|
صِدَاقُ المَعَالِي صِدْقُ مَا فِي الضَّمَائِرِ |
وَسُقْيَا الليَالِي مِنْ مَآقِي المُثَابِرِ |
وَعَزْمَةُ ذِي هَمٍّ وَإِدْرَاكُ عَارِفٍ |
وَرُؤْيَةُ أَبْصَارٍ وَرُؤْيَا بَصَائِرِ |
يَقُومُ لَهَا المِقْدَامُ مِنْ غَيرِ فَتْرَةٍ |
وَيَسْعَى إِلَيهَا قَبْلَ سَعْيِ الخَوَاطِرِ |
فَيعْرُكُهَا بِالفَهْمِ وَالحِلْمِ وَالتُّقَى |
وَيُدْرِكُهَا بِالعَزْمِ فِي مَتْنِ شَاكِرِ |
وَمَا الفَخْرُ إِلا فِي النُّهَى قَبْلَ جَهْلِهَا |
وَنَدْبِ العَطَايَا قَبْل نَشْبِ الأَظَافِرِ |
وَلًوْ بَاتَ ذُو هَدْيٍ سَوَاءً وَذُو هَوَى |
لَسَاوَى البَرَايَا بَينَ بَرٍّ وَفَاجِرِ |
وَقَدْ يَسْتَوِي فِي الوُدِّ قَوْمٌ وَإْنَّمَا |
أَوَائِلُ مَنْ يَلْقَاكَ غَيرُ الأَوَاخِرِ |
وَلَيسَ الذِي بِالقَوْدِ يَغِلِبُ دَهْرَهُ |
كَمِثلِ المُسَجَّى بِالجُدُودِ العَوَاثِرِ |
وَإِنَّ لأَهْلِ الفَضْلِ فِي النَّفْسِ حُظْوَةً |
تَفُوقُ بِهِمْ بَينَ النُّجُومِ الزَّوَاهِرِ |
وَلَكِنَّ مُوسَى فَاقَ فِي القَدْرِ غَيْرَهُ |
كَمَا فَاقَ زَهْرٌ فِي الغُصُونِ النَّوَاضِرِ |
يُعَدُّ مِنِ الأَقْرَانِ أَوَّلَ أَوَّلٍ |
إِذَا عُدَّ أَهْلُ الفَضْلِ عِنْدَ المَفَاخِرِ |
كَرِيمٌ وَإِنْ فِي الكَفِّ إِلا كَفَافُهُ |
حَلِيمٌ وَإِنْ فِي العَفْوِ إِغْراءُ غَادِرِ |
سَمَا مُشْمَخِرًّا لِلعُلا غَيرَ عَاذِلٍ |
وَغَيرَ مُقِلٍّ جُهْدَهُ غَيرَ عَاذِرِ |
مُكِبًّا عَلَى الآدَابِ يَنْأَى عَنِ السُّهَا |
إِلَى فَرْقَدٍ فِي الأُفْقِ فَوْتَ النَّوَاظِرِ |
يُبَادِرُ لا يَرْضَى مِنِ الصَوتِ بِالصَّدَى |
وَلا يُدْرِكُ العَلْياءَ مَنْ لَم يُبادِر |
تَرَاهُ إِلَى الإٍبْداَعِ أَحْصَفَ نَاقِدٍ |
وَعَنْهُ إِلَى الإِمْتَاعِ أَنْصَفَ نَاثِرِ |
وَكَمْ حَائِزٍ عِلْمًا عَلَى ظَهْرِ رِقْعَةٍ |
وَقِيمَتُهُ فِي الصَّدْرِ لا فِي الدَّفَاتِرِ |
وَلَكِنَّهُ البَحْرُ الخِضَمُّ لِطَالِبٍ |
صَقِيلَ اللآلِي أَو نَفِيسَ الجَوَاهِرِ |
يَجُودُ عَلَى الطُّلابِ مِنْ فَيضِ عِلْمِهِ |
وَيَشْرَحُ مَا يُفْضِي بِحِرْفَةِ مَاهِرِ |
وَإِنَّ لِسَانَ الحَمْدِ يَسْعَى بِذِكْرِهِ |
وَيَسْرِي كَنَشْرِ المِسْكِ فَوقَ المَنَابِرِ |
وَإِذْ غَرَّدَ الجَوَّالُ يُزْجِي بِشَارَةً |
بدَتْ فِي عُيُونِ الوُدِّ خَيرَ البَشَائِرِ |
تَقُولُ هُوَ الأُسْتَاذُ فِي النَّقْدِ قُلْتُ بَلْ |
هُوَ السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ فَذُّ النَّظَائِرِ |
هَنِيئًا لأَهْلِ العِلْمِ مَا أَنْتَ فِيهُمُ |
فَإِنَّكَ يَا مُوسَى مِدَادُ المَحَابِرِ |
وَإِنَّكَ بَدْرُ الدَّهْرِ يَنْبُوعُ نَهْرِهِ |
جَدِيرٌ جَلِيلُ القَدْرِ وَابْنُ الأَكَابِرِ |
خَلَعْتَ بِطَوْدِ النَّقْدِ نَعْلَيكَ مُبْدِعًا |
تَرَى بَاطِنَ الأَشْعَارِ قَبْلَ الظَوَاهِرِ |
وَحُزْتَ عَصَا مُوسَى تَهُشُّ عَلَى النُّهَى |
إِلَى حَيث نُبْلِ القَصْدِ نَيْلِ المَآثِرِ |
وَمَا زِلْتَ مَا أَلْقَاكَ بُسْتَانَ بَهْجَةٍ |
طَلِيقَ المُحَيَّا أَلْمَعِيَّ النَّوَادِرِ |
كَأّنَّ عَذَارَى المَجْدِ شَاءَتْكَ رَبَّهَا |
تَوَضَّأُ كَي تَرْضَى بِطُهْرِ السَّرَائِرِ |
لَهَا فِي رَوَابِي الشَّامِ فِي مِصْرَ نَفْحَةٌ |
وَيَسْرِي شَذَاهَا فِي رُبُوعِ الجَزَائِرِ |
وَمَا يَجْتَبِي ذُو الرَّأْيِ إِلا نَظِيرَهُ |
وَمَا يَجْتَنِي إِلا لَطِيفُ المَعَاشِرِ |
لَكَ الوُدُّ يَا مُوسَى عَصَرْتُ سُلافَهُ |
وَذَلكَ حَمْدُ القَلْبِ لا مَدْحُ شَاعِرِ |
وَبَاتَتْ لَنَا بَينَ السُّويدِ وَغَزَّةٍ |
تَبَارِيحُ مُشْتَاقٍ وَدَمْعَةُ حَائِرِ |
وَكُنْتُ بِكُمْ وَاللهِ وَدَّعْتُ وَحْشَتِي |
وَكُنْتُ بِكُمْ وَاللهِ قَرَّتْ مَشَاعِرِي |
وَإِنِّي وَإِنْ فَارَقْتُ قَسْرًا لَحَافِظٌ |
وَجَاعِلُ هَذَا الوُدَّ خَيرَ ذَخَائِرِي |