أهلا بالشقيق الأحب خليل حلاوجى
ومرحبا بك رفيقا دائما
ولكن الصهيونية اليوم تنفذ متون ... مابعد الصهيونية
وزمن المابعدية ... تمارسه أيضاً الليبرالية والرأسمالية ... فهل تنبه رجال الفكر لتصحيح مسار دفاعنا
إذ لا نزال نقاتل عدونا اليوم بأسلحة الأمس وهي غير مجدية ...
هذا الإعتراض على محاربة الصهيونية بسلاح الماضي كمبدأ
هو مبدأ خاطئ بل يعد طريقا ذهبيا تتمناه الصهيونية !
لأن محاربة الأعداء بسلاح الماضي يعد هراء وغير مجدى فيما يخص حروب السلاح لا الفكر
حروب الفكر أمرها مختلف تمام الإختلاف
لأن الفكر الذى يتحول إلى منهج بعد تطبيقه لا يمكن الإلتفات عنده إلى محاربة التطبيق وآخر ما وصل إليه من خطوات وإهمال الجانب الفكرى المؤسس لتلك الأنظمة
فمن العبث أن أحارب حكاما ديكتاتوريا يحكم بنظرية الحق الإلهى مثلا وأركز معارضتى على المطالبة بالديمقراطية فقط بل يكون الإعتراض موجها إلى رفض نظرية الحكم الإلهى نفسها التى قامت عليها أفكار هذا الحاكم لأن مطالبتى بالحقوق المفقودة أو بعضها لو أتت سائر ثمارها فسيكون عبارة عن منحة من نفس الحاكم لا يمس حقه كما يراه
فكل المذاهب الفكرية الهدامة التى تبنتها أنظمة سياسية حكمت بالديكتاتورية المطلقة حظت بنوع من التأييد الشعبي الكاسح واعتمدت على هذا التأييد بصفة أساسية لبناء قواعدها الأولى ثم انطلقت للحكم المطلق
حدث هذا فى عمق التاريخ مع
يوليوس قيصر فى الفترة الأتوقراطية وحدث أيضا عندما طبق
أدولف هتلر نظرية داروين البقاء للأقوى أو للأفضل فنادى بسمو الجنس الآرى.. فاستقطب التعاطف والتأييد الشعبي عن طريق الزهو الخادع لأى نظرية فاسدة وغيب عقول الجماهير بمبدأ السمو الذى راق للجماهير وأخفي عنهم ـ
كعادة كل الإنتهازيين ـ الغرض الرئيسي لنداء السمو ألا وهو التجبر المطلق باعتباره القائد الملهم للجنس الآرى
وبالفعل وعلى الرغم من هزيمته فى الإنتخابات أمام المستشار الألمانى الشهير
هندنبرج إلا أن نسبة النجاح الحزبية أجبرت هندنبرج على دعوة هتلر لتشكيل الحكومة فأمسك بيده فرصة الحكم وفرض الإحكام الإستثنائية التى لا يقبلها الشعب الأوربي عادة إلا بمحاذير قوية وقبلتها منه ألمانيا مع طريقته الدعائية رهيبة التأثير للفكر النازى بقيادة جوبلز
والثابت تاريخيا أنه بدأ فرض القبضة الأمنية بتدبيره حادث إحتراق البوندستاج {
مبنى البرلمان الألمانى }
ثم أطاح بسائر خصومه إغتيالا أو تغريبا وأمسك بمستشارية ألمانيا وأعلن قيام الحزب النازى { ا
لرايخ الثالث } وتغيرت ألمانيا كلها مع الفكر النازى واصطبغت به وتغير مسمى البوندستاج
للرايخستاج ..
كل هذا ولا يوجد اعتراض قوى حقيقي مسموع أمنام هتلر فى تلك الفترة لسببين
الأول
أنه عزف على وتر إعادة مجد ألمانيا وكرامتها الجريحة بمعاهدة فرساى المهينة فى نهاية الحرب العالمية الأولى فاستقطب بحماسته جماهير أوربا بأكملها لا ألمانيا فقط ..
الثانى
أنه اعتمد على براعة التقديم الإعلامى للفكر النازى مع حجب أى نقد ولو من بعيد لتلك الأفكار
فكان طبيعيا أن يعجز الأوربيون أمام هتلر وتعجز حركات التبصير داخل ألمانيا ذاتها لعجزهم عن ضرب المسبب والمحرك الرئيسي لشعبية هتلر وهو فكره المؤسس لدولته ..
