صَدّق نفسه :
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
قيل للحمار : صوتك جميل ! .
فكبر ذلك الإطراء عنده حتى كاد أن ينهر الجبل أن الحمار سيعبر فلا تعترضنّ السبيل ! وجعل ينهق آناء الليل وأطراف النهار ، حتى أقضّ مضاجع النيام .
فلما استشرى الأمر فزعت الأمم إلى الورقاء لعلها تحدّ من جماحه .
فقالت : يا قوم ،،، عهدي بالحمار منذ عشرٍ مضين لا ينهق إلا إذا دعته الحاجة ، فما أمر دعاه ؟
قال قائل منهم : سيدتي الورقاء ،،، والله ما نمى لديه ذلك الطّن إلا بالظّن .
قالت : وكيف يرحمك الله ؟
قال : نافقه هؤلاء ، وأكذبوا عليه حسن الصوت وأنه صائت غَرِد !!! فصدق نفسه وجعل يبث النهيق يحسبه غناء ! .
قالت : دعوا الأمر لي ،،، ثم ولى كلّ إلى غايته .
فلما رأته قالت له : يا أبا تولب ،،، ما هذا الذي بلغني عنك ، من أنك تفتعل النهيق بكرة وعشيا ؟
قال : وما في ذلك ؟
هذا العصفور يصدح ، وذاك يغرد ، فهل صُمّت المسامع دوني ؟
ثم إن امرأتي يطربها غنائي ، سيّما وأنا أطنّ النغم تلو النغم كما هو عهدي ،،، فما عساي أُسمعها ؟
قالت : هؤلاء أمم شتى ، ودونك امرأتك فاصدح لها بما تحب .
ضرب حافره بالأرض وقال : يبدو أنه لا يُرَاد بكم الخير ، وعجبتُ من قوم لا يريدون الجَمام ! .
قالت : نعرف كيف نستجم ، وإن كان هذا الذي تزفره خيرا ، فلا نريده .
فما مضت أيام حتى وفد البغل محاميا عن الحمار وكان لُكَعَا بن لُكَع ،،، ثم جعل يبحث عن الورقاء حتى ألفاها على فننٍ حيث وكنها .
فاقترب منها وقال : يا ورقاء ،،، جئتكِ أبحث معكِ أمر الحمار .
قالت : ذلك أمر فرغنا منه ،،، فهل من أمر آخر ؟
قال : لا ،،، لم نفرغ بعد .
فأدركت الورقاء أن لا جداء للبرهان معه .
فقالت : يا أبا ،،، ، ثم صمتت ،،، وكأنّها أنها وقعت في سُلّى ناقة .
فامتلأ غيظا ثم قال : إلام ترمين أيتها الحمامة ؟
قالت : لا لشيء ،،، وإنما أردت أن أكنّيك ،،، جريا على عادتي في الكُنى .
قال : لا بأس ،،، غير أني سأمكث إلى الغد لنأتمر بشأن أخي الحمار ، ثم ذهب يمشي يلتمس مبيتا .
تعجبت وقالت : أخبرني عن أبيك إذن ؟
توقف ونظر إليها وقال : خالي الفرس !!! .
ضحكت الورقاء ثم استجمعت تحت جناحها وذهبت في سبات .
فلما كان الصبح اجتمعوا في مكان سوى ،،، وراحوا يأتمرون .
فقال البغل : عجبت من كونكِ كارهةً الغناء يا ورقاء ! .
قالت : أي غناء يا بغل ؟
قال : غناء هذا ،،، وأشار إلى الحمار .
ضحكت وقالت : أغاب عنك أن صوت الحمير أنكر الأصوات ؟
قال : لسنا في هذا نخوض .
وإنما هو فنّ من عرض الفنون يفتنّه ،،، ولما جلستُ إلى بعض سادة الغاب أجمعوا أن من حق الحمار مزاولة نشاطاته ،،، وليس الغناء إلا بعضها ، كما ليس الصدح حكرا على غيره .
قالت : ها أنت تقولها ،،، الصدح ! هل ترى النهيق صدحا ؟
ثم فلينظر بني جنسه خلف تلك الأكمة وليسمعهم ما يشاء ،،، وهذا ما قلته له بالأمس .
قال : إذن أنتِ موافقة ؟
قالت : لا تمكر المكر يا بغل ،،، قلت هناك لا هنا .
قال : إنما المكر مكرتموه أنتم حيث دعوتموه وقلتم له إن صوتك جميل ! .
قالت : لا ، لم نمكر ، ولم نقل له ذلك ، غير أنه بعض قول أكذبه عليه بعض السفهاء .
قال : ومن هم السفهاء ،،، أرنيهم ؟
قالت : هؤلاء ، وأومأت إلى عصبة محددة .
نظر إليهم وقال : من ؟ لا أرى أحدا ! إنما هي أمم تتضارب بعضها في بعض ، فمن هم بالتحديد ؟
قالت : يا لك من لُكَعٍ يا بغل ،،، هم أمامك ألا ترى ؟
قال : يا ورقاء ،،، إنّ البقر تشابه علينا ! وودت لو تشيرين إلى من دعاه .
سهمت هنيهة وقالت : أما والذي جعل الأطيار في السماء صافاتٍ ويقبضن ، قد جئت بالحق يا بغل .
قال : ماذا ؟؟؟
قالت : إن من يستحسن صوت الحمار دخل في زمرة البقر .
وقد دخلوا .
وفُضّ المجلس .
ــــــــــــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
حسين الطلاع
2/7/2011
المملكة العربية السعودية – الجبيل .