مِنْ بَعْدِ شَيْبٍ، كم شُغِفْتُ بشاميهْ
ليت النساءَ خُلِقْن شاماً ثانيهْ
همساً.. ولا امرأةٌ تُغرِّرُ مثلها
بالهمس إذ تشدو، وترقصُ حافيهْ
تمشي على صمتي، فأتبَعُ ظلَّها
والشوكُ يجرحُها.. فتنزفُ باكيهْ
قلبي تعثَّر في هواها مُرغَماً
يخطو مُضاعَ الدربِ، يسألُ: من هيَهْ؟
لم يَرْضَ بامرأةٍ تُكابرُ غيرها
تغترُّ آمرةً عليه وناهيهْ
لم أدْرِ كيف الرِّمشُ يجرح جفنَه
أو كيف تصبحُ كل آهٍ داميهْ
هذي النشيدُ/الأمنياتُ تحولت
نهرا من الأحزان يَعبُر رابيهْ
إن غِبتُ عنها فجأةً، من خوفِها
تغدو بأسماء الحنين مناديهْ
في الشام مَن منَّا يُفَضَّلُ، كُلُّنا
أعنابُ كَرْمٍ لا نَمِيزُ بداليهْ
في الشام يُصبح مثلَ عبدٍ سيِّدٌ
ويسودُ عبدٌ، فالجميعُ سواسيهْ
لا فرق يُذكر حين يُسحَر خافقٌ
ما بين سيدةٍ وبين الجاريهْ
في الشام مَن منا يُخَيَّرُ؟ كلُّنا
يغري بنا حُسْنُ العيونِ الحانيهْ
شوقا نُساقُ بلا مقاومة، كما
ساقَتْ يَدٌ وردا ليسكُنَ آنيهْ
أسرى لشاميةٍ تَقَلَّبَ حالُها
ما بين حالِمَةٍ ترِقُّ.. وقاسيهْ
تطغى ونقبَلُ كلَّ جور صادر
منها، كأنَّ الجور عدلُ الطاغيهْ
قدِّيسةٌ وقفت كوقفةِ مريمٍ
والحملُ يُثقِلُها فتعرَقُ ظاميهْ
تجتَرُّ مِحنَتَها بصبرِ مُحِبَّةٍ
لله، تطمع أن تُجاوِر آسيهْ
هزَّت بجذع النخل تطلُبُ تمرَه
وتلُمُّه رُطَباً لتُطعِم ماريهْ
صلَّت لأجل الشام ليلةَ قُتِّلَت
والكحلُ، حزنُ الماء، فاض بساقيهْ
باتت تُلَمْلِمُ بالدعاءِ شتَاتَها
والصُّبْحُ أدرَكَها ولَمْ تَكُ غافيهْ
تتلو من القرآن سورةَ "غافرٍ"
و"العاديات" و"فصِّلت" و"الغاشيهْ"
اللهُ ألهمها يقينَ محمدٍ
في الغار تحرُسُه الحمامةُ راضيهْ
والعنكبوتُ بِكُلِّ خيطٍ قد بَنَتْ
بيتا يُضَلِّلُ بالشِّباكِ الواهيهْ
ويقينَ موسى حين أدرَكَ بحرَه
ووراءَه فرعونُ قادَ زبانيهْ
إذ قال "كلا"، ثم أُوحِيَ للعصا
في الماء أنْ شُقِّي طريقا خاليهْ
ويقينَ عيسى حين دُبِّرَ موتُه
كيداً، ومكراً بَيِّناً، وأنانيهْ
إذ قِيلَ "يُصلَبُ"، ثُمَّ قُرِّبَ رحمةً
لله، تحرُسُه السَّماءُ العاليهْ
يا أُمَّةً ضحِكَت كأنَّ مُصابَها
في الشام يُفرِحُها، لتسكَرَ لاهيهْ
والشامُ نائحةٌ تَفَرَّقَ أهلُها
شقَّت قرابتَها ثياباً باليهْ
إخوانُها، أعمامُها، أخوالُها
أصهارُها.. أعجازُ نخلٍ خاويهْ
في الشام إن بادَلْتَ شامَكَ حُبَّها
يُردِيكَ سَفَّاحٌ بنصْلِ كراهيهْ
في الشام تُغْسَلُ بالدموع دماؤُها
كم رخَّصَ التُّجَّارُ شاماً غاليهْ
في الشام يختَصِرُ المسافةَ صبرُنا
فتصيرُ قاصيةُ المَواجعِ دانيهْ
يا أول امرأةٍ خُلِقْتِ قصيدةً
والصبرُ وزنُكِ، واحتمالُكِ قافيهْ
علَّمتِنا أنَّا نموتُ بقَهرِنا
والشامُ تأبى أن تموتَ طوَاعيهْ
لا تنتهي والموتُ يسرقُ أهلَها
منها تِباعا، بل تظَلُّ الباقيهْ
سِرُّ احتمالِكِ للأسى مُترفِّعٌ
يأبى شموخاً أنْ يُقَالَ علانيهْ
حتى إذا ما صحتُ "ما بكِ؟" قلتِ لي
"لا شيءَ.. لا أدري.. أَتَعرفُ ما بيهْ؟
شامٌ أنا، أرضٌ وأنثى، نحتمي
بالعُرْيِ: عاريةٌ تُدَثِّرُ عاريهْ
عُهرُ العُروبةِ أنْ يُباركَ موتَنَا
من سنَّنوا بالصمتِ سيفَ مُعاويهْ"
..
.