نجمٌ على الأرض ...ق.ق
تناثرتْ في عباءة السماء بضعُ نجماتٍ بعدَ غروب الشمس ، ثم توالى حضور بقية النجوم عند اعتزامِ الليل عتمته ...
عادَ الأصحابُ إلى ديارهم وبقيتُ بمفردي أتابعُ حقلَ الحنطةِ ، فبعدُ لم يكتمل ريه ..ساعةٌ أو ساعتين ويكتملُ الري... فأدرجُ عائداً الى البيت ...
اخترتُ كتفاً تُرابياً أُرجي جسدي عليه ؛ لأرى تدفقَ الماء في السواقي ...
تمددتُ على ضفةِ الساقية..في ليلةٍ غابَ فيها القمرُ أوآخر تشرين الثاني عبقة بعطرِ الخريفِ ورياحه الباردة تداعبُ الزرعَ ، تراقصهُ قبلَ ولوجِ سنابله فيه...
أنا والليل وحبيبتي ، عرفتها عندما كنتُ صغيراً ، وكم تمنيتُ الإمساك بخيوطها الفضية..
يَزورني ضوئها المسافرُ اليَّ عبرَ السنين قادماً من أعماقِ الكون ، تعلقتُ بها ، واتخذتُها رفيقةَ وحدتي ، نَسيرُ في الليل معاً ، تَدلُني عبرَ بحور الشوقِ على طريقِ السفر ...
يَجذبني بَريقُها ،يَنفذ إلى قلبي، يلفُني بالسعادةِ الغامرة ، يتحركُ صوبها كلُ جزءٍ في بَدني حتى بتُ أخشى على نفسي من شدةِ الإنجذاب إليها والتلاشي فيها...
هيَ في عينيَّ أجملُ نجمةٍ في الوجود ، نَديمتي دونَ بقيةِ النجوم ، وصديقتي عند قلتي من الأصدقاء ...
وأنا وحدي دونَ المارينَ عبرَ خريطةِ الزمن ورثتُ صِدقها ، فوالدي كانَ يهتدي بها في ليالي السفر، وقبله أجدادي يهتدون بضوئها ، ويرتحلونَ معها ؛ تَدلُهم على الطريق وتمنحُ نفوسَهم الطمأنينة والهدوء..
كلما تَحركتُ عن مكاني أعالجُ الماءَ في السواقي أعودُ أستلقي على ظهري ، أستقبل السماء بوجهي..
كم أنتِ رائعةٌ أيتها السماء ؛ جميلةٌ بلونكِ الأزرق في النهار ، وفي الليل عندما تتوشحين بردائك الأسود المرصعِ بالجواهر ...
أدورُ في الحقلِ من جديد أتحققُ ري الحقل وبيدي مصباحي يدلُني على الطريق... أغلقتُ ساقية الماءِ ، وتلمستُ طريقَ عودتي ، يداعبني النسيم العبق بعطرِ العنبر القادم من حقول ( الرز) المجاورة فقد نضجتْ وآن حصادُها ...
بعد سويعات الغزل و حكايات الحب والإيثار والإخلاص أراها تسمعني وتبتسم لي بعد كل حديثٍ ينقضي فأوصله بحديثٍ آخر حتى ودعتها وودعتني ...
اختفى بريقها خلفِ غيماتٍ رمادية غطتْ محاسنَ وجهُها الجميل ..
اكفهرَ الجوُ وازدادَ لون السحبِ سوداً ، توالى يركمُ بعضه بعضاً ، ثم ريحٌ جنوبية تحمل رائحة المطر ..!
أيُ مطرٍ يمكنُ أن يهطلَ فالشتاءُ لمْ يحن بعد ...؟!
لم يخبْ ظني فالرعد أصمَ أذنيَّ ، وصوتُ الريحِ يشتدُ أزرهُ ينفخُ الهواءَ في المزارع فتنحني لا تقاومه الأشجار..
ليسَ من أحدٍ غيري في الطريق ، وقد ظللته بعدَ أفول حبيبتي ، اقتربتُ من شجرة التوت العملاقة ؛ كمنتُ تحتها أقضي جزءً من الوقت حتى تنجلي العاصفة ...
هطلَ المطرُ بطيئاً ، استمرَ لعدةِ دقائق ثم انهمرَ فجأةً وكأنه قربةٌ انفتقت وألقت ما فيها ...
لم يدم هطولُ المطرِ طويلاً ؛ فسرعان ما أقلعت السماء وانفرجتْ تلكَ الغيمات حتى بدا لي أن هناكَ من توسطَ لي في إنهاء هذه العاصفة ؛ لأسرعَ في وصولي...
لاحَ لي ضوء النجوم في السماء من جديد ..
أمعنتُ النظرَ جيداً ..حبيبتي هناكَ لم تغادر...
يبدو أنها أظلتْ الطريق..!
فكانتْ تبحثُ عني...
محمد مشعل الكَريشي 28-9-2012