ذهب مع الصباح ليبحث لهما عن ملاذ يحتضن خوفهما وتركها وحيدة
أخذت تنظر من خصاصة في النافذة، كانت الشمس قد بدأت تميل إلى المغيب، وقد بدا الشارع قفرا خاليا من الناس ومن أي مظاهر للحياة.
جميع السكان قد هجروا المنطقة بعد أن أصبحت خطرا لأنها تقع بالقرب من معسكرات الميلشيات المتناحرة مع الجيش ـ
بدا صوت القذائف قريبا جدا فارتعدت أوصالها.. كان المطر يهطل بغزارة، ونوبات رعدية متفجرة تشق طريقا وسط السحاب,
لاكتها الوحدة . وضعت يدها على قلبها الذي ارتفعت ضرباته هلعا من شدة الانفجارات والضوء الأحمر البشع للصواريخ يملأ السماء،
وصوتها المدوي يصم الآذان. أما اليد الأخرى فقد أحاطت بها بطنها المتكورة ، وقد سيطر عليها ألم قوي وكأنه مطرقة تدق أسفل ظهرها.
أخذت تكر قدميها في خطوات متثاقلة إلى أقرب مقعد ـ تضطجع ـ تحاول أن تلم شتات نفسها ـ تغمض عينيها وتبكي بحرقة لاشتداد الألم.
فجأة يسقط صاروخ مخترقا السقف ويستقر وسط المنزل دون أن ينفجر،تنهار جدران الصالة، وتصير غبارا وتتطاير الأحجار الإسمنتية في كل مكان
. أصابها رعب رهيب وانتصبت كل شعرة في جسمها هلعًا، وأخذت تصرخ بأعلى صوتها، وقلبها يضرب صدرها كشر المطارق، والعرق يتصبب من
جسدها المرتجف ـ وقد أخذت تتحسس نفسها وبطنها لتتأكد أنها لم تصب.
اتسعت عيناها وكأنها قد رأت شبحًا، وقد استقر البصر على خيط طويل من الدم يسيل من بين ساقيها ..
توقفت عن البكاء، وتحجرت الدموع في عينيها واستنشقت رائحة الموت، شعرت بأنها تفقد مولودها الذي انتظرته بعد طول غياب.
شحب وجهها واعتلاه الاصفرارـ ارتعشت شفتاها ، وزاغت عيناها كأنها لم تعد ترى وقد هدها الخوف والإرهاق وآلام المخاض.
ترنحت في مكانها تكاد أنفاسها تختنق، وقد أخذت تغيب عن الوعي.
وإذا بيدين تحتويها في لهفة وصوت زوجها يسأل في رعب: هل أنت بخير؟ انهمرت دموعها بغزارة وهى تدفن نفسها في أحضانه
وهمهمت في صوت ضعيف مبحوح كأنه الحشرجة.. هدم بيتنا
قال في صوت حنون وكأن قلبه بين شفتيه .. المهم أنك بخير
أردفت. ولدي يموت
جحظت عيناه وحاول أن يتمالك.. ساعديني كي نصل إلى السيارة
وبصعوبة خرجوا من بين الركام ـ ومن بين الانفجارات التي لم تتوقف انطلقت السيارة.
ومن خلال ستار من الدموع التي تسيل على وجهها همست بإصرار... سيعيش ولدي.