سهوٌ واضح ؛ لأن اسم الجلالة «الله» ليس جُملة مَحْكيّة ، و«المأمون» أيضا - علَما كان أم غيْرَ علَم - ليس جُملة مَحْكيّة ، وجمهور النحويين يمنعون دخول «يا» عليه .
4- وهذا عضو في أحد المنتديات الأدبية يجزم بأن همزة الوصل تتحول إلى همزة قطع عند دخول «ألْ» عليها ، نحو : «الإِسْم» و«الإِبْن» ، بحُجّة أن الهمزة حرف قمري لا بُدّ من ظهوره .
أقول : هذا خطأ بيّنٌ أيضا . فالصواب : «الاِسْم» و«الاِبْن» بهمزة وصل . ويُمكن الاِستماعُ إلى سورة الحجرات مُرتَّلةً بصوت أيِّ واحد من القرّاء المتفنين ، بأي رواية من الروايات المعتمَدة ، للتحقُّق من أن كلمة «الاِسْم» - في قوله تعالى : (بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ) [الآية 11] - تُلفَظ : [لِسْمُ] بوصْل الهمزة ، ولا تُلفظ : [لْإِسْمُ] بقطعها .
والقائمة تطول .