أحدث المشاركات

لبنان» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» تعقيبات على كتب العروض» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» نظرات فى تفسير سورة الإخلاص» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: محمد نعمان الحكيمي »»»»» الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!» بقلم ابو الطيب البلوي القضاعي » آخر مشاركة: ابو الطيب البلوي القضاعي »»»»» الخِصال السّبع» بقلم مصطفى امين سلامه » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رباعيات للشاعر صلاح چاهين» بقلم سالى عبدالعزيز » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» المعاني النحوية - رأي في آيات زوال الكيان الصهيوني» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» من هو السامري - رأيي» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» دفق قلم القرآن والإنصات» بقلم نورة العتيبي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: المقامة الكبشية

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي المقامة الكبشية




    حدثنا مُعْوِزُ بنُ عالَة قال: أقبل عيد الأضحى، فوجدتُني بين فَكَّيْ رحى. ولقد بِتُّ أشوي القِراح، وأرجو ألا يصبح الصباح. جيبٌ أجْهدَتهُ التَّحاسير، فيه من البق أكثر من الدنانير. فقلت لأم العيال: عزيزتي ذات الدلال، يا واحدة بلا مثال، يا ملكة الجمال، يا أميرة الأمراء، وسيدة الفضلاء، يا سليلة النبلاء، يا من يستعطفك الوزراء، ويرجوك الشرفاء، ويمدحك الشعراء، يا من سار بأخبارك البلغاء، وأثنى عليك الكرماء! ماذا لو رضينا بالقدر، والمقدور ما منه مفر، وعفونا عن الكبش هذه السنة، وكانت لنا عليه مِنَّة؟ أوليس الخروف خليقاً بِحَنَّة؟ فقالت شريفة النسب، ذات الجاه والحسب: أجُنِنت يا رجل أم بك مَسٌّ وخبَل؟ قلت: بل أنت الوَحْمَى بلا حَبَل. قالت: أنصير أضحوكة الجيران؟ فلا مِجمَر ولا نيران!
    قال معوز فقلت لزوجتي: لكنَّ التضحية يا عزيزتي سُنَّة، ولنا أجرُ النِّية، فلا تجعلي منها قضية! ثم إن الحرج قد رُفِع عن الأمة. قالت: يا نَكِد يا غُمَّة! أهذا وقت الفتوى؟ يا علة كل بلوى، لله منك الشكوى. لماذا لا تقترض من بنكٍ يا حَنكليس؟ قلت: أعصي الله وأُطيع إبليس؟ أغشى الحرام لأبلُغَ السُّنة؟ لا أفعلُها ولو أن أعتزل في قُنَّة. قالت: فماذا نقول للصغار؟ صبراً حتى يطلع النهار! بل ماذا نقول للجار؟ احبسْ رائحة الشِّواء عندك في الدار! يا للفضيحة يا للعار! اسمع يا رجل! إما خروف، وإما تسريح بمعروف.
    قال معوز: ففوضت أمري إلى الله، وتوجهت تلقاء سوق الغنم، راجيا لقاء أهل الكرم. وقلت إن لم يكن كبشا فكُبَيش، عسى أن يهنأ لنا عيش. ثم دخلت السوق وجُلتُ بين القطعان، فبدا لي أن ليس في السوق غير سِمسار أو قرصان، فانقطع الرجاء وانعقد اللسان. وكنت كلما وقفت أنظر إلى خروف، أشاح بوجهه كأن الله أَعْلَمَه الظروف. ولما بلغ بي اليأس مبلغه، وهممت أن أغادر السوق وأهله، وعزمت على صِرمٍ جميلٍ، يقيني ذُلَّ السؤال، وسوء المآل، خُيِّل إليَّ أن كُبيشاً يضحك لي، فقلت أتُراه يعرفني؟ إن الطيور على أشكالها تقع، وإذا بصوت يقول خُذْ ولا تَدَع! كبيشٌ هزيل، لكنْ غيرُ عليل. ولا يغرَّنَّك الغِلَظ، فاصغِ لمن وَعَظ. وخُذْ من الدهر ما صفا، ومن العيش ما كفى. هذا سيِّدُ الشياه، أقبلْ يا من ضل وتاه! قال معوز فسألت صاحبه: أعمروس أم فرفور؟ قال: بل خروف مبرور.
