وحش كاسر ووجه ابيض
(1)
كانت يداه مخضبتان بالدماء ، وعيناه تذرفان دمعا أحمر ، وحوله آلاف الرؤوس والأشلاء .
وكانت أنيابه الحاده تبرز خلف ابتسامة عريضة تمتزج بحنق أسود ..
لم يكن الفضاء الواسع يوحي بأي حياة ..وخلف التلال تغرب شمس حمراء حانقة ..وأستار من الليل الأسود تزحف رويدا رويدا ...
تبدلت ابتسامته العريضة إلي ضحكات مدوية تردد صداها في كل مكان ..
كان وحشا كاسرا ....
....
وقف الوحش الكاسر بكل صلف وغرور وسط أنصار له ذوي وجوه سوداء وأفواه واسعة ،وقال لهم :
- اليوم أصبح كل شئ ملك لنا ، ولا احد يستطيع ان يقف أمامنا ..
تابعوه بفضول وإعجاب ،فأردف قائلا :
- يجب ان تتعلموا كيف تروضوا من حولكم وتذعنهم لإرادتكم ،وتذيقوهم الويل ان أبوا ،وإن أصروا علي الإباء فالتدمير مصيرهم ..
فأمأوا برؤوسهم إذعانا وإعجابا ،فيما أضاف :
- كونوا أوفياء لي ، تكونوا ذوي سلطان وجاه .
فغرت أفواههم بابتسامة عريضة ،وبرزت خلفها أنيابهم الحادة ، وأشاروا له بالسمع والطاعة .
فابتسم الوحش الكاسر ، وأخذت مخالبه تبطش بكل حياة ، وسهامه تنطلق من فمه لتنغرس في الأجساد.
(2)
كان ذا وجه جميل منير ناصع البياض ..وقف وسط أنصاره خلف تبة عالية يحثهم علي الصبر والجلد ، وقال لهم مشددا :
- المعركة طويلة ، ولابد لنا أن نتسلح بالعزيمة .
كانوا ضعفاء الجسد والحيلة ،فقال أحدهم :
- لكنه وحش كاسر وأنصاره كثيرون وأقوياء ، ونحن لا حيلة لنا ..
فضاق بهم صاحب الوجه الأبيض ، وقال مستاء :
- الحياة متوقفة علي ألسنتكم ، والفناء إن تخاذلنا أو تراجعنا .
فتطلعوا حولهم فوجدوا الرؤوس والأشلاء ، فازدادوا ضعفا ووهنا ..
(3)
رحلت التبة العالية بعيدا فوجد صاحب الوجه الأبيض نفسه مكشوفا أمام الوحش الكاسر .
فقال الوحش الكاسر مخاطبا أنصاره :
- يختبئ مني ألا يعرف أن يداي ممتدة علي كل شبر في هذه الأرض .
ثم ضحك ضحكة مرعبة تبعتها ضحكات أتباعه ، فاهتزت لها الأرض تحت أقدام صاحب الوجه الأبيض .
ثم قال الوحش الكاسر مخاطبا أتباعه :
- اقتادوه لي ....
فنظر صاحب الوجه الأبيض حوله مستنجدا بأنصاره فلم يجد غير الفضاء الواسع وأنصارا لم يعرفهم كانوا وحوشا كاسرة .
وقف صاحب الوجه الأبيض أمام الوحش الكاسر مذعورا ، وقال له راجيا :
- مزقت الكثير ، فماذا يضيرك لو تركتني ؟
تطلع إليه الوحش الكاسر في صلف ، وتساءل هازئا :
- ولماذا أتركك ؟!!
ثم أضاف :
- إلا أنه ... يمكنني أن أتركك .
وأردف :
- ولكن في حالة واحدة..
فنظر صاحب الوجه الأبيض إلي السماء فوجدها ملبدة بسحاب أسود ، وتمطر أمطارا حارقة ، و تساءل :
- ماذا تطلب مني ؟!!
فأجابه الوحش الكاسر وهو يقذف بلهب من لسانه :
- أرضخ لإرادتي ..
فقال صاحب الوجه الأبيض بنزق :
- لا يمكن ..
فصرخ فيه الوحش الكاسر :
- إذن فالتمزيق مصيرك .
فتدحرجت دمعات صغيرة من صاحب الوجه الأبيض فنهره الوحش الكاسر :
لا تبك ، فأنا أكره البكاء .
حاول صاحب الوجه الأبيض أن يمسك عينيه حتى لا تذرف ، وتذكر أياما ماضية كان ذا صوت مسموع ، وإرادة مطيعة ،وأنصار كثيرين ، وقال متحديا :
- مهما يكن لن أرضخ لك .
فصفعه الوحش الكاسر علي وجهه ، وأسال منه الدماء ، فقال صاحب الوجه الابيض وهو يئن من الألم :
- أنت لا شئ ..
فبهت الوحش الكاسر ، وتابع صاحب الوجه الابيض وقد ارتفعت قامته :
- انت مجرد كلمات تافهة من أبواق كارهه ، وأنا كلمات صادقة مضيئة في ليل أسود.. أنا الحق وأنت الباطل ..
فزمجر الوحش الكاسر ، وقال أمرا :
- أسكت .
حلقت حول صاحب الوجه الأبيض كرات بيضاء مضيئة ، وأضاف بتحد كبير:
- أنت قتلت الحياة بألسنة الفاسدين ...وأنا نبض الحياة لكل عاقل .
أنتفخ الوحش الكاسر ، وازدادت عيناه احمرارا ، وانغرست مخالبه في جسد صاحب الوجه الأبيض ، فصرخ لها ، وتابع :
- أنت لعنة المال والغرور ، وأنا ضمير كل إنسان محب عادل .
فأطبق الوحش الكاسر بكلتا يديه علي عنق صاحب الوجه الأبيض ليقتله ...
واستيقظت مذعورا ، ومازال التلفاز و...يقذف بكلماته في كل مكان..