ثلاثية الشُّمُوخ :
أقبلَ الليلُ واحلولك السوادُ ، وادلهمّ ،،، سخامُ .
ودجّى الدُّجى واسودّ العُكامسُ وساد ،،، الظلامُ .
واكفهرّ الدوح وجف الضرعُ ، لما أقلعت السماء وأقشع ،،، الغمامُ .
كأنّي بثمودٍ أنظرُ كيف قُطع دابرها لمّا باغتها عارضٌ ،،، ورُكامُ .
فأقحطت الأرض ، وأقفر من منابته الأراكُ ،،، والبَشامُ .
وحتى هلكَتِ الأنعام عقِب إقفاره من الصّمان ،،، الثُّمامُ .
وعَفَت رسومها ، ودرست آثارها ، فأوحَشَت الدارُ ،،، والآطامُ .
ولولا الحياء لاستعبرتِ العينُ حين يعشقها ،،، سجامُ .
لهمٍّ ثابر على الكبدِ ، كأن لم يتفتّق عنه ،،، لِجامُ .
يجوس العروق كأنها رخوة الوكاء ، وكأن لم يحبسه ،،، فِدامُ .
يهوي ليقُدّ القلب ، كما هوى بحدّهِ على العدوّ ،،، الحُسامُ .
فقطع مني الوتين ، ثم لأَرَقِي جثى السهدُ وعزّ ،،، المنامُ .
فبتُّ كمحكومٍ ساخت بأقدامه الأرض ، لتستهدفه من براعة القوس ،،، سِهامُ .
فإن أخطأه النّبل مُدّ على الرّمضاء لتطأه بأقدامها ،،، السّوامُ .
أو كمبطونٍ أعيته أدواءٌ ، حتى استحلّته وضرب أطنابه ،،، السقامُ .
ولأرى الغمّ بحتا ، وليحيطني بحرّ لفحه ،،، الضِّرامُ .
ثم نالتني شهوة الماء فعزّت ، فضاعف تقريح حَلْقي ،،، الأُوامُ .
لأشهد كأنّ العاديات أثرن بسنابكهن نقعا ، وكأنه حواني بجوفه ،،، القتامُ .
فإن راح يرحمني ، ناب عنه بصنوف قسوته ،،، العرامُ .
وإن رحتُ أستجدي الكرى ، أُوقِدَ ما بين جفنيّ ! وهيهات القريح ،،، ينامُ .
ويكأني اجترحتُ واقترفتُ الخطايا حتى ضاقت بي ، وتكدّست ،،، آثامُ .
ولو أزجى لُدّهُ عدو لهان أمره ، فما تغيُّظ العدو إلا لأني أنا ،،، الهُمام .
ولكنه ساكن الوريد ! مفترش العين ! ملتحف الجفن ! وهذا ،،، حرامُ .
يتجهمني بتجاهلٍ !؟ ويحاه ، فقد أنكر فيما مضى ناقصٌ من خفقت فوق رأسه ،،، الأعلامُ .
فقال من هذا ؟؟!! ظنا منه أن الورى في تناقصٍ وهو في تزايدٍ ، بل توهّمَ أنه ،،، التمامُ .
إن الذي تزدري أعينكم هو النُّبلُ ، هو الحُلاحِلُ ، هو العفّ ، وهو ،،، العِصامُ .
***********
وإذن فأنا الشُّموخُ .
***********
أنا تِرْبُ الأقاح وعصفُ الورود ، لمّا ارتوت الجِنان وعَبّت من ،،، مُهجتهِ .
وأنا الرَّوْحُ والمِسكُ ، ومَنْ تضوّعت كلّ الطُّيُوبِ من ،،، نبعتهِ .
وأنا الشُّمُوْخُ ،،، لمّا تصاغر التّسامي وتقاصر رغما دون ،،، هامتهِ .
وأنا الحُضُورُ ومَن نابت عنه أطيافه سفيرة عن ،،، حضرتهِ .
وأنا من أحب الناس دون تفريقٍ ، ومن اتسع صدره كما اتسع الرّحم ليحوي ما أجنّ في ،،، جنّتهِ .