    قال معوز: فوضعت يدي على قَطَنه فإذا هو صوفٌ على عَظْم. لا شحم ولا لحم. لكنه سليم، وصوته رخيم. أحول ليس بالأعور، لكنَّ وجهه أنْوَر. أعرَجُ أَيْ نَعَم، لكنْ في ثُغائه نَغَم. ثم إن عَرْجتَه خُيلاء، وفي مشيته بهاء. وجهٌ حليق، ومحيًّا طليق. ولقد صارحني ربُّه قائلا: إنه كبشٌ عقيم، لكنه وسيم. انظرْ إلى رموش الحسناء، وابتسامة العذراء. قلت: هداك الله! جئتُ مبتاعا لا خاطبا. قال: هو خروف الشواء بلا منازع، فتوكل على الله ولا تمانع! لكن دَعْهُ على السجية، فإنه نقيُّ الطويَّة. وإياك والأملاح والبَهار، والأَرُزَّ والأَبْزار. والتوابل والمحاشي، وزهرة الحواشي. ولا تكثر الثوم والبقدونس، ولا تُغيِّر طعمه بالكَرَفْس. لكن تَبِّلهُ بالكمُّون، وشيءٍ من الأنيسون، ولا داعي للطَّرْخون. وجَنِّبْهُ الحَرْمَل والحَزَنْبَل. وإن شئتَ صِدقَ القول فإنه حُلو الكِلية، فإما شيّ وإما قَلِيَّة. والكُراع ما شاء الله من كراع! لَيْتها كانت رُباع رُباع. قلتُ: لا غفر الله لك إلى يوم الدين! أتريده أمَّ أربع وأربعين!
    قال معوز ثم قلت لصاحبه: لكن ما به هزيل؟ أهُزاله أصيل؟ قال: عوَّدْتُه الصبر على الجوع، والتأسي بخروف قنوع. فدأبُه الجَلَد والاخشيشان، والرَّغب عمَّا في أيدي الخِرفان. وشيمتُه الزهادة، هي لله شهادة. وليس يحرص على عِظَم اللقم، وإنه ليخشى البَشَم، ونِعم الدواء الأَزْم. وما ابتُلِيَ مخلوق بِشَرٍّ من نَهَم، فلا يصرفنك القَزَم. ثم إن السمين ريحُه زَهَم. وإنه ليشكر النِّعَم، فلَهُوَ عندي أفضل البَهَم. نفسُه أبية، ولا يرضى الدنيَّة. لا يُقبِل على علف، إلا إذا ألحَّ صاحبه وحلف. ولا يَرِدُ حتى يُصْدِر الرِّعاء، ويمسك قبل امتلاء الوعاء. وقد أهمَّته الفكرة، وشغلته العِبرة، فلا تَجفُّ له عَبْرة. ولقد أغمَّه حال الأمة، وأجهده عُلُوُّ الهمة. وكيف يستسيغ الطعام وقد علم أن البطنة تذهب الفطنة، وأن الكِظَّة ليس لها هاضوم؟
    قال معوز فقلت: يا هذا إني أبحث عن خروف أذبحه، لا خروف أتخذه إماما! قال ثم قلت لمالكه: فكم ثمن هذا الذي لم يقع على مثله بصر، ولا خطر على قلب بشر؟ قال: ليس لِما قرَّت به العين ثمن. فأَرَيْتُه ما معي من مال، فنَشلَهُ وضرب كفًّا على كفٍّ ومال. فلما خلوتُ بالكبيش سألته أتسير وحدَك أم أجُرُّك؟ وإذا بصاحبه يصيح من بعيد: لا تَعْقِلْهُ ولا تضربه بِعُود، دَعْهُ يسرَحْ ويعود! فجاوبته: ولِمَ لا أكون خلفه ويدلني على الطريق؟ أليس مالِكي وأنا العبد الرَّقيق؟؟
    قال معوز: فتأبطتُ الكبيش وقصدت البيت على مهل، وكنت طول طريقي أتعوَّذُ من الجدل. وأقول ليت ربة البيت تَقبَل الخروف ولا تسَل. وبينا أنا قاصدٌ البيت، لمحت الكبيش ينظر ماءً في لهف. فأدنيتُه من الماء فعبَّ حتى الثمالة، فكأنه أعطشُ من ثُعالة، وأجوع من ذؤالة، يشكو الخصاصة والعالة. فقلت: هذا وأنت الورِع الزاهد العارف! إن لصاحبك في الشحِّ لطرائف! ثم دخلتُ البيت أجُرُّ الكبيش من قرنيه، أفتعلُ الجرَّ وما أغنى كبيشي عنه. وما إن وقع بصرُ أم العيال على الكبيش حتى وقعت على الأرض مغشيا عليها، ووقع صغيرنا من بين يديها. فأسرعتُ إليها وأهديتها بضع صفعات على خدَّيها، فلما أفاقت من غشْيَتها وأبصرت الخروف قالت: ما هذه الجيفة؟ قلتُ: لحمٌ ما منه خيفة. ما به؟ قالت: إنه أحقر من تراب، بل كأنه سراب. أجئتنا بخروف أم بصوف؟ ما له سَبَدٌ ولا لبَد، وكله زبد في زبد! قلتُ: فهذا المقدور عليه، وهو كما تريْنَ كُبيش بقرنيه. قال معوز فقالت: أطلقْ سراح هذا المخلوق! قلت: لبَّيك وسراحُكِ مطلوق
    .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    التعديل الأخير تم بواسطة نادية بوغرارة ; 07-03-2011 الساعة 06:10 PM سبب آخر: حجم الخط

