بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام ،
هنا مقالات بدأت كتابتها في اكتوبر 2007 في منتدى مهم ( رأيت فائدة من نشرها هنا ، بإضافات ، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التواريخ والأحداث بعينها ، التي كانت وقتها ، فتثبيتها ضرورة منهجية ... ثمة مستجدات في السنوات الأخيرة سنذكرها في حينه .. لكم الشكر .
الأمة / الخطاب والمنهجية ( 1/ .... )
تراودني أسئلة عدة، حين أتصفح العديد من المقالات ، بخاصة في المواقع الإلكترونية العنترية ، أوحين أستمع إلى الخطاب العربي اليومي، الذي عاد إلى سيرته القديمة التي تتسم بـ (الصوت) بعيداً عن المنهجية العقلانية العلمية.
كثير من المواقع يضم نخبة من المتخصصين ومعظمهم لديه صورة حقيقية عن الغرب ، بثقافاته وحضارته وحراكه اليومي ، لذلك ، أستهجن لغة الخطاب الموجه عبر تلك المواقع ، وحتى بعض وسائل الإعلام ، وبصوت حاد ولغة بحاجة ماسة للتغيير ، وإلى منهجية في الخطاب والحوار ..
هذا الاستمرار الخطابي العالي، أراه مثل فقاعة آنية، تزول بزوال الاستماع أو القراءة، وقد ترجع معظم الهزائم والنكسات التي شهدتها الأمة خلال نصف قرن، على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية كافة إلى ذلك الخطاب الذي لم يخضع في يوم ما لمنطق العقل، ولم تكن له رافعة من الإمكانات التي يمكن أن تقف في وجه ردود الفعل.
منطقتنا العربية، بمجملها، تخضع لمنظومة معاصرة من السلوكيات السياسية والاقتصادية والبشرية، المتعلقة بوجود الكيان «الإسرائيلي» في قلب الوطن العربي، وعلى مرمى حجر من قلب العالم الإسلامي . لذلك، انشغلت هذه الأمة وقياداتها بهذه الإسرائيل، ضمن قالب خطابي بحت ، وتصرفت الأمة وقياداتها ( لا يمكن فصل المسؤولية المشتركة بين القيادة والشعب) بناء على هذا الرصيد الصوتي بدءاً من الخطاب السياسي وانتهاء بالخطاب الغنائي الفج ، والديني الذي يتجاهل في مناح عدة واقع حال الأمة الحاضر .
ولك أن تتخيل أيها القارىء الكريم، أن أمة بكاملها، تحشد عديدها وأذهانها للاستماع والاستمتاع بأغنية على مدى ثلاث ساعات.. في وقت كانت «اسرائيل» قد انتهت من بناء مفاعلها النووي في ديمونة في جنوب فلسطين المحتلة. وفي الوقت ذاته الذي كان الصوت العربي الهادر يهدد «اسرائيل» ويتوعدها. ويعد اللاجئين بعودة قريبة لوطنهم ..!
كل ذلك يهون أمام أمر جلل، إن الأمة نامت قريرة العين على وعود قياداتها، التي عرفت من أين تؤكل الكتف، بل الشاة بكاملها، بينما تلك القيادات ما كانت لتصل إلى سدة السلطة لولا شعاراتها المتعلقة بشيء اسمه «القضية الفلسطينية» وكان ذلك بمثابة أفيون الشعوب التي ما زالت في كبوتها.
قضية ، بقرة حلوب لعدد من الأنظمة ، حققت من وراء اللاجئين مليارات الدولارات هي من قوتهم اليومي المقرر من وكالة الغوث ، من هنا نرى تشبث تلك الأنظمة باستمرار حال اللاجئين على ما هو عليه ..!
كنت أعجب إلى حد اليأس والبكاء، في ذلك الزمن حين كان الخطاب الإعلامي والسياسي الحاد في أوج صراخه، بينما كان جنود العرب يولون الأدبار، ومن استطاع الفرار (بملابسه الداخلية) وبجوعه الدائم، تم قتله بعد أسره عند أطراف الجبهات.
هذا الواقع المرير، تدركه القيادات المعنية تماماٍ، فهل يعقل أن تكون أية سلطة في العالم غائبة عن حدث خاضته، ونتائج دفعت ثمنها.. هل يمكن أن يكون المسؤول العسكري الأعلى، على سبيل المثال، على جهل مطبق لايعرف عدد ضحايا جنوده أو الأسرى أو المفقودين منهم ؟.
