بينما نحن في طريقنا إلى الجحيم، أصيب زميلي دونكيشوت بجنون البقر. حوقلتُ وقوقلتُ (لا أقصد الشيخ قوقل طبعا) ثم ترجَّلتُ عن حماري، وقمتُ بجرِّ دونكيشوت دو لامانشا إلى أقرب مارستان، حيث وجدتُ ابن مالك كان يقوم بإعراب المرضى هناك. اقترب مني، وقال لي:
- من منكما الجار، ومن المجرور؟
- طبعا أنا الذي أقوم بجرِّ دونكيشوت دولامانشا إلى المستشفى.
- هذا خطأ، والصواب هو أن تقول "دا لامانشا".
- لماذا؟
- لأن "دو" تعتبر من "الأسماء الخمسة" في لغة العرب. وما دمتَ القائمَ بجرِّ صديقكَ، فيجب أن تكون علامةُ جرِّه الياء. اسمع يا صغيري، عد إلى ألفيتي، واقرأها جيداً. دعك من تلخيص أبي الهمام البرقاوي، وشرح محمد بن صالح العثيمين، وعبد الله الفوزان، والحسن الشنقيطي، وبن عقيل، والسيوطي، وشيخهم الشاطبي، والعشرات ممن انهمر فضولهم وغريزة اجترارهم على شرح كتابي، وكأنني كتبته بلغة يأجوج ومأجوج. أما تلك المقررات المدرسية، في مجال النحو، فهي تثير قهقهتي حتى وأنا في قبري. اسمع يا بني، ما اسمك؟
- اسمي سعيد بودبوز.
- اسمع يا بودبوز... يبدو أنك أنت أيضا بحاجة إلى تشخيصي، فوالله إنني لم أجد لاسمك هذا (أعني بودبوز) أصلا، ولا غصنا، ولا فصلا، ولا نصلا، ولا مصلا، ولا بصلا، سواء في لسان العرب، أو تاج العروس، أو كتاب الأغاني، أو مروج الذهب، أو كتاب دوكامو. لهذا، أقترح عليك أن تدخل إلى المارستان مع زميلك دونكيشوت دي لامانشا، وتنتظراني حتى أعود، فأنا ذاهب إلى بيت الحكمة الآن، وسأبحث لاسمك الغريب هذا عن دلالة ممكنة، وإلا فيجب إدراجك ضمن المصابين بداء الاستعصاء الإعرابي. وهذا يعني أنك ممنوع من الصرف. وسيزج بك النحاة في غياهب الجمل التي لا محل لها من الإعراب، هل تعرفها؟
- لا يا شيخ، لا أعرفها.
- هي الجملة الابتدائية، والجملة الواقعة جوابا لشرط، والجملة الاعتراضية، كقوله تعالى "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا"...الخ.. صدق الله العظيم. اسمع يا...
- سعيد بودبوز...
- اسمع يا سعيد بودبوز، عندي لك اقتراح قد ينجيك من البقاء في تلك الجمل التي لا محل لها من الإعراب.
- ما هو اقتراحك؟
- عليك أن تضيف الألف إلى اسمك الأبتر هذا، لكي يصبح "أبو دبوز"
- وما الفائدة؟
- لأنك بهذا ستتمكن من الانخراط في منظمة الأسماء الخمسة التي نتحدث عنها.
- هل تقصد الحكماء الخمسة مثلا؟
- كلا، بل أقصد الأسماء الخمسة كقولك "أبو فراص الحمداني"، و"أبو تمام"، و"أبو البقاء العكبري"، و"أبو سليمان خالد بن الوليد"، وأبو الوليد بن رشد"، و"أبوحنيفة النعمان"، و"أبو موسى الأشعري"، وأبو بكر الخوارزمي"، وأبو نصر الفارابي"، وأبو.....
- مهلا، لقد تجاوزت العدد المطلوب، أعني الأسماء الخمسة..
- تبا لك يا أبا دبوز...
- اسمي بودبوز يا شيخ....
- حسنا، اسمع يا سعيد بودبوز، إذا كان دونكيشوت دولامانشا في حالة الرفع، فعليك أن تقول: "دونكيشوت دو لا مانشا". وإذا كان في حالة النصب، فعليك أن تقول: "دونكيشوت دا لا مانشا". وإذا كان في حالة الجر، فعليك أن تقول: "دونكيشوت دي لا مانشا"... وهكذا، كقولك "قام ذو نواس بجري من شعري إلى أخدوده المشتعل"، وهذا في حالة الرفع. أو كقولك "جررت ذا الرمة من شعرة الموزون"، وهذا في حالة النصب. أو كقولك "قمتُ بجرِّ ذي القرنين من قرنه الأيسر" في حالة الجر. وهذه هي القاعدة التي تنطبق عليكما أنت ومجرورك الذي تجره إلى مستشفى المصائب العقلية.
***