وأنا من حوى الجريحَ رأفة ، وأصرّ على تجريعه اللدود وجعل عيادته ،،، بعُهدتهِ .
وأنا من أعطى السائل بسخاء وجودٍ ، ولو طغى العطاء على ،،، حاجتهِ .
كالثدي الكريم سال لبنهُ لما تضوّر الرضيع فطلب الغوث ،،، بصرختهِ .
لأُسرّي عن المفجوع كاليتيم وجد أمّا !!! ، ولأَحدّ من تفاقم ،،، لهفتهِ .
ومن عجبٍ أن يجد اليتيم أمّا ! ومن عجبٍ أن تتراءى له في ،،، وحدتهِ .
وأنا من فرّج كُربة المكروب بعزم ، حتى يعود باسما وحتى يكفر ،،، بكربتهِ .
إذ عُدتُ أصدح بالحرف فدبّت به الحياة ، كالنُّشُورِ اختصّه فانتشر من ،،، رقدتهِ .
أدُكُّ الهَمّ دكّاً ما إن هَمّ يجولني ، وأنسلُّ منه ومن جُمُوح ،،، روعتهِ .
وحَلَبْتُ أشْطُرَ الدّهرِ ، ففغر الأنامُ أفواههم تعجبا من ،،، حلبتهِ ! .
وأخذتُ العِلمَ بقوة ، لما أفاض الحكيم على الأنام من بديع ،،، حكمتهِ .
فمثلي إن هجر الأمواج بكته حسرة ، وعدّت الساعة تلو الساعة للحظة اللقاء ، وليفرح البحر ،،، بأوبتهِ .
***********
وإذن ،،، هل قرأت الجمال ؟
***********
هل نظرتَ الشفق لما أعرب عن إبداعه بحمرةٍ كفم الحسناء ، وتمثّل ،،، أصيلا ؟ .
وهل ملكتَ للوصف والرصف إن هالكَ الحُسنُ أصالة ونُطقا ،،، أصيلا ؟
وهل رأيتَ الغروبَ كأن الحدَّ بين الحدّين قَطْعا ،،، صقيلا ؟
وهل جالست بذيّاك الأصيل وجها وخدّا ،،، أسيلا ؟ .
وهل أحدث المبسمُ لما راعتكَ حلاوته للشّهدِ ،،، مَسيلا ؟ .
وهل خِلته لما أجّ من خلال الثغر ، ماءً ،،، سلسبيلا ؟
وهل صار لمّا تفجّر ونضح على صحصحِ الشفاه ،،، سلسالا ؟
وهل انتشيتَ من الحبيبِ ليلى ، لما أجرى من خمرة عشقه ،،، سيولا ؟
وهل أوفد الطّرفُ من جانب الرمش إليكَ بسحره ،،، رسولا ؟
وهل جمعت الورد وحُكتَ منه لسترها ،،، سربالا ؟
وهل كالتاج من الخزامى في حَلَكِ شعرها زرعتَ ،،، فسيلا ؟
وهل وهبت أميرة الليل من كبدكَ فلذةً لتهبكَ كبدها ثم تصير إليها ،،، سليلا ؟ .
وهل لما وهبتها كأن ندّ رشدها ! فرَقَصَت ثم رقَصَت وثار شعرها وقهر ،،، الخميلا ؟ .
وهل ضممتها إليكَ إذ جادت بدمعٍ ، ثم أنلتها من حنانيك ،،، نوالا ؟ .
وهل مَرَنتَ على الوفاء وغُسلت من دنس الحنث ، ثم دُعِيتَ ،،، غسيلا ؟
وهل إن أوْعَدَت بهجر أطقت الصبر، إذ يمحو الصِّرامُ ما كان ،،، موصولا ؟
وهل تجلّد عزمُكَ ، وابتغى إلى منزلة البدر ،،، سبيلا ؟ .
وهل جلست تغزل من البديع لؤلؤً ، لتتغزّل بقمر الأقمار ليلا ،،، طويلا ؟
هل سبقتكَ ابتسامة وإن كنتَ كارها وكنتَ على طلاقة الوجه والترويح ،،، كليلا ؟
هل قلتَ نعم ؟ ،،، فأنا من لا يقول لا !!! فبئس اللاء بعد نعم ، فما وجدتها في غير نفي ونهي ، وما وجدتها غيّرتْ ،،، حالا .
