نسائم الإيحاء» بقلم عدنان عبد النبي البلداوي » آخر مشاركة: عدنان عبد النبي البلداوي »»»»» الحافلة» بقلم تيسير الغصين » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» تضامن» بقلم ناظم العربي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» قصائد بالعامية» بقلم سليمان أحمد عبد العال » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» جمالُ الحبيب» بقلم سليمان أحمد عبد العال » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» شوق مُمَرّد ..» بقلم ياسر سالم » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» هل الرسول(ص) حى ؟» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» (ومــا للـمســلــميــن سِــواك حِـصـنٌ )» بقلم عدنان عبد النبي البلداوي » آخر مشاركة: عبدالحكم مندور »»»»» تُطاردنـي اللعنة...» بقلم عبدالله يوسف » آخر مشاركة: عبدالحكم مندور »»»»»
حبكة فنية ذات نسيج محكم ..
تستثير مأساتها القارئ لمتابعتها ..
وتحاول أن تغوص في عمق الذات المتألمة لتكشف عن معاناتها ..
واقترابها إلى منطق الحكاية يجعلها في خضم سردية القصة الطويلة..
ويبقى العنوان مثيرا جدا لخصوصيته في نفسية المسلم..
الأخت نادية محمد الجابي..
لك كل التقدير ..
كل هذا الحزن في قصة واحدة!
شعرت كأني مقيدة للقصة منذ العنوان
وعشت مع بطلتها كل التفاصيل المؤلمة
وأمتعتني قراءتها جدا
شكرا لك أختي
بوركت
للنص بداية سعيدة ونهاية مفجعة
وبينهما كانت اللغة تصنع الحكاية..
نص جميل الراقية نادية.
ما أكثر ماقلت
وكأنك لم تقل شيئا.
هى قصة للمواساة فى المقام الأول وليست للاشتغال على مقامات الأحزان واجترار الألم ، وحروفها ومعانيها ودفقاتها الشعورية وتوتراتها وعلاقاتها الانسانية انما تبحث عن أهل الفقد فى البيوت والنجوع والريف والصحارى والمدن لتواسيهم وتشغلهم عن المأساة والمصيبة الظاهرة بجوهر القضية وحقيقة القصة وأبعادها وامتداداتها الأبدية وعمقها الفلسفى .
الانسان لا يهدأ وربما يجن جنونه عندما تصدمه المصيبة بقسوة وقوة ، وفى الفيلم الايرانى " كتابة على الأرض " يفجع رجل وامرأة من رعاة الغنم بموت طفلهما الوحيد فيغيب عقلهما تماماً لفداحة المصيبة وهول الفقد ، لدرجة أن الزوج يبالغ ويتجاوز الحد فى حديثه للسماء وهو يرقص ويغنى مشيراً بآلة حادة نحو السماء ، مردداً بأنه يتعهد بهبة كل ما يملك لله من بيت وأغنام وحقول بل ونفسه ، بل يبدى استعداده لارتكاب القتل " ارضاءاً لله " – بحسب تصوره – بعد أن أصبح كل ما يشغله فى حياته عودة طفله ورؤيته واللعب معه واصطحابه لعمله من جديد ، والحياة مليئة بقصص من أسلمهم الفقد والفراق للكآبة والحزن والانهيار التام .
هنا تنقلنا القاصة من فكرة المغالاة فى الحزن والامعان فى تعذيب النفس على الفقد والفراق بمثل هذا الشكل القاسى الى حد أن يشعل الرجل النار فى بيته ويحطم كل ما يملك متصوراً أنه بهذا يرضى الله ويسترضيه حتى يعيد اليه طفله الذى مات أو يهبه طفلاً غيره ، الى فلسفة ترويض المشاعر واستنطاق المفقودين والتواصل مع من رحل والانخراط فى مشهد الأمل لا مشهد الألم ، ومشهد التسرية لا مشهد التعزية .
هم قلقون متوترون غارقون تماماً فى مباشرة الحدث بظاهريته وطبيعته المباشرة ، أما هى فغائبة فى عالم آخر من التأمل والتفاعل مع ما ورائيات المشهد من عوالم وتجليات وروحانيات وابتهالات وصلوات ، وعندما يغيبون فى اشتغالات الأجساد تائهين بين التعلق بمهارات الأطباء والجراحين والركض خلف من كل له علاقة بالمستشفى حتى ولو كان عاملاً من العمال ليطمئنهم ، لا تجد هى من يطمئنها ، فلها فلسفتها ونهجها الخاص ومساراتها التى لا تقيم للجهد البشرى هذا الوزن الذى يبالغ فيه البعض .
