تستخدم ورقة الشهداء والفتيات على نطاق واسع اليوم ، بعد أن فُقدت أدوات ومواقع ما كان لها أن تُفقد لأسباب يطول شرحها ، وكان الرهان على الوقت فى جميع الأحوال رهاناً خاسراً لدرجة أنه لم يتبقَ فى أيدى قادة تحالف الشرعية ما يناورون به سياسياً بعد نقل الدكتور مرسى من حالة الخطف الى المحاكمة العلنية لتخفت نوعاً ما رمزيته وتهتز قضيته ، وبعد فشل ما كان مخططاً له فيما يشبه الثورة الاسلامية بتحالف جميع الطيف الاسلامى بجميع تنويعاته وتصدير الخطاب والشعارات الدينية والشحن تحت رايات المواجهة المقدسة ، وبعد فشل الترويج للمظلومية والشحن للثأر الذى ضاعفت مواجهاته من عدد الشهداء والجرحى ، ليصل التحالف الى اللجوء مرة أخرى الى الحضن الثورى الواسع الذى يجذب جماهير أوسع من مؤيدى الحركة الاسلامية ويراهن على نجاحات هذا الحلف فى بداية ثورة يناير التى يجهز الاخوان لاستنساخها فى 25 يناير القادم . الحديث ليس على الأجدر والأصلح أو أشخاص وتيارات انما نظر فى المصلحة العامة والحكم على المواقف بمقدار تحقيقها لهذه المصلحة من عدمه . والحسين بن على عندنا هو الأحق والأفضل من يزيد ، وليس اعتراضنا على اجتهاده انتقاصاً لمكانته ولا تأييداً وحباً ليزيد . حديثنا منذ البداية – وقد كتبنا فى هذا الشأن عشرات المقالات والدراسات – ليس عن الأصلح والأفضل وصاحب الحق ، انما عن المآلات التى بدأت تضح معالمها للكثيرين اليوم بعد فوات الأوان . أصرَ الحسين رضوان الله عليه على اصطحاب نسائه وأهل بيته ، وقد حذره ابن عباس من ذلك لئلا يُقتل أمام نسائه كما قتل عثمان ، وها هو يُقتل وهن يصرخن ، ثم يُحملن كما تُحمل السبايا الى ابن زياد ثم الى يزيد ، حتى أن أحد الأشقياء يهم باسترقاقهن لولا توسلات زينب بنت على . فأى ذل فوق استرقاق الحرائر وأى فساد الذى نشاهده بأسى اليوم وكأننا نطالع صفحة التاريخ القديمة ؟ وكيف يخرج بهن الحسين وهو مقدم على مواجهة كهذه ولا يعلم أتكون الدائرة له أم عليه ؟ وكان الأولى أن يترك نساءه آمنات فى خدورهن ، قانتات فى محاربيهن ، لا يكتوين بنيران الصراع ولا تحرق قلوبهن مرتين ، مرة بمقتله وأخرى بحملهن سبايا مكلومات . عمدنا عدم توجيه اللوم للاسلاميين الا بعد أن أغلظنا القول للفريق الآخر بتنويعاته السياسية والثقافية حتى لا يزايد علينا أحد . هم فتياتنا نغار عليهن وتؤلمنا حقاً مشاهد الاضرار بهن ، ومع نكيرنا على من يستهدفهن ولو بكلمة أو باشارة فضلاً عن ضرب أو حبس ، ننكر على من يوظف الحدث ويبكى على الفضائيات ، وقد أحرز صفراً كبيراً فى صدق التضحية عندما حانت الساعة المقدسة التى حشد لها لياليا وأياماً ، وهو بعيد كل البعد عن نضال الحسين فى الميدان . هم أيضاً شهداؤنا وأغلى شبابنا ومهجة أرواحنا وأجمل ما فى أوطاننا وقد سقط لنا فيهم أحبة وأصدقاء ، لكن لماذا نخاصم التاريخ كما نخاصم الواقع ؟ ولما بلغ الحسين رضى الله عنه مقتل مسلم بن عقيل وقطع رأسه أصرَ على مواصلة السير قائلاً ما نسمعه يتردد اليوم " لا خير فى العيش بعده " . أما كان الأولى أن يكتفى بقتل مسلم ويعود هو بمن معه من أهله ؟ أما كان من الأولى – وقد بُحت فيكم أصواتنا لأشهر عديدة – أن نلملم جراحنا ونحافظ على الموجود المتبقى بأيدينا ؟ أى خير فى أن يُقتل عمود الدين والدعوة الحسين بن على بعد مقتل مسلم ليُضاف مصاب جديد الى المصاب الأول ؟ وأى خير فى جر الدعاة والعلماء والمفكرين جميعهم الى المجهول والتنكيل والتغييب واحداً وراء الآخر ، وفى الأيام القادمة قد تهدد قامات كبيرة بنفس المصير ، فماذا يتبقى للمجتمع وللناس وللفكر والدعوة ؟ وأية مصلحة للأمة اذا كانت كلما قتل واحد من خيارها قال من يليه " لا خير فى العيش بعده " ، ثم تتواصل حلقات السلسلة تغييباً وقتلاً ، حتى يفنى المصلحون وتستأصل شأفة الخير ، ولا يتبقى فى المجتمع الا خصوم الفضيلة والعفة والاستقامة . محمد بن الحنفية رضى الله عنه كان حصيفاً حكيماً حين منعَ أبناءه من الخروج مع الحسين ، ولما عاتبه الحسين قالَ : " وأى خير فى أن تُقتل ويُقتلون معك " ؟ ليس هذا خذلاناً ولا تثبيطاً ، فالخذلان الحقيقى هو ما يفعله العنتريون ، وهو فى حقيقته خذلان للحق وللدعوة ولقضايا الوطن الكبرى . هى مكاشفة دفعنا ثمنها باهظاً احقاقاً للحق وحذراً من هزيمة كبيرة لأهله ، يوم آثر الجميع الصمت حتى لا يُتهموا بالخيانة والجبن .