كما وعدتكم سوف أقوم بعرض المسرحية على أجزاء حتى لايملها القارىء وتبقى موضع تشويق فيما يلي الجزء الأول من الفصل الأول
----------------------
.. الفصل الأول ..
المكان : غرفة متوسطة المساحة ، فيها طقم مكتب وكنب ، يجلس يوسف على المكتب وهو منهمك في تصحيح أوراق إجابة امتحان طلابه .
تدخل عليه زوجته
الزوجة : هل تريد مني شيئاً ؟
يوسف : لا .. شكراً .. إلى أين أنتِ ذاهبة ؟
الزوجة : إلى الفراش .. أشعر بالتعب وأريد أن أنال قسطاً من النوم قبل وصول ضيوفك .
يوسف : ( يضرب بكفه على جبينه ) أوه .. لقد نسيت أمر الضيوف .. هل كل شيء جاهز ؟
الزوجة : ( تبتسم ) طبعاً .. كل شيء جاهز الآن .. اطمئن أنت فقط ولا تشغل بالك بشيء .. عن إذنك ( تغادر ) .
يعيد يوسف نظره وتركيزه لأوراق تلاميذه ..
يوسف : ( محادثاً نفسه ) كلما صححت أوراق التلاميذ أدركت لماذا يحبونني ، لا يحبونني لعلمي ولا لشخصي ، بل يحبونني لمصالحهم الشخصية ، فلازلت أعطيهم من الدرجات الشيء الكثير رفقاً مني بهم ، وهذا يجعلني أشعر بالإحباط ، ليتهم يحبونني لشخصي .. أو لنقل للعلم .. رغم استحالته .. فلست أجد طالباً واحداً يحب العلم ..
لحظة صمت قصيرة تمر ..
يوسف : ( يرفع رأسه نحو الباب ) أعدت مرة أخرى يا .. ( ثم هب من مكانه ونظر إلى القادم ) من أنت ؟؟؟
الغريب : ( بهدوء تبدو عليه مسحة من الاستظراف ) غريبٌ أنك لا تعرفني ، دقق النظر جيداً ..
يوسف : ( غاضباً ) أتتهجم على منزلي وتخترق خصوصياتي وتسألني عن معرفتك ؟ .. كل ما أراه أمامي الآن هو لص دخل منزلي ويجب أن أبلغ عنك الشرطة ( يرفع سماعة الهاتف ويدير رقماً )
الغريب : ( يمسك سماعة الهاتف ويضعها مكانها ) تحقق من شخصي قبل أن تحرج نفسك .
يوسف : ( منفعلاً ) من أنت ؟
الغريب : أنظر إلى عينيّ .. ماذا ترى ؟
يوسف : ( بعصبية ) أتعتقد أنني أملك البال الرائق حتى أتغزل بعينيك ؟! ( يتأمل عيني الغريب ويصمت ) .
الغريب : ( مبتسماً ) جميلتان ، أليس كذلك ؟
يوسف : ( مذهولاً ) لا .. حمراوان كالدم .. فمن أنت بالله عليك ؟
الغريب من المستحيل أن تعرفني طبعاً .. أنت لم تعرفني في حياتك أبداً .. لا من قريب أو بعيد .. حاولت مراراً وتكراراً أن أتعرف عليك على الأقل .. فقد كان واضحاً أننا لن نكون أصدقاءً أبد الدهر .. ولكنني حاولت أن أتعرف عليك فقط .. على أمل أن تقوى علاقتنا فيما بعد .. ولكن كل الطرق بيننا كانت مسدودة .. سددتها أنت بنفسك .. أنت طراز نادرٌ من البشر ..
( لحظة صمت ثم التفت الغريب إلى يوسف ) لذلك كله أتيت إليك .. أتحدث معك .. لعلي أجد حلاً ما بمعرفتك ..(يقترب بوجهه من وجه يوسف ويهمس وهو يضغط على كل حرف يقوله ) أنت لم تعرف الشيطان في حياتك البريئة الطاهرة هذه ، لذلك أتيت لك ، أتعرف عليك .. وتتعرف علي .. أنا الشيطان أمامك الآن .
يوسف : ( واجماً ) أعوذ بالله من ..
الشيطان : ( يمد يده مسكتاً يوسف ويقاطعه بارتباك ) لا تكمل أرجوك .. أنا لست هنا لأؤذيك ، فلا تؤذيني أرجوك .. هذه الكلمات لها ضرر كبير عليّ .
( لحظة صمت بدأ يوسف يتمالك نفسه خلالها وجلس على مقعده ثم نظر نحو الشيطان ) لم تعرفني في حياتك .. ولم ولن أرغب في التعرف عليك .. وأنت تعرف هذا جيداً كما أرى .. فلماذا أنت هنا الآن ؟
الشيطان : ما رأيك في أن تتركني أتحدث بهدوء وأن أسحب كرسياً وأجلس أمامك لأقول لك كل شيء ؟
يوسف : ( ينظر نحو الشيطان بتردد ثم تبدو عليه إمارات الحزم ) لك هذا .. اجلس وتكلم .
الشيطان : ( يسحب كرسياً ويجلس ثم يمد يده إلى جيبه ويخرج سيجارة ) هل اطمع في كرمك أن تسمح لي بشرب هذه السيجارة ؟
يوسف : لا تضيع الوقت في هذه الأمور وتكلم .
الشيطان : ( يشعل السيجارة ويضعها في فمه ) أعلم أنك لا تدخن لذا لم أقدم لك سيجارة .
يوسف : شكراً .. ولكن الغريب انك أنت تدخن ؟ ما الداعي لأن تدخن ؟؟
الشيطان : دخنت حتى أعرف كيف أجعل الناس يدخنون .. فاعتدت عليه .. هذا كل ما في الأمر .. على أي حال .. سأبدأ الكلام .. ( ينفث دخان السيجارة بعمق ) منذ قديم الأزل وأنا أحيا حياة ليست بالحياة بأي حال من الأحوال .. قد تتوهم أن لدي معرفة صحيحة بكل أسرار الكون التي مرت على الدنيا منذ أن ظهرت أنا حتى اللحظة .. كيف نشأت الأرض والتضاريس ومن هم الأنبياء الغير مذكورون في القرآن وما هو نص التوراة والإنجيل الأصلي .. إلى غير ذلك من الأسئلة .. التي لا أملك لها إجابة .. لأنني قد نسيت بسبب طول السنين .. وتقدمي في العمر .. وإن عشت مثلي .. ألوف السنين .. لأدركت مدى الزحام في رأس من يعيش كل هذه السنين .. ولأدركت مدى محدودية عقلك عن تذكر كل شيء .. لكن كل ما أستطيع تذكره بشكل قاطع هو الأحداث الرئيسية التي شكلت حياتي على هذا المنظر .. رفضت أن أسجد لآدم .. خرجت من رحمة الله بعد أن كنت أنعم برضاه عليّ ، من أجل آدم ، وتحديت الله ، وهاأنذا في تحدٍ لست بقدر تحمله ، ولكنني أبذل جهدي .
يوسف : ( مندهشاً ) جهدك ؟؟؟؟!!!!!! كل هذا الخراب في العالم وكل هذه الحروب والكراهية وجميع الصفات السيئة التي نهانا عنها الدين والتي جَعَلْتَهَا تنتشر انتشار النار في الهشيم .. وتقول انك تبذل جهدك ؟؟!! إذاّ ماذا سوف يحدث إذا بذلك كل طاقتك ؟؟
يتبع ...............