واعَدَتْنِي للتشاكي :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
حضرت عنيس كأجمل ما تكون امرأة ! .
فعلمتُ أن وراءها ما وراءها .
فطفت حولها أنظر لفيفها المشدود ،،، ووطفها الممدود ،،، وشعرها المسدول .
فقلت لها : لو لم أعلم أنكِ عُنيس ، لقلتُ أنك ( هي ) ! ولكن ما وراءك يا ابنة الجِنَّة ؟
قالت : أُعْلِمكَ على أن تجعل لي من بحر عشقك لـ ( هي ) ذَنُوبَاً ! .
قلت : وماذا تفعلين بِذَنُوْبٍ من بحر ؟
قالت : أتقوّى به وأدحرُ صويحباتي في ( مُوَيْسِن ) اللواتي صِرن يَلُمْنَنِي قائلات : ما لكِ ولهذا البشري ابن آدم ، لستِ من جنسه ولا هو من جنسكِ ، وتركضين إلى حيث هو كأنه سيدكِ وأنتِ أمَتَه ؟
قلت : ويحهنّ ،،، من يعنين ؟
قالت : أنتَ سيدي ! .
قلت : وهل ترين أن العشق بضاعة مُزجاة ! وأنه باليد كالخروف يُسَرّحُ ويُحْبس ؟
قالت : ما أعلمه أن العشق كسَوْرَة حاجة الرضيع لمّا يجوع ، فلا يعرف إلا أن يَلْقم ضرع أمه ، وإلا فالبكاء حتى يزرقّ لونه ، وهيهات تُفهمه أو تُسكته ! .
قلت : ماذا تقصدين ؟
قالت بدلٍّ : أنا كذاك الرضيع سيدي ،،، فكيف أفهم ! ؟ .
قلت : لئيمة أنتِ يا فتاة الجن ، وتعرفين من أين تُؤكل الكتف .
انتفضت وقالت : نعم أعرف يا سيدي ، وإنه لمثل حقيقي وليس معناه مجرد العلم بالشيء .
قلت : هاه ،،، وما هو ؟
قالت : عندما تُطبخُ الكتف ، يَمرُق الماءُ ما بين عظمة لوح الكتف واللحم حتى تنضج ، ويبقى الماء حبيساً مُطعّما برائحة النضيج لا يخرج حتى تصله يد الخبير لينزع ويقطع اللحم ويأكلها وهي مشبعة بالمرق اللذيذ ،،، إن شاء أكل اللحم وإن شاء تناول المرقة وإن شاء كليهما .
والخبير فقط هو الذي يعرف من أين تؤكل الكتف ،،، أليس كذلك يا سيدي ؟
ضحكتُ وقلت : ألم أقل لكِ أنكِ ليئمة ؟
المهم .
إن قبلت ( هي ) أن أعطيكِ ذنوباً من عشق فلا مانع لدي ،،، فإن استطعتِ أن تسأليها ذلك فافعلي .
أدارت عينيها وشدّت بفمها كأنها تخترع خُطة وقالت : لا بأس مع أن الأمل ضعيف ! .
ثم قالت : الآن أعلمكَ لمَ حضرتُ .
كنتُ أراقبها ليلة الأمس بحديقة كأنها من جنان سَرَنْدِيب ! وقد جَلَسَت يسامرها الليلُ والقمر ، ثم كشفت عن ساقها إلى ما دون الركبة لتغيظ القمر بحسن ما أبدته منها ! .
ولسحر كاد أن ينطق لولا الخَرَس ،،، لامس الورد بِضّها فغازلها ! وآنست الأزهار قعدتها فأينعت ! واطمأنّت الأطيار فصدحت ! وتبسّمت النجوم فألِقَت ! .
فخفتُ أن تشعر بي فتسحّبتُ مُنسلّة ، إلا أنها أحسّت فانتبهت وقالت : مكانكِ عُنيس ! .
فوقفتُ وحُمرة الخجل بوجهي .
فقالت : ما عندكِ يا عنيس ؟
قلت : كنتُ مارّة فقط ،،، .
قالت : تعالي واجلسي .
ثم صارت تطربني بقولها : إليكِ يا نائية أشكو الوحدة ! إليكِ يا فاتكة أشكو الفتك ! .
أنا قلبٌ استجمع الدم لينبض بكِ ! وكبدٌ احتمل المرارة ليحلو بكِ ! .
قلت : ما بكِ سيدتي ،،، أراكِ تتأوهين ؟
قالت : أشكو ألم العشق .
قلت : أَأُحضره سيدتي ؟
قالت : إن استطعتِ فافعلي .
ثم تركتها وطرتُ إليكَ سيدي ،،، وهذا سبب حضوري .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
قاطعتُها وقلتُ : مهلاً ! ما هذا ؟
من تلك النائية والفاتكة ،،، وبكِ ؟ .
قالت عنيس : أنتَ مولاي ! .
قلت بتعجب : أنا ! .
استدركت وقالت : ارحم ضعفها وخجلها وجمالها ! وثمّن أنوثتها التي رأت أن تناجيكَ وتخاطبك من خلالها ، فهي أقدر وأبلغ وأعرف بما يُسقمها ،،، فجعلتكَ نفسها وروحها ، فخاطبتها وشكت إليها وهي تعنيكَ .
قلت : هزمتِنِي يا عنيس !!! ما العمل ؟
قالت : أحملك إليها ،،، فقد وعدتها بكَ للتشاكي ! .
قلت : هيّا .
قالت : استدر لأحملك وأطير بك .
قلت : مرة أخرى يا عنيس وجها لظهر ! أخشى أن أقع ! لم لا يكون وجها لوجه ؟
قالت : حسين !!!!!! ماذا قلت لك ذات مرة ؟؟؟
لو كنا وجها لوجه لبقينا نتأمل ولما طرنا أبداً ،،، أتذكر ؟
قلت : رغم أنكِ لئيمة ، غير أنكِ حكيمة .
ثم طارت بي .
وللتشاكي لقاء آخر .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
حسين الطلاع
5/4/2013 م
المملكة العربية السعودية – الجبيل .
: الذنوب هو دلو الماء .
: مويسن هي قرية حاليا من أعمال الجوف ،،، مملكة قديمة مهجورة منذ الألف الثاني قبل الميلاد ، تقول أساطير أهل الجوف أنها حاليا مليئة بالجن ! وأن أرجل الرجال لا يجرؤ على المرور بها ليلا !!! وحدث عن البحر ولا حرج ، وهي أسطورة من حيث الجن فقط .
: الأمَه هي الجارية أو الخادمة لغة .
: هذا هو تفسير المثل العربي الشهير ( يعرف من أين تؤكل الكتف ) وهذه حقيقة ،،، يُضرب في معرفة الرجل حقيقة الشيء وكيفية التعامل معه .
: سرنديب هي حاليا سري لانكا .