كان يمكنك ألا تكلفي نفسك المجيء الى هنا.. إلى هذا المستشفى البارد، البعيد عن الوطن حد الغربة. كان بإمكانك أن ترسلي بطاقة بريدية .. يحملها الساعي الامين. يدق الباب و أنسج قصة بين بحثه عنها في حقيبته المخططة بالأصفر و بين توقيعي على وصل التسليم.. كان بإمكانك أن تهاتفيني فقط.. ثم لماذا كلفت نفسك عناء اقتناء علبة مزركشة هدية منك الي... لماذا تصرين على اختصار كل شي؟ كان بإمكانك ألا تتصنعي الابتسامة.. كان بإمكانك ألا تزوريني لتؤكدي عكس ظني بك. فأنت مازلت تلك المتعجرفة الاتية من جامعة أجنبية، و مازلتُ تلك الحثالة التي عيرتيني بها أمام الملأ.. لا لشيء إلا لقولي ما تلعثم الجميع في قوله صراحة.. "أنت فاتنة". ذلك ذنب لم نرتكبه نحن المفْتونون.
الآن تحملت السفر من الوطن الى روما لتؤكدي ما لا يمكن تصديقه.. ماذا عساك تظنين يستحقه ثائر، ممد على سرير الموت، هدية؟ هل يعقل أن تختصري الوطن في علبة مزركشة مغلقة.. ألا تعلمين اننا نحن المسكونين بالرفض لا نعطي الفرصة لأي أحد بأن يفاجئنا .. بأن يرهن عقولنا داخل علبة أو صندوق مقفل.. لا يمكننا أن نتراجع عن رفضنا لكل البرتوكولات. وأنا الذي يرمقك بعين بعد أن حررت لك سماء و أرض الوطن، لا يمكنني أن أخون كل الرفاق بالقبول بك و بهديتك. هيا عودي الى شوارع الوطن.. مقاهي الوطن .. جامعات الوطن .. وحاناته. فجري هناك أنوثتك واغوي ما شئت ممن هم على أهبة الطاعة و السقوط .. و خدريهم حتى تضيع هوية الوطن حد اللذة.. و سنعود نحن الأموات الأحياء، الحثالة، لتطهيرها مجددا.. تلك الهدية المخلصة مني إليك و إلى الوطن.
وأنا الذي تركت عينا على مشارف العاصمة من أجل شرف أنثى لا أعرفها .. همّ بها من جنّدهم أبوك للدفاع عن خيمة الزعيم.. عن جنونه هم مدافعون. لا تدخلي غرفتي . لا تنظري إلي بشفقة.
آه.. جاءت الممرضة الايطالية..
_ هل من زيارة اليوم؟
_ لا زيارة..