عقيم
(قصة قصيرة)
لقد عثر عليها، لم يدله عليها أحد، ولم يبحث عنها أحد غيره.
ما زال يتذكر كيف أوصدت الأبواب دونه، واكتفت بذرف الدموع خلف النافذة المطلة على طريق عودته دون أن تلوح له بيدها حتى؛ لم يكن بمستواه المعاشي، ولكنه كان معتقدا أن الحب كان كفيلا لرفضها هذا الزواج، إلا إن إلحاح الأهل عليها أثر على قرارها.
بعد أيام وصله خبر اقترانها به ، لقد كان خبر أليما تعرض ليلتها لحادث مروري نتيجة افراطه في الشراب، بينما هي تنتقل مع زوجها الى المدينة حيث يعمل بقالاًً يتوسط دكانه( السوق الكبير) عمد لاستبدال لافتته بأخرى جديدة خط عليها اسمها.
أقنعها لتجلس مكانه في الدكان عندما يذهب لشراء بضاعة جديدة، أو يغيب كعادته أياما ثم يعود ، لبت رغبته بينما كان الشيطان ينصب شراكه قربها، حتى وطئت عفتها عبارات الغزل والمزاح، وأركستها في الفتنة، فلم تبع في دكانه غير الهوى، وهو مسرور بما يأتيه من ريع وفير بين أردانها.
أعتزلها ثم مضى يجدد فراشه مع أخرى، سرق منها كل شيء، ثم رماها في طريق التيه خاوية ما من أحد يرأف بحالها .. عادت الى بيتها القديم تجلس حبيسة دارها يتصدق الناس عليها، وتلوكها ألسنتهم مثلا في حكايات سمرهم.
عندما علِمَ بعودتها ألح في خاطره رؤيتها من جديد، ساقته ذكرياته إليها يقدم خطوة ويؤخر أخرى.
ارتسمت على وجهها ابتسامة أخرجتها من كومتها التي تكورت بداخلها ، انفرجت أساريرها فأزاحت بكلتا يديها ركبتيها، واستعانت بهما للنهوض لتستقيم بعد انطوائها.
توقف يتأملها وكأنه يراها لأول مرة، فبادرته:
أنت جزئي الذي تركته هناك حيث أنت، لكني حين قررت الابتعاد عنك كنت لا أملك عقلي، أو لعلي سُحرت، فقد خسرتُ كل شيء، ولكني ما نسيتك يوماً.
وحيث هو ظل يروى أسماعه من صوتها العذب، ويمني نفسه أن لا تكون تلك الحكايات حلما كأحلامها التي آلت بها الى هذا الحال، وفي دخيلته لا يصدق ما يصل أسماعه؛ فاسمها ما زال وسط السوق وحكايتها تطوف على الألسن صباح مساء.
قفِل راجعاً دون أن يلقي التحية ، وعلى خده تدحرجت دموعه، نادته من خلفه:قل كلمة واحدة!
لم ينجب لسانه حرفا واحداً؛ فقد عقمَ ليلة فراقها.
محمد مشعل الكَريشي
12-1-2014