رِسَالةٌ إلى صديقِي العزيز خالد
بقلم / ربيع بن المدنِي السملالي
أخي العزيز / خالد :
أحيّيك بتحية العروبة والإسلام / السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته ..
تَولاّكَ الله بحفظِه ، وأعانَك على شُكره ، ووفّقك لطاعته ، وجعلكَ من الفائِزين برحمته ...
آهاتٌ وزَفَرات تقبعُ في قلبي منذ زمن ليسَ بالقصير بسبب غيابِك المُضْنِي الّذي أرّقني وأسهرَ ليلي ، شعورٌ بالذّنب تجاهَك ينتابني بين الفينة والأخرى ، وتساؤلات عنيفة ترتطمُ بوجداني ،، ما سببُ غيابِك ؟ وما الذي جعلك تترك مراسلتي والتّواصلَ معي ؟ هل أغضبتُك يومًا ما من حيثُ لا أشعر ؟ هل ضايَقَتْكَ إحدى مقالاتِي ؟ ..لا لا أنا ما عهدتك تغضب أو تتضايق من كتاباتي ، بل كنتَ كلِفا بها معجبًا بأسلوبها ، وكنتُ أنا دائما ألومك وأعاتبك وأقول لك والله لقد اسْتَسْمنتَ ذا ورم ونفختَ في غير ضرم ٍ ، وأنشد لك قولَ المتنبي :
وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره ...إذا استوت عنده الأنوار والظّــلمُ
أعيدها نظرات منك صادقة ...أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورمُ
فتعاتبني وتقول لا تحتقر نفسك فالمؤمن القويّ خيرٌ و أحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف وفي كلّ خير ..وما شهدنا إلاّ بما عَلِمنا ...
فأنا ما زلت أتذكّر ذلك وأذكره مكبرا معجَبا ، وأنت تشجعني وتدفعني لأكون كما تريد لي أن أكون ...
آه يا أخي كم هو جميل إحساس الأخوة في الله ، أتذكر تلك الأيّام والليالي التي قضيناها معاً ، وقد أخذنا بأطراف الحديثِ بيننا ، فتارة تكون أديبًا لا تلينُ لك قناة ، وأخرى نحويا كأنّك عمرو بن العلاء وأخرى فقيها محدّثا ، وأنا مصُغٍ لحديثك المفيد لا أَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَة ...
فتقول : هِيهْ هات ما عندك يا مُغَيْرِبِي / فأعتذرُ لك بقولي : (إذا وُجد الماء بطل التّيمم ) أو (وإذا جاء نهرُ الله بطل نهرُ مَعقل) ..فتأبى إلا أن تسمعَ مني ما أهذي به من أشعار غزَلية وفخرية وحماسية ، وقِطَعٍ أدبية تحلّقُ بكَ في سماء الخيال ، كمقطوعاتِ جُبران ، وأحمد مطر، والزيّات ، والمنفلوطي ، وطه حُسين ، وغيرِهم ، فأشعرُ بك قد رضِيتَ بهذياني كلّ الرّضا ولسَانُ حالك يقولُ :
وَحَدّثَنِي يَا سعدُ عنها فَزِدْتَنِي ...جُنُوناً فَزِدْنِي منْ حديثِك يا سعدُ
فَلّله درّك من أخٍ لم تلدْهُ أمّي ، وصديقٍ قلّ أن يجُودَ الزّمانُ بمِثلِه ، فقد كنتُ محظوظاً في تلك الأيّام الخالية عندما كنتُ أنعَمُ بأنسك وقُربك وجميل خصالك وفِعالك وبيانِك الذي كأنّه الشّهد بل أحلَى ،، والذي دلّني على أنّ وراءه قلباً رَقِيقا شَفّافا هو منبعُ ذيّالك التّواضع النبيل ، وذلك الخلق السّجيح ...
فهل لك من رُجوع يا أخي / فإنّ القلبَ جدُّ مُشتَاقٍ لمحادثتك ، وكلامك الذي يرويه ويسقيه بفنونٍ من الأدب والعلم والبلاغة والبيان / وأنت تعلَمُ علمَ يَقِينٍ أنّ أخاكَ تأسُره الفائِدةُ ، وتأخُذُ بتلابيبهِ الكلمةُ السّاميةُ ، وتَخنُقه العَبَرات إذا ما سمعك تقصّ عليه تلكَ القصص الشّبه واقعية ،،كقصّة غرفة الأحزان / ومأساة وضّاح اليمن / وصُراخ القبور / ووردة الهاني على علاّتها ...وليل وقُضبان / وموعدنا غداً/ وغيرها كثير كثير ..
واعلم – لازلتَ موصولاً بحفظِ الله – أنّي أكتبُ إليكَ هذه السّطور والكلمات وأنا غارق في وسطِ مكتبتي .. قد حاصرتني الكتبُ والتّواليفُ من كلّ حدب وصوب كما عَهِدْتَني ، وأنا أحدّثُ نفسي بشِراءِ كتاب لغوي كبير يُعدّ مرجعًا مهمّا في بابه حالَت الظّروفُ بيني وبينَ لِقائه ، ألا وهو كتاب العلاّمة المرتضى الزّبيدي المعنون له ب( تاج العروس من جواهر القاموس ) يقع في أربعين مجلداً ...
أعلمُ أنّك ستضحكُ مني كعادتك لذلك سُقتُ لك هذا الخبرَ الذي لا يمتّ للرسالة بصلة !! وأنا أتعمد مثل ذكر هذه الأخبار لممازحتك ...أيها الموفق .
وأختم رسالتي إليك بأبيات الشاعر الفحل (المثقب العبدي) التي كنت تحب أن تسمعها منّي :
فإمّا أن تكونَ أخي بحـقّ ... فأعرف منك غثّي من سَميني
وإلاّ فاطّرِحنِي واتخــذني ... عــــدوّا أتّقيك وتتقيني
ولا تَعِدِي مواعدَ كاذبات ... تمــرّ بها رياحُ الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمـــالي ...لما اتبعتها أبـــــداً يميني
إذا لقطعتها ولقلـت بِينِي ...كذلك اجتوي مــن يجتويني
وهذا هوَ الشّعرُ وإلا فلا ...
وحفظك الله
وكتبَ / ربيع بنُ المدني السملالي 02 / 06 / 2011