وما وجدتها إلا ردّ سائل ، وما وجدتها زادت في الأرباح ،،، مالا ! .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
حسين الطلاع
12/1/2012 م
المملكة العربية السعودية - الجبيل
: السخام هو أخلاط دخان وغبار ،،، وادلهمّ أي تكدس واسود واشتد وأقام .
: العكامس هو الليل الشديد السواد .
: العارض هو الغيم المقبل باعتراضه القوم والركام الممتلئ بالماء .
: الأراك والبشام أشجار طيبة يصنع منها السّواك .
: الصمان موقع حيال الدّهناء والثمام نبات تأكله الأنعام .
: الآطام هي القصور .
: سجام من صور انهمال الدمع بكثرة .
: الوكاء هو فم القربة ورخوة أي غير مشدودة بإجكام ،،، وفدام أي صمام .
: حسام من أسماء السيف القاطع .
الوتين عرق بالقلب ،،، والسهد هو السهر
: السوام هي خليط قطعان الأنعام والحيوانات .
: الأدواء جمع داء وهي الأمراض ،،، والأطناب هي أوتاد الخيمة لما يتم تثبيتها بالأرض .
: بحتا أي خالصا ،،، واللفح هو للحر لا للبرد ،،، حيث لا يجوز لغة أن نقول : لفحة برد ! فهذا خطأ .
: الأوام العطش الشديد المجفف الحلق .
: العاديات هي الخيل ،،، السنلبك هي الحوافر ،،، النقع هو الغبار المثار بالسنابك ،،، القتام هو أخلاط الغبار الكثيف .
: العرام أي الشراسة القاسية .
: اللُّد هو المُر كالعلقم وهو من أسماء الدواء ( اللدود ) وهو هنا على محمل الكراهة .
: المقصود بالذي أنكر هو هشام بن عبد الملك لما حج ذات مرة ،،، والمقصود بمن هذا هو علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين .
: الحُلاحِل هو السيد الكريم ،،، والعصام هو المعصوم أو المبرّا من الموبقات ويطلق كإسم على الذكر والأنثى وخير دليل على ذلك المثل الشهير ( ما وراءكِ يا عِصامُ ) وعصام كانت امرأة .
: الأقاح هو ورد الأقحوان .
: تضوعت أي انتشرت وفاحت .
: أجن أي خبّأ ،،، والمخبوء هو الجنين ، والجنة مأخوذة من الإخفاء وعدم قدرة العين على مشاهدة ما بداخلها لأنها محاطة بالأشجار ، وهنا المقصود الرحم ،،، وهو صغير ولكنه يتسع باتساع الجنين .
: اللدود هو الدواء ،،، والعيادة هي زيارة المريض .
: بعض الأمهات إذا سمعن بكاء طفل رضيع سال ثديها رحمة به لا إراديا لفرط رحمتها ،،، سبحانك اللهم ، فارحم اللهم الأمهات وكل من كان رحيما .
: من المثل العربي ( حلب الدهر أشطريه ) أي حلب أشطر الدهر ، والمقصود أنه عرف الحياة والحِكم بالعلوم والمعارف والتجارب .
: الأصيل هو وقت الغروب .
: هو حد السماء وحد الأرض عند الإلتقاء بلا عوج ولا أمتا كأنه مصقول صقلا .
الأسيل هو الخد الأملس على الحسناء .
: مسيلا كمهيلا من أسماء السيلان والإنحدار .
: السلسبيل من أسماء الماء القراح العذب .
: السلسال هو استمرار السيلان .
: ليلى هي نشوة الخمر وليس المقصود امرأة .
: الطرف هي العين .
: السربال هو اللباس .
: الخُزامى ورد ينبت بالنقا طيب الرائحة ، والفسيل هو فرخ النبات .
: ند رشدها أي غابت لفرط الفرح ، والخمل أو الخميل هو ريش النعام .
: نوال هو العطاء الخالص من النفاق .
: كليل أي مريض .