( لن أنتظر الهدية )
قصة قصيرة بقلم / محمد محمود محمد شعبان .. ( حمادة الشاعر )
استقبلني ذو الهيئة المنسقة واللحية المشذبة والعطر الطيب المميز بابتسامة عريضة ووجهٍ متهللٍ ملؤه الأمل والحياة مسَلِّمًا عليَّ سائلًا عن حالي داعيًا لي بالبركة والخير .
حسبتُه يعرفني من قبل .. فمصافحته لي دلَّتْ على ذلك .. أخذت يمناه يمناي وأمسكت يسراه مرفقي فربَّت على كتفي .. طلته ينشرح لها الصدر وينفرج لها الهم .. بدا ستينيا في كامل لياقته البدنية كما بدت ابتسامته في أسنانه البيضاء الكاملة كأجمل ابتسامة رجل شاهدتها قبل ... عيناه لم تبرحا عينيَّ حتى مضى كالنسمة الحانية .
انتهى بي المسيرُ حيثُ جاري...( مخلص ).. واقفا في شرفة منزله ذي بالطابق الأول لا يغادر شاردة ولا واردة إلا وفصلها بنظره من أعلاها إلى أسفلها .. بادَرني بوجهٍ متجهم عششت فيه تجاعيد الشيخوخة وهالات الضعف والوهن وهو ابن الثلاثين ربيعا وابتسامةٍ صفراء وهو ينفخ دخان سيجارته ناحيتي ويسعل ويتمخط ويبصق على الأرض قائلًا :
:ـ أنا أخاف عليك ... لا تصافحْ هذا الرجلَ ( الماكرَ ) ثانيةً .
: ـ ( الماكر) ؟! ولماذا إذن ؟! ... غفر الله لنا وله ... لقد بدا الرجل طيبا ومريحا .
:ـ هههه... هذه طريقته في استدراج الآخرين يا مسكين ومن ثم استخدامهم .. يجعلك تستريح له أوَّلًا .. ولا مانع من بعض الهدايا والكتب الدينية .. ثم يدعوك بعد ذلك لتناول الطعام معه .. ثم لجلسة خاصة بحجة التعارف وتعلم الدين والدعوة للخير والتربية ، وهي ما تسمى ( أسرة ) لتجد نفسك منخرطًا في أعمال ( الشُّعَبِ ) و ( المناطق ) من أعمال البر المختلفة والدعوة .. ومساعدة الفقراء والمحتاجين وجمع تبرعات من أجل ذلك، وكذلك حضور الدروس المسجدية ومؤتمرات لنصرة (القضية الفلسطينية ) و (القضايا الإسلامية المختلفة) ( والقضايا العامة ) ، والاندماج في المجتمع بحجة ( خدمة المجتمع ) و ( إعادة البناء والإصلاح ) و، و، ...
:ـ وكيف عرفتَ كلَّ هذا يا ( مخلص ) .
:ـ هو جرَّبَ هذه ( الخديعةَ ) معي .
:ـ الخديعة ؟! ... وهل رأيتَ هذا فعلًا على أرض الواقع ؟
:ـ نعم ولكنه يتِّبع ( الجماعةَ المحظورةَ ).
: ـ ( المحظورة ) ؟! وهل الأعمال التي تقوم بها الجماعة محظورة ؟
: ـ لا ... ولكنهم يشتغلون بالسياسة ... ماذا أنت فاعلٌ الآن ؟
:ـ أنا ؟! ... سأقصِّرُ عليه المسافةَ .. ولن أدعه يبدأ معي من الصفر ... سأبدأ معه فورًا بالأعمال ولن أنتظر الهديَّةَ أو الطَّعامَ .. شكرًا لك جاري العزيز.
============================
تحيتي
محمد محمود محمد شعبان
حمادة الشاعر