الافتتاحية معبرة ومشوقة وغير مباشرة وازدحمت بالتصاوير الفنية الموظفة بشكل جيد لتهيئة المناخ لتقبل امكانية التحليق فى دنيا المواساة والماورائيات والروحانيات وعالم الغيب وشخصياته ، والابتعاد عن قسوة الواقع وآلامه وجراحه ؛ فالتصوير الفنى هو وسيلة المبدع الأهم فى تغييب الواقع وممارساته واعتباراته ومقتضياته – أو على الأقل التخفف من هذا كله - للخروج والتحليق فى آفاق أغنى وأرحب وأعلى وأبقى .
الفلاش باك لم يكن لاستعادة القصة وكيف تم التعارف والزواج ، انما للتنبيه على أن الأمر ليس بهذه السهولة ؛ بل الطريق متاح لمن بدأه فقط هكذا بهذه الروحانية العالية وتلك المشاعر الفياضة وهذه العلاقات الانسانية النقية التى بلغت الذروة فى تماسكها وترابطها ، فهذه المرأة وهذا الرجل وذاك الطفل بهذا الحب الكبير والارتباط الأسطورى الذى لا يتخيل مداه بشر يستدعى هذا الغياب عن المشاهد الدنيا والارتقاء لما هو أبقى وأرقى وأخلد ، وهى تظل غائبة عن تلك المشاهد الحياتية التى تبدو عند البعض حية فلا ترى الأطباء ولا تشعر بحضن أمها ولا تسمع البكاء والندب ولا تشم ما للمستشفيات من روائح ، انما تعيش وتسمع وترى الغائبين وتحاورهم وتشم روائح الجنة وترى طفلها عصفوراً محلقاً فى أرجائها ، تودعه بدموعها الى حين .
ذروة الروعة بلغتها حوارات الأب والابن ، ففيها ننتقل الى هذا العالم الغيبى الغامض البعيد ونعيش أجواءه ونكتشف بعض أسراره ؛ فرموزه وسائل وأدوات قدرية بيد المشيئة العليا تشارك فى الأحداث على الأرض وفى توجيهها رغم غيابها ، فلم ينتهوا بالرحيل انما مستمرون فى التأثير والتوجيه وتحديد المسارات ، وغالبية أحداث الحياة سواء سياسية أو اجتماعية قائمة على تواصل مع الأموات ؛ اما بالطاعة والمحبة والاقتداء والانبهار ، أو بالحقد والانتقام والثأر .
وهناك المدهش والمذهل فى المعنى عندما يصبح الميت مبتغى فلا ينسى ويُهمل هكذا بسهولة بمجرد رحيل جسده كأن لم يكن ؛ بل يسعى صاحبه اليه فى عالمه الغامض العجيب لكى يستمر شعوره بالحياة ويتواصل احساسه بها ، هكذا يخوض أحدهم الموت ليحيا ، كما فى رواية المبدع النيجيرى " ايموس توتولا " وعنوانها " مدمن خمر البلح " ، فالبطل يغامر فى رحلة غرائبية مذهلة ومدهشة لاستعادة خادمه وعاصر بلحه ، فهو لا يستطيع الحياة بدونه ، ورحلة بمثل هذا الهول فى قارات العالم الآخر يلزمها طبيعة أخرى ومواصفات مختلفة فقوة التحمل هناك أضعاف أضعاف أضعافها هنا ، لذا عندما يسأل عن الوسيلة وعما يصطحب معه فى رحلته ؛ ينصحه أحدهم بألا يصطحب بل بأن يترك خوفه ويذهب .
لكن الأروع والأعمق أن يأتى الراحل بمثل هذه السهولة ويضيئ الطريق للحبيب الحى ؛ فالزوجة هنا تظن السوء وتتوقع الشرور وتنظر الى الأمور من زاوية سوداوية ، بينما ولهيمنة الحياة الأبدية فلساكنيها رؤية أعمق وأشمل للأحداث ؛ فقد يكون رحيل الابن مقدمة لرحيل هادئ قريب للزوجة ، فلا يتعرض صغيرها بعدها لليتم وتتقاذفه المآسى ويضيع وحده فى زحمة الصراعات والمعارك التى لا ترحم ، وربما لتعيش حياتها المقدرة لها بدون تنغيص على فتاها الوحيد بدون أن تدرى ... والاحتمالات والسيناريوهات فى هذا الباب كثيرة ومتنوعة .