ولو أن الضربة توجهت للفكر ذاته وأعطيت الفرصة للمعارضة بالظهور ولو من خارج ألمانيا لفضح حقيقة الفكر النازى لأسقط الشعب الألمانى نفسه أدولف هتلر وما كانت الحاجة لتدعو للحرب العالمية الثانية بكل ما حدث فيها
لكنهم أهملوا المواجهة الفكرية للمبادئ التى قامت عليها تجربة هتلر وحاربوا التطبيق على الأرض .. بمعنى أنهم وجهوا جهدهم لنزح المياه وأهملوا سد الصنبور نفسه فظل هتلر هو نجم ألمانيا أمام شعبه وبطلها المغوار وما كان هتلر ليواصل إلا بمساندة الشعب الألمانى به والإيمان التام به
وطبقها فلاديمير أوليانوف {
لينين } و جوزيف فيسرافيتش {
ستالين } و
أستروتسكى عندما تبنوا النظرية الشيوعية التى ألفها كارل ماركس وفريدريك أنجلز
فقامت إمبراطورية الإتحاد السوفياتى على النداءات التى اشتاق لها الشعب الروسي ألا وهى إنهاء سيطرة الكنائس والرهبان وإعتماد ملكية الشعب كله لسائر وسائل الإنتاج وعدم الإستمرار فى رحى الحرب العالمية الأولى التى استنزفت موارد الشعب الروسي فى الرجال والإقتصاد
وكل هذه الأفكار التى خدرت الجماهير بشكل مباشر فدعموا الثوار القابعين خارج روسيا حتى نفذت المخابرات الألمانية عمليتها الشهيرة المعروفة باسم {
عملية القطار الحديدى } والتى نجحت فى إعادة لينين وستالين فى قطار شق طريقه إلى الأراضي الروسية ليستقبلهم الشعب إستقبال الأبطال وسقطت حكومة موسكو وأصبحت لينين أول رئيس لدولة البلاشفة الجدد القادمين
بنداءات الحرية والمساواة والرخاء التام لسائر الشعب
وكانت الأفكار الشيوعية فى ذلك الوقت عبارة عن نار ساطعة تلتهم ما عداها من المذاهب فانتشرت فى شتى بقاع العالم وظلت تخدع الشعوب بما فيها الشعب الروسي لمدة ثمانين عاما ظلوا فيها ينتظرون الرخاء والديمقراطية والمساواة فما وجدوا إلا القهر الباطش والفقر المدقع رغم قوتهم العظمى
وعندما أحس لينين أن تروتسكى يجهر باعتراضه من منفاه الإختياري الذى هرب إليه تم تدبير إغتياله لتموت أول محاولة لفضح حقيقة الأفكار الشيوعية التى التهمت وعى الشعب بأمانيها الخادعة لا يما وأن البلاشفة تمكنوا من حصر الإعلام الغربي وحجبه عن الشعب المغيب وحتى الأفكار التى تسللت بالنقد والإيضاح تم قتلها فى مهدها عن طريق وصمها بالعمالة لكونها قادمة من رأس الرأسمالية الإمبريالية المستعبدة للشعوب المتاجرة بأقواتهم
وكان طبيعيا ألا يتلفت إليها أحد لأن الرأسمالية المطلقة فى جوهرها لا تختلف غرضا عن الشيوعية فى كونها تحصر الفوائد والمصادر فى الفئة الحاكمة وحدها فلم تجدى الإنتقادات الغربية بعد أن أهملتها الآذان
فاستمر المسلسل من
لينين إلى
ستالين إلى
خروشوف إلى بادجورنى إلى
رومانوف وكان ستالين الذى استمر حاكما لمدة أربعين عاما هو أول من أعاد بشاعة عهد القياصرة ببشاعة أكبر منه عن طريق حكمه الديكتاتورى الذى لا يسمح بهمسة وقام بتصفية خصومه وكذلك كل من يشتم منه إبداء رأى سواء فى السياسيين أو العسكريين فكان أن تخلص من جنرالات الجيش السوفياتى جميعا ووضع مكانهم أهل ثقته فى النظرية المعروفة باستبدال أهل الخبرة بأهل الثقة
واستعان بوزير داخليته الرهيب
بيريا المعروف بالسفاح لتنفيذ تلك التصفيات بأكبر قدر من الهدوء فدخل الإتحاد السوفياتى للحرب العالمية الثانية بقادة عسكريين لا يملئون أماكنهم بواقع الخبرة بل بواقع الثقة .. وكانت النتيجة الطبيعية مهزلة غير متصورة عندما بدأ الجيش الألمانى بتنفيذ خطة بارباروسا أو ذو اللحية الحمراء لغزو الإمبراطورية السوفيتية فاكتسح القوات السوفيتية التى خسرت سائر معاركها بلا استثناء مع خسارة فى العتاد بلغت الذورة إلى جانب الخسائر البشرية المهولة التى فاقت عشرين مليونا بين قتيل وجريح
ولولا القرار الغامض الذى بدأت به نهاية هتلر عندما قرر التوقف عن الإستمرار فى عملية التقدم نحو موسكو وأمر الجيش بالتوقف على مسافة أربعين كيلومترا من موسكو التى فرت منها حكومتها لمكان بديل لسقطت الإمبراطورية السوفيتية فى قبضته حتما
