هنا ايام أخرى
................
خرجنا من الطّائرة سريعا يا أمّي... كان علي - قبل أن تهبط - قد طلب منّي ألّا أنظر من النّافذة كي لا أفزع... لكنّي لم أستمع له، ذاك لأنّي و جناح الطّائرةِ واحدٌ مذ كنّا... لطالما يا أمّ تمنّيت أن أكون عصفورا... ربّما لأنّي مثله لا أخاف السّماء و لا أفزع من هبوط....
قابلنا شرطيّ يلبس نظّارةً شمسيّة، و رغم درايتي بالإنجليزيّة إلّا أنّي لم أفهم لكنته المكسّرة... أعادها عليّ فأومأتُ إيجابا... يحترمون جددا من يأتي لطلب عِلم...
....
حسنا... أبدو في السّردِ مشتّتةٌ يا أمّي... لذا، اغفري لي الزّلّات هنا.
اتّجهنا إلى حافلة ركّابٍ كبيرة، أقلّت جميع من في الطّائرة... و بعد دقائق توقّفنا إلى سلالم تذهب بنا لصالةٍ كبيرةٍ اصطفّ فيها المسافرون جماعات.... كنّا لا نعلم ماذا يحدث، و لماذا يجب علينا الوقوف، ذهبت و سألتُ رجلا بدا عليه أنّه موظّف استقبال:
- عفوك سيّدي...
- نعم، كيف بإمكاني أن أخدمك؟
- يجب عليّ أن أستقلّ قطارا الآن بعد أن خرجت من الطّائرة، فهل يوجد هنا قطار؟ و إن وجد... أين هو، و كيف بإمكاني أن أستقلّه؟
- يجب عليكِ في البداية أن تذهبي لموظف الجوازات ليرى جواز سفرك و يتحقّق من التّأشيرة، ثمّ على يسارك اخرجي من القاعة، ستجدين حافلةً صفراء، استقلّيها و ستأخذكِ للقطار المنشود.
- شكـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ را....
......
صففنا في طابور سريع، وصلنا سريعا للموظّف المسؤول عن جوازات السّفر، بدأ يتحدّثُ بالألمانية، فقاطعتُه بأنّي لا أتحدّث الألمانيّة، طلب منّي جواز سفر أوروبيّ و لم أكن أملك واحدا.... كنتُ أقفُ في الطّابور الخطأ...
اتّجهنا إلى صفّنا الصّحيح، و لكي لا أخطئ مرّةً أخرى عبرتُ الصّفّ لأسأل الموظف إن كنتُ في المكان الصّحيح أم لا....
كان الطابور يمشي الهوينى... و على يميني فتاةٌ بريطانيّة... كنتُ قد سألتُها أسئلةً كثيرة، أجابتني بما تعرف، و حين علمت أنّ قطاري سيتحرّك أعطتني دورها كي أتابع....
وصلتُ الموظّف مرّةً أخرى فابتسم و قال: أهذهِ أنتِ؟
... نعم هي أنا... ������
تأكّد من التّأشيرة لكلينا أنا و علي، و سألتُهُ كيف سأستلمُ حقائبي و كيف سأستقلّ القطار...
تفاجأ و أكّد أنّي لن ألحق به مع حمولة الحقائب و عدم درايتي بالمكان... سيفوتني القطار إذا.... " يا لحظّي المسنفر "
خرجت من عنده مسرعةً أنا و علي، حقائبنا موجودةٌ في الانتظار.. جرّتنا، و جرجرتنا.... " السّفر بهدلة "
.... أخذناها و صعدنا إلى حيث الحافلة الصّفراء.... سألت إنّ كنّا في المكان الصّحيح فاطمأننت... ركبت لا أدري أين علي و كان يرقبني من مترين في الحافلة، شققنا الطّريق صعودا للقطار التّالي... يا إلهي... ما هذا...؟؟
تهنا و نحن نبحث، أُخبرنا أننا لا نستطيع الصّعود و نحن لا نملك تذاكر، ما هذا...؟؟ فهل يا تراها حجزت لنا تذاكر القطار؟ و كيف ترانا سنعلم؟....
فات القطار و انتهى الجدل... علينا أن نشتري تذاكر أخرى يا أمّي.... فاتنا القطار...
لم أدرِ يا أمُّ ما معنى أن أكون محاطة بكلّ العيون... تنظرني و تزدري يا أمّ... لأنّي محجبة....
أيجب عليهم أن يختبروا جهنّم ليعرفوا أيّ عزةٍ أرتدي؟
أم وجب عليهم أن يدركوا معنى الحضارة، و ألّا يقلّدوا من لا عقل له... ثمّ ليقتدوا....
؟؟
لا زلتُ أحمد ربّي أنّي و رغم الفقر يا أمّي أكثر عقلا، إذ بفضل ربّي أعرف ربّي حقّا....
وصلنا... بعد ساعة في القطار وصلنا
استقبلنا أحمد من سوريّا... بعد أن هاتفته من هاتف أخٍ مصريّ... جزاهما الله عنّا خيرا....
ثمّ إلى الفندق... و أخيرا يا أمّ سآوي إلى فراش....
تصبحين بخير... إذ بكِ أُصبِح....
عبلة الزّغاميم
25-9-2013