كانت هنا
( في ندب مدينتي تطوان (الحمامة البيضاء) ،
وما تعرّضت له من تهميش وتشويه لتراثها الحضاري الأصيل)
كانت هُنا ، فاجْتاحَها الطُّوفانُ وطَوَى شُجونَ حَديثِها النِّسْيانُ رقَصتْ قُلوبُ عِصابةٍ لِرَحيلِها وسَقَتْ خُدودَ سِواهُمُ الأجفانُ كمْ جادتِ الأوزانُ قبْلُ بِمَدْحِها أفلا تَجودُ بِنَدْبِها الأوزانُ ؟ كمْ ذابَ صَبٌّ ذاقَ حَرَّ وِصَالِها أفلا يُذِيبُ فُؤادَهُ الهِجرانُ ؟ هيْهاتَ ، ما رأَتِ العُيونُ مَثيلَها كَلاّ ، ولا سَمِعتْ به الآذانُ سحَرتْ عَمالِقةَ البَيانِ صِفاتُها أنَّى لِمَنْ سحَرَتْهُمُ التِّبيانُ ؟ كانت لأسْرابِ الحَمامِ أميرةًَ تَسْبي العُقولَ ، فجُنّتِ الغِرْبانُ كانت تُفِيضُ على الثُّلوجِ بَياضَها فتَشابَهتْ مِن بَعْدِها الألوانُ كانت تَتِيهُ على الشُّموسِ بِحُسنِها فكَسَتْ مَباهِجَ حُسْنِها الأكفانُ كانت هُنا تُزْرِي بكُلِّ مَليحةٍ كانت هُنا ، يا سادَتي ، تِطوانُ
* * * * *
كانت هُنا ، وهُناك كان ثَعالِبٌ لِلحِقْدِ بيْنَ ضُلوعِهمْ بُرْكانُ كُلٌّ بسِحْرِ جَمالِها مُتَرنِّمٌ وإلى زَكِيِّ دِمائِها ظَمْآنُ قَومٌ إذا امْتَشَقوا الوُعودَ حَسِبْتَهُمْ سُحُباً تلُوذُ بِغَيْثِها الأوطانُ فإذا عَنَتْ لَهُمُ الرِّقابُ ، تَوهَّجَتْ مُقَلٌ لَهُمْ ، وتأجَّجتْ أسنانُ قد أفْرَطوا في شَرِّهِمْ ، حتّى بَكـى أسَفاً على تَفريطِهِ الشّيطانُ حَرَصوا على إحياءِ كُلِّ رَذيلةٍ حَرَصَتْ على استِئْصالِها الأديانُ وتنافَسوا في وأْدِ كُلِّ فضيلةٍ لا تستقيمُ بغَيْرِها الأكوانُ وسَعَوْا إلى إقناعِنا بسياسةٍ لَمْ تَقتَنِعْ بصَفائِها الأذهانُ نظَروا إلى مَكْرِ الزّمانِ ، فأقسَموا ألاّ يُحِيطَ بِمَكرِهِمْ إنسانُ فاللهُ أكبَرُ أرْبَعاً (1) ، قُضِيَ الذي لا رَيْبَ فيه ، ودُمِّرتْ تِطوانُ
* * * * *
أَرْثِيكِ ، بِنتَ المَنْظَرِيِّ (2) ، بأدمُعٍ عجَزتْ عنِ استِيعابِها الأوزانُ والنَّفْسُ يَعْصِرُها التَّأوُّهُ والأسَى والقلْبُ تَنسِفُ صَبْرَهُ الأشجانُ وبأحْرُفي يأتيكِ « بَحْرٌ كامِلٌ » والنَّقْصُ لي ولأحْرُفي عُنوانُ بالأمْسِ كُنتِ حمامةً بيضاءَ لا تشدُو بغيْرِ هَديلِها الأغصانُ ومَنارةً وَهّاجةً لا يَهتدي إلاّ بِساطِعِ نُورِها الرُّكْبانُ أَثْنَى ابنُ زاكُورٍ عليكِ بقوْلِهِ : « هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتَانُ » (3) ومضى سِواهُ يَخُطُّ فيكِ مَدائحاً لَمْ يَخْلُ مِن نَفَحاتِها دِيوانُ فلَئِنْ قُبِرْتِ ، فإنّ ذِكْرَكِ خالِدٌ ولَئِنْ هُجِرْتِ ، فبِئْسَتِ الخِلاّنُ فتَعطَّري بأَرِيجِ مَجْدِكِ وافخَري فبِمِثْلِ مَجْدِكِ تَفخَرُ البُلدانُ إنْ تُنْكِرِ الْجُغرافِيَا اسْمَكِ مَرّةً لنْ يُنْكِرَ التاريخُ يا تِطوانُ
تطوان ، في : 19 يونيـو 2006
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) هذا عدد تكبيرات صلاة الجنازة ، عند الجمهور .
(2) أبو الحسن عليّ المنظري ، القائد الأندلسيّ الذي جدّد بناء تطوان .
(3) يقول محمد بن زاكور الفاسي ( ت 1120 هـ ) :
تطوانُ ، ما أدراكَ ما تطوانُ ؟ *** سالتْ بها الأنهارُ والخُلجانُكيتان : نهرٌ كانت تحيط به مساحات جميلة خضراء .
قُلْ ، إنْ لَحَاكَ مُكابِرٌ في حُبِّها : *** هيَ جَنّةٌ ، فِردَوسُها الكِيتانُ