الخفير
====
في الليل تغلق الأبواب والشبابيك، تخلو الشوارع من المارة، يتدثر الفضاء الواسع بالسكون المهيب، بالكاد كلب ينبح أو قطة تموء. وحده جلس في الخلاء، مرتديا جلبابه الصوف البني اللون، ولبس فوقه بالطو لونه أزرق! اشتراه من سوق ليبيا بمدينة قنا منذ ثلاث سنوات، متلفعا بعمامة تغطي نصف جبهته، متقرفصا ككرة من شدة البرد أمام مواسير المصنع المكلف بحراستها.
شعر بالنعاس يتسلل إلى عينيه، نهض وجمع بعض عيدان الحطب، وضعها في مدفأة أعدها خصيصا له جاره الحداد. أشعل فيها النيران؛ ليدفئ بها جسده المرتعش. انتظر قليلا حتى شعر بالحرارة تسري في عروقه، قام بعدها وأحضر نارجيلته من كشك خشبي قرب المواسير، غسل زجاجها بعناية، نظف الخرطوم جيدا، وضع الفحم فوق الحجر، ثم شد أنفاسه مستمتعا بصوت ارتطام الماء بالزجاج.
فجأة رآهم أمام عينيه يتسللون إلى البناية المقابلة، مخزن لإحدى الشركات.
بالكاد لمحهم كالأشباح. أربعة أو خمسة كانوا. انسلوا من شارع جانبي، بقفزة واحدة صعدوا لأعلى السور، ثم نزلوا إلى داخل المبنى.
هبّ بسرعة واقفا، حاملا بندقيته، تقدم خطوة، وضع يده على الزناد.
حدث نفسه بحماسة قائلا:
- لابد أن أطاردهم.
فكر قليلا، ثم حك عمامته بطرف إصبعه، تراجع وجلس مكانه محنيا كقوس خلف المدفأة، أسند بندقيته بجواره، مد يديه إلى النار وهو يزمّ شفتيه متمتما:
- لا شأن لي بهم.
تذكر أنه دائما ما يرى الأشباح تتسلل إلى البنايات المقابلة.
تابع شدّ أنفاس نارجيلته، مصوبا عينيه نحو السور كمنظارين. بعد فترة رآهم يخرجون، حاملين فوق أكتافهم ما يستطيعون حمله. حولّ عينيه في الاتجاه الآخر حتى اختفوا تماما.
وقف بعدها ودلف إلى الكشك الخشبي، ظلّ فيه حتى داهمه الصباح. مع أول شعاع للشمس نهض بصعوبة، وتثائب في كسل، فرد ذراعيه، غمغم بوجه ضاحك: أخيرا انتهت الوردية!
وضع النارجيلة والمدفأة بصندوق حديدي كبير داخل الكشك. أغلق الصندوق بالقفل. منتشيا أوصد باب الكشك، حمل بندقيته فوق كتفه، وأسرع إلى بيته ليقص على زوجته بطولته الجديدة في صد اللصوص..
30/11/2013