وظلت المؤامرة مستمرة حتى جاء
ميخائيل جورباتشوف بسياستيه المعروفتين باسم {
البروسترويكا } و {
الجلاسوسنت } وتعنى سياستى مصارحة الشعب بالحقائق للتعاون فى بناء جديد على أسس نظيفة
وتوقع جورباتشوف أن ينهض الشعب لمساندته عندما يصارحه بأن كل الوعود التى ينتظرها الشعب منذ ثمانين عاما هى محض خيال وأن قادتهم السابقين دعاة التقشف كانوا ينعمون بالثروات المنهوبة بأكثر مما يفعل الرأسماليون العتاولة
لكن الشعب المصدوم لم يكن على إستعداد للبدء من جديد والثقة فى منهج آخر حتى لو نزل به ملاك من السماء فكانت ثورة الغضب التى أطاحت بأحلام جورباتشوف ودفعت الجماهير للخروج العاصف ليمثلوا بجثة لينين المحفوظة فى الميدان الأحمر فى انتقام عاجز ممن كان سببا فى هذا التغييب
فلو أن حاسة المعارضة ولت شطرها ناحية نقد الفكر الشيوعى لا الطموح بالحكم وانتقاد التطبيق وحده بنفس طريقة أستروتسكى وبتكاتف يمنع النظام السوفياتى من إعادة الكرة بالإغتيال لأسقطت الجماهير المغيبة تلك الأنظمة عقب إعادة وعيها وذلك عن طريق نقد أصول الفكر بغض النظر عما وصل إليه التطبيق من مراحل متقدمة
وهى نفس النظرية التى تدعو إليها بمحاربة آخر طبعة من النتاج الصهيونى وإهمال الأفكار الماضية
بالرغم من أن الفكر الصهيونى قام على أفكار براقة ما زالت تستلب معظم المغيبين فكريا عن أصلها عبر نوادى الروتارى والليونز وشركات عبر القارات وغيرها وهى التى تنادى بما يسمى المذهب الإنسانى الجديد القائم على حل الصراعات المذهبية عن طريق إهمال أى عقيدة أيا كان نوعها والإيمان فقط برباط الإنسانية
فلو أننا وجهنا مقاومتنا للمرحلة التى وصل إليها التطبيق حتى لا نحارب الفكر الذى تأسس فى مرحلة سابقة فهذا يعنى أننا ندخل إلى حرب طواحين الهواء لأن العامة أنفسهم لا يعرفون الحقيقة المستترة وراء الدعاوى البراقة
بل إن غالبية المثقفين يغيب عنهم هذا الأمر فلا تجد منهم إلا الندرة التى تعرف شيئا عن تلك الأصول بل إنها لا تفرق بين اليهودية والصهيونية
وليتضح الأمر أكثر
فلو أن المفكرين مدوا يد العون لتلك المنظمات تحت تأثر نسبي بأفكار الوحدة بين بنى البشر وركزوا اعتراضاتهم فقط على بعض نقاط الإختلاف التى يدندن الفكر الصهيونى بأنه لا يعاديها بل يدعو للحرية فى الإعتقاد فحسب وعدم تسلط المعتقدات على سبل التعاون بين الشعوب
لوجدنا أنفسنا بعد فترة وجيزة نقر
بحق البشر فى إختيار حريته الجنسية وبعالمية الأموال بأنها النظرية المعتمدة جريا على مسمياتهم التى تخفي المسميات الأصلية لتلك النظريات وهى
الإقرار للشواذ بحقوق الممارسة والتزاوج والإقرار بشرعية
غسيل الأموال والمتاجرة بالغرائز وسيطرة الشركات الإقتصادية العابرة للقارات على مقدرات الشعوب وثرواتها
أما تركيز الحرب على أعماق الفكر ذاته وأهدافه يحقق النتيجة المطلوبة من رفض مبدأ التعاون والحوار من الأصل مع أهل هذا الفكر
أو الإستجابة للنداء الخادع بأنهم لا يطلبون الإقناع بل يطلبون الحوار ويرفضون المصادرة على حق التعبير إلى غير ذلك من الكلمات التى تبرز ببساطة وجهها الآخر فتصف التمسك بالأصول العقدية بالتزمت والإرهاب الفكرى وتصف التمسك بالقيم المجتمعية بالتخلف المذهبي الذى لا يتواكب مع العالم اليوم والذى أصبح قرية صغيرة
وهم أباطرة فى التغييب وحسن تقديم البضاعة الإعلامية ولهذا لم يوجهوا حربهم أبدا ضد أى مفكر يحارب نقاط الإختلاف بل على العكس يرحبون به أما المفكرون الطارقون للمبادئ الأصلية فمصيرهم قد رأيناه مع حوادث الإغتيال الغامضة أو الإيعاز للأنظمة الحاكمة بمحاربتهم إعلاميا
حتى لا ينتج نداءهم أثرا فتنتبه الجماهير لما يحاك لها بدلا من انشغالها بالدفاع عن قوتها المنهوب وأرضها المحتلة وهى مجرد ظواهر وإفرازات للسبب الأصلي
والذى يعد هو الرداء والنسيج الذى أفرز هذا التطبيق
كل التقدير