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.47

    افتراضي

    المبدع عبدالرحيم صادقي
    مقامة باهرة بلغة ساحرة وبلاغة للمعاني قاهرة
    أفدت وامتعت وأضحكت
    بارك الله لك فيما أنعم به عليك من حذق وخفة ظل ولغة تهمي بالروعة كالطل

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.46

    افتراضي

    الأخ عبد الرحيم صادقي

    جزاك الله خيرا وأضحك الله سنك
    مقامة رائعة حقا بلغة متمكنة عالية وأسلوب متميز في السرد والحبك والبديع .

    تحيتي وتقيديري
    يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

  4. #4
    الصورة الرمزية مرشدة جاويش أديبة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    الدولة : سوريا
    المشاركات : 467
    المواضيع : 36
    الردود : 467
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    نص فيه من التهكم والسخرية
    مقامة تألقت بحسها ولغتها ومعناها
    الذي بعث الضحك فينا
    بوركت سيدي
    تحاياي
    انظروا فتنتي تترامى صارت الشمس عنقاء كوني
    انظروها كغيمة ورد وسألوا عاهل الشهد أيني

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    الأخ عبد الرحيم صادقي

    جزاك الله خيرا وأضحك الله سنك
    مقامة رائعة حقا بلغة متمكنة عالية وأسلوب متميز في السرد والحبك والبديع .

    تحيتي وتقيديري
    الأخ مازن، وأنت من أهل الجزاء والإحسان. سررت لأني أضحكتك، وإن كنت لا أدري أضحكت من الكبيش أم من بائعه أم من مشتريه. ههههههه
    لك مني التحية.

  7. #7
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي إلى ربيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    المبدع عبدالرحيم صادقي
    مقامة باهرة بلغة ساحرة وبلاغة للمعاني قاهرة
    أفدت وامتعت وأضحكت
    بارك الله لك فيما أنعم به عليك من حذق وخفة ظل ولغة تهمي بالروعة كالطل

    دمت بألق
    الأخت ربيحة أهلا بك وسهلا، وفيه بارك الله. سعيد لإفادتك وإمتاعك وإضحاكك أيتها الأديبة. تحياتي لك.

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,762
    المواضيع : 352
    الردود : 21762
    المعدل اليومي : 4.87

    افتراضي

    مقامة ظريفة طريفة أضحكت وأمتعت بلغة جميلة لطيفة
    تمسك بالقارئ حتى النهاية وقد أسهبت في الوصف وأفضت وأضحكت في الحكاية.
    دام إبداعك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,682
    المواضيع : 267
    الردود : 3682
    المعدل اليومي : 2.05

    افتراضي

    أضحك الله سنك ـ ما أجمل مقامتك الكبشية ، وما أخف ظلك ، وما اجمل لغتك
    أمتعتنا وأضحكتنا وأسعدتنا بما كان من معوز وزوجته ، والكبيش وأوصافه وعلته
    بارك الله فيك ـ وكل عام وأنت بألف خير.

المواضيع المتشابهه

  1. المَقامة العجيبة في عائلة غالي الغريبة
    بواسطة أحمد فؤاد في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 01-07-2018, 10:30 PM
  2. (المقامة الهذيانية)...!!
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 30-05-2007, 11:43 PM
  3. المقامة الحمامية ((منقول ))
    بواسطة يوسف العزعزي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-07-2006, 04:03 PM
  4. المقامة الكويتية
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-10-2004, 11:00 PM
  5. المقامة الذرية
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-01-2003, 11:48 PM