قضية القصة اذاً أروع ما فيها من فنيات وعندما تضغى القضية فى قصة حتى ليعتبرها أحدهم أنها المنتج الفنى الأول فيها ، فنحن أمام فنان حقيقى صاحب قضية ومنهج يهب فنه لقضاياه ويعطى القضية الجزء الأكبر من ابداعه الفنى بحيث تصبح أروع ما فى عمله من فن .
قضية القصة فلسفة منثورة بغزارة فى انتاجات المبدعين والمفكرين على اختلاف أسلوب وطريقة التناول ؛ بصورة عالجت بعمق ودقة تأثير الموت والراحلين فى الحياة اليومية والبشر والمجتمع ، فالموت يتشابك مع الحياة ويتداخل معها ويؤثر فى مسارات وسلوك واختيارات من على قيدها كما لخصها باحترافية نجيب محفوظ فى رائعته " بداية ونهاية " ، عندما كان للراحلين التأثير الأكبر فى تحديد مسارات واختيارات بل ومصائر من بقوا ؛ فالموت خلف يتماً وفقراً ومحاولات وصراع الى أن ينتهى باثنين من أفراد العائلة الى الموت ، فالموت الأول هو الذى وجه مسلك الشخصيات الاجتماعى والنفسى والعاطفى ، وهو البداية والنهاية ، وكما هو قادر على توجيه الشخصيات الحية سلبياً قادر كذلك على توجيههم ايجابياً ، فقد يكون الموت اضاءة وعامل يقظة وافاقة لمن بقوا .
الموت .. لأنه جزء من عالم الآخرة الهائل الذى لا يستوعبه عقل بشر ، فهو بالقوة والضخامة والقدر التى تجعل لرواده ورموزه الراحلين هذه المكانة التى تقتضى هذا الاجلال والاكبار والتوقير والتقدير والذكر الحسن ، حتى لو كان هناك شئ من التحفظ على بعض ما فعلوا أو قالوا فى الحياة ، فالوضع صار مختلفاً تماماً لأنهم فارقوا هذه الحياة الهشة الهامشية الزائلة واكتسبوا مواصفات ونفوذ وقدر عالم الآخرة والخلود الهائل الفخم المديد الأبدى الخارق .
لذلك نجد الزوجة فى رواية " السراب " للراحل الكبير نجيب محفوظ تحرص على أن يدعو الابن لأبيه الراحل وأن يذكره دائماً بالخير " اياك وأن تفرح لموت أحد ، لا تذكر أباك من الآن فصاعداً الا دعوت له بالرحمة ، فما أحب لك أن تسر لموت انسان مهما كان هذا الانسان " ، وهذا بالرغم من أن هذا الميت فى تلك الرواية كان سبباً فى مأساة الأم والابن معاً .. انها ليست فلسفة هذه الزوجة ، انما فلسفة الحياة الضعيفة دائما أمام سلطان الموت ونفوذ وقدرات الراحلين فى توجيه أحداثها بحسب مشيئة القدر .
جملة وحيدة زائدة – ولكل جواد كبوة كما يقولون – لكنها غاصت وانزوت أمام البناء الفنى والسردى المتكامل المفعم بالروعة " الحياة لا تدع من عليها دون أن يمروا بتلك الاختبارات العسيرة التى تزعزعهم أحياناً وتزلزلهم أحياناً أخرى " .
الأخ العزيز/ هشام النجار..
كم تفتقدك الواحة ، وتحليلاتك النقدية المتمكنة البناءة
تلقي الضوء على مواضع الجمال، وتصل بإدراك لخفايا وخبايا ما بين السطور
وتصل بفكرك وقلمك إلى أعماق الكاتب فتسبر ما خفي حتى عليه هو نفسه.
أخذتك السياسة من الأدب فهنيئا للسياسة بك ، وهنيئا لنا مقالات واعية
مدركة وكاشفة لحقيقة الأمور.
ولكن تبقى الواحة مشتاقة لك ولحروفك .
لك تحياتي ـ وكل عام وأنت لله أقرب.
رمضان كريم.