هـو ، كـمـا تـخـيـلنـاه ينـبـعـث نـافـضــاً عـن هـزيـمـتـه غـبـار كـل الأزمـنـة التي مـرهـا مـيـتـاً بنـا ... أو كـمـا خُـيّـل إليـنـا ، وفـقـا ً لمـا رواه من ليـس يمـتـد بـه العـمـر إلا بـحـدود مـائـة عـام وثلاثة عـقود ... كـــ ( المِـعْـلامـة ) مـثـلاً ... أو مـا تـســرب إلى وعـيـنـا البـسـيط من صـور رأيـنـاهـا مـرسـومـة في كـتـب التـاريـخ في المـدرسـة أو مـتـحـركـة في رمـضـان في مـنـزل الشـيـخ أعـلى القــريــة ، عـلى التــلـفــاز يـروي القـصص عـن أجـدادنـا الـفـاتـحـيـن الأ ُول .. مـلـك آخـر أمـجـادنـا المـدحـورة ، وفـارس ما نزال نـردد أشـعـاره كـلـما اندس في قـلوبنـا الصـخـريـة .. تــتــجـاذبنـا الـريـاح المـسـائـيـة المـخـيـفة ذات النـكـهـة الـتـي لا تـنـذر إلا بـقـدومـه ، فـنـتـوافـد من كـل أزقـة الـقـريـة المـتـبقـية ممـا تـرك وأبتـنـاه لنـا أسـلافنـا بـمـا استلت أيـدي أسـلافـهـم عـبر كـل سـنـيـن الجـوع والقـحـط منـذ رحـيـله ، ممـا كـان يُـعـرف يـوما بممـلكـتـه ... نـتـحـلق نـلـقـي بـسـلال دهـشـتـنـا في بـاحـة الـقـريـة , يـمـلأهـا الكـبـار أحـاديث متوجسة عـنـه وهـواجس من لا ظهـوره هـذه المـرة أيـضـاً ، كـمـا ظـل يـروي (جـدنا المِـعـلامـة ) ــ جـد القــريـة كـلهـا ـــ أكـبر عـجـوز في تـاريـخ كـل القـرى النـائـيـة قـبـل مـوتـه الغـامـض ، ذي الظـروف الغـامـضـة ، يوم أمس ، رغـم أنـه هـو من ظـل بـمـائــة وثـلاثـين عـاماً ، كـمـا عـرفنـاه وعـرفه آباؤنا وربمـا أجـدادنـا ، ذلك ( المِـعـلامـة ) الـقـوي صـاحـب الغليون العملاق وكـل التـعـاويــذ في جـيـوب ثـوبه الـعـتـيـق ... جـدنـا المـعـتوه 00! يـردد في هـزليـة لسـنـا نـجـد لهـا صـدى يـحـد من مـجـهـولنـا المـخـيف هـذه اللـيـلة ، مـا رآه وأجـداده تـلك اللـيـلة قـبـل مـائـة عـام .. ومــا فـهــم الـبـعـض من أنه بـدلاً من ظـهـوره هـو ، يـظـهـر المارد الأسـود العـاري ذو الـشـعـلة ، والـذي طـالمـا رأيـنـاه في كـوابيـسـنـا كـلمـا أُصـبنـا بالجـدري أو الـرمـد ، يـخـرج بــعـكـس اتجـاهـه من حـيث يـضاجع أمـه هـنـاك منـذ ذلك العـهـد ، تــضـيء لمَـرهِ القـريـة بـشـعـلتـه الجـهـنـمـيـة اللهـب ...
إذا ً هـي الليـلة سـيـنـفـلق الجـبـل .... فيـنـبـثـق كالبـرق عـلى جـواده الأبيــض ، وقـتـهـا ربـمـا ينـشـق الـقـمـر بـاكـتـمـاله .. والجـبـل .. كـان يـردد بـلهـجـة أقــرب إلى لغـة التـمـائـم و ثـرثـرات المـجـانـيـن .. من الـغـرب إلى الشــرق .. حـيـث ممـلكـتـه الـرمـاد الآن .. وسـط هـالة من نـور الأزمـنـة الـتـي غابها وصلصلة أجراس خفية من حـوافـر جـواده السـحـري ، عـائـداً بـكـل الـمـجـد والعـظـمـة والانـتـصـارات التي تــتــوهـج من فــرطـهـا الـدنـيـا ، وتـســجـد الأشـجـار ، وتـجـفـل الـدواب وتـتـوقـف لهـا القــلوب ، وتـنـحـبـس الأنـفـاس .. لحـظـات .. يـعـود فيـهـا إلى روح أمـه المـحـبـوسـة مـع مـارد الجـبـل في ضـريـحـهـا هـنـاك ...
غـيـر أن مـا زاد من رهـبـة هـذه اللـيـلة ، المـوت الـغـامـض ليـلة أمـس ، للـشـخـص الوحـيـد الـذي ظل ينـقـل الأسـطـورة إلى كـل الأجـيـال بـعـده ، لعـمـر زاد عـن قـرن قضــاه كله لتـخـليـد ذكـرى مـلـك لم يـره ، آمـلا ً أن ينـعـطـف بـه القـرن الجديد الـذي ربـمـا يـكـون مـوعـد ظـهـوره ، فما درينا أيـن دفــن ، أو حـتـى أيـن لقـي مـصـرعـه وكـيـف ... والآن ونـحـن نـنـفــخ من عـلى سـطـوح منـازلنـا ذوات الطـابـق الـواحـد ، بـأيـديـنـا المـرتـجـفـة بـردا وخـيـفـة ، وتـطـل رؤوسـنـا وسـط الصـمـت المـوحـش والإ نـبـلاج المـبـهـر للـقـمـر المـكـتـمل تـمــامــاً ، من كـل شـبـاك ضـيـق وكـوة بـائســة ... لم نشـعـر بـحـاجـتـنـا ( للمِـعــلامـة ) قط ... ورغـم كـل الـرعـب هـذه اللحـظـات , والخـوف الـذي بــلــغ ذروتــه هــذه اللحـظـة بالـذات .... بـقـيـنـا ننـتـظـر .