إذا كانوا يعلمون ذلك ، لماذا أخفوا الحقيقة ، ومن الذي سيحاسبهم ..؟
إنها الطامة الكبرى، حين ينخدع البعض بالإعلام الذي عاد إلى التزييف والخطاب الفج والصراخ المقيت، وحين يخرج علينا أحدهم باكتشاف (مجزرة ارتكبتها اسرائيل بحق عشرات الجنود بل المئات حين تمت تصفيتهم بعد أسرهم بملابسهم الداخلية).
هنا، أنا لا أصرخ، ولا أريد ذلك.
أقول ، لم يحدث ، وبعكس كل دول العالم ، إن قام أحد المسؤولين ووضع أمام هذه الأمة الأسباب الحقيقية للهزائم ، الدولة همها الجباية فحسب ، همها تحويل شعبها إلى قطيع .. لذلك ، استمرأ الناس الحال والشكوى وناموا على لحوم بطونهم .. ولذلك أيضا لم يعد يعني الوطن شيئا لهم ..!
أطالب هنا بوضع «الميزان» لأن جلد الذات لا يفيد، ولأن «العنتريات» كانت كذبة كبرى، ما تكرست إلا بسبب الأمة بحد ذاتها، التي ابتعدت عن أسباب النجاح والنصر وإعداد العدة ، والتصقت بموروث البطولات الكاذبة، وصارت تبحث عن بطل، مهما كان هذا البطل خيالياً أو حتى لفظياً ، لذلك كانت القرارات فردية وكانت الأمة راضية بهذه الفردية.
المنهج الصحيح، هو ذلك الذي يخاطب العقل، ويضع المعايير الصحيحة لواقع الحال، الإمكانات والطاقات وكل العدة التي يمكن من خلالها تحقيق نصر ما، أو تكريس حق ما.
المنهج الذي يقوم على المعلومة ، والتقييم والعدة الصحيحة والطاقة البشرية المؤهلة والوعي بقيمة الإنسان العربي وطاقاته ..
الأمة اكتفت بالتصفيق للقادم الطارىء، ولم تكتف بدق الخوازيق في الراحل ، الذي كان قادماًفي يوم ما .
الأمة تتنكر لحالها، وطاقاتها وإمكاناتها، وتتشبث بصورة ذلك على مرآة عاكسة.
لكن.. هل لنا أن نبحث الأسباب.؟
هل نستطيع طرح الأسئلة.؟
هل نستطيع إلغاء التسميات الفخمة الطنانة.؟
هل نستطيع إلغاء تمجيد الصورة .؟
هل تستطيع التحدث عن منهجية، وإن تم ذلك هل هذه المنهجية شاملة وموحدة عربياً، أم انها لكل دولة على حدة (شرق أوسطية ، كما قال بوش).؟
لماذا نشطب التاريخ والذاكرة اليومية حين نسأل عن الهزائم وأسبابها ومسبباتها.؟
لماذا لا نحاسب «المعارضات» كلها في الوطن العربي ونسأل عما حققت .. وما هو دورها ومصادر مواردها وانتماءاتها ومكان إقامتها ..؟
لماذا نتهم السلطة بحد ذاتها، ونجعلها شماعة نعلق عليها أسباب الفشل المجتمعي العام.؟
لماذا لم نشهد تضحيات مهما صغرت ..؟
لماذا يتداعى البعض لمسمى الجهاد بعيداً ويواجه الموت ، بينما يحجم عن الخروج في مظاهرة داخل وطنه ..؟!
لماذا نتهم القائد أو الرئيس أو الوزير المختص بأن أجهزته قمعية قاتلة، من دون أن نتهم المنفذ نفسه الذي يمارس أساليبه هو في قمع أخيه وقتله بسادية واضحة..؟
لماذا لا نعتبر أن القامع والمقموع من جلد واحد، يتربص أحدهما الآخر..؟
لماذا نمارس «البكائيات » إلى هذا الحد من الانهزامية والفرار من الواقع؟
لماذا لا تكون صادقين مع أنفسنا أولا..؟
لماذا نسلم زمام أمورنا لمن لا يرحمنا ولا يدرك موروثنا وعاداتنا..؟
لماذا لا نضع «ثاراتنا» الاجتماعية والسياسية والعقدية جانباً إلى حين..؟
أسئلة كثيرة.. بحاجة إلى إجابات نحاول الإجابة عليها ضمن طرح لاحق للموضوع..
هل نستمر.. أم نترك الحبل على الغارب للخطاب الفوضوي؟!!...
(اكتوبر 2007)
يتبع ...