كلاهما في سفر
عندما غادرتْ مسافرة إلى استراليا، قالت لعطره الخاتل في وسادته الخالية: إنها ستعود يوماً ما.
مضت الأيام وهاهي ذي تعودُ من جديد. خدّدتْ وجهها السنون، تضاعيفُ المشقّة ارتسمتْ على جبهتها، واستقّرَ حزنٌ ثقيل في عينيها المتعبتين. ذهبتْ إلى طيفه المُعلق في خزانة ملابسها، ما زالَ صوته يملأ المكان:
"ليس كل يدٍ تهبُ القمحَ ستحملُ منجلَ الحصاد، وليس كلُ لجامٍ قيد، فكم من جامحٍ لوى عنانهُ لجامُ الوفاء ".
ركعتْ على ركبتيها وبكت: "مالي كلما أقول نضجتُ غافلني عقلي الصغير المغرور بالامنياتِ البعيدة، كيفَ تركتُكَ وحيداً بين المفازات؟ كيف سولتْ لي نفسي فراقك؟!"
تمددتْ على سريرها الموشوم بأنفاسه، تناولتْ عقارها المُهدء، بدتْ وكأنّها مخدّرة.
في الصباح نشرتْ شعرها على شُرفة الشّمس، ارتشف شايها على مهل تطيل النظر إلى (استكان) الشاي المذهب تتحس في عنقه لثم شفتيه التي ما لثمت بعدهما غير التراب.
محمد مشعل الكَريشي