|
بَكتِ المسافةُ وارتمتْ طُرقاتُ |
وهَمَى على دربِ اللقاءِ شتاتُ |
وتقوقعتْ آمالنا في يأسها |
وانهارتِ الأضواءُ والغاياتُ |
فالآن يَلتحفُ الشحوبُ سهولَ لقيانا |
وتَجلدُ صوتَنا الآهاتُ |
وطني هُنا ألمٌ يشدُّ رحالَهُ |
يمضي بنا ودروبهُ وعِراتُ |
في حَومة الحربِ التي لا تنتهي |
نمشي على جمْرٍ ونحنُ حفاةُ |
يمتد فيك القتلُ ملءَ جنونهِ |
تهتزّ فوق جبينكَ الراياتُ |
مفصولةٌ عنكَ الموانئُ كُلّها |
تعلوْ بها الأمواجُ والصيحاتُ |
أنت الأسى المغروسُ في صوتِ المدى |
تهذي بكَ الأصداءُ والصرخاتُ |
وفضاؤك الأفقُ الذي اكتأبت بهِ |
شمسٌ يُعذِّب ضوءَها ظلماتُ |
أتحيدُ عن جُرحٍ تُصيبكَ طعنةٌ |
فالقلبُ نزفٌ والأوانُ فواتُ؟ |
أو كلما اخضرّتْ غصونُ محبةٍ |
يغشى الأزاهرَ للنحيبِ دُعاةُ؟ |
وطني هنا وَجعُ الغريبِ ونزفهُ |
في حيرةٍ تمضي بهِ السنواتُ |
فيصيبهُ وجعُ اللقاء ويرتمي |
كقصيدةٍ تغتالها أبياتُ |
من ذا سيبلغُ للأنيسِ شجونهُ |
وقد استباحت جوفَهُ الكلماتُ؟ |
مازال يبحث عن ظلالك متعباً |
مغروسةٌ في راحتيهِ فلاةُ |
مرت ثلاثُ سنين مرّ رصاصةٍ |
بأزيزها قد مُزّقت أصواتُ |
فالصمتُ يَغرسُ في الشفاه نَزيفهُ |
تحْت الجفونِ مِنَ الأسى هالاتُ |
وغدا ضجيجُ الموتِ يملأ أرضَنا |
لتسيلَ ملءَ دمائِنا العتباتُ |
إنا اختنقنا بالهواء وأَحْرقتْ |
أجوافَنا الشهقاتُ والزفراتُ |
صَخَبُ السكوتِ على الملامحِ مُطبقٌ |
غصّت بهِ الشفهاتُ والقَسماتُ |
كلماتُنا بحلوقِنا مرعُوبةٌ |
يغتالهن توجسٌ وسكاتُ |
حيٌ كميْتٍ صوتُهُ متجهمٌ |
هل يا تُرى يستيقظُ الأمواتُ؟ |
مرّت بِنا الأيامُ نزفَ سحابةٍ |
نمضي وتركضُ حولنا الساعاتُ |
سقطتْ حقولُ الغيمِ فوقَ رؤوسِنا |
نعدو وتملأ دربنا الكدماتُ |
وقفتْ أمانينا تغالبُ دمْعَها |
فتدفقتْ لكأنها جمراتُ |
والسُهدُ يلتحفُ الجفونَ كأنما |
في كُلّ جفنٍ شوكةٌ وحصاةُ |
صالَ الخريفُ وجالَ في أعماقنا |
واصْفرّتِ الآمالُ والنسماتُ |
معروضةٌ للبيع كلُّ غيومنا |
فقراءُ من جُرحِ الندى نقتاتُ |
قد سافرتْ عنّا جميعُ بيوتنا |
نزحتْ بها الأبوابُ والحُجراتُ |
نمضي ويلتهمُ الزحامُ شوارع |
الأملِ الرحيبِ وتنزفُ الخطواتُ |
وإذا الدروبُ أمامَنا مسدودةٌ |
تحْتلّهُا الجدرانُ والساحاتُ |
وجعٌ على وجعِ الرجوعِ تصبّهُ |
فُقدتْ بِها الآمالُ والرغباتُ |
تمضي الوعودُ ولمْ تُبلِّل غيمةٌ |
عطشَ الرجوعِ ولا التقتْ شُرفاتُ |
فمن الذي زرعَ الذبولَ بأرضنا |
ليجفَّ فيها رونقٌ وحياة؟ |
واغتال نشوتَنا بعزّ شبابها |
ليشيخَ فينا الوعدُ والميقاتُ؟ |
من ذا يُفسِّر ما جرى بسمائِنا |
أوَقَد أصابت غيمَها اللعناتُ؟ |
حاولتُ وصف السُحْبِ فيها لم أُجِد |
لم يبق حرفٌ لم تظلَّ لُغاتُ |
ما عادتِ الأمطارُ تعْرفُ غيمَها |
كلُّ الربى وزُهورها نكراتُ |
والآن تلتحفُ التلالُ شجونَها |
وتهاجر الأشجارُ والوكْناتُ |
والآن غصنُ الضوءِ تَهْجرهُ المُنى |
وتموتُ في عبَقِ الندى ومضاتُ |
ألمٌ وأوجاعٌ وشاطئ فرقةٍ |
يطأُ الشراعَ فتذبلُ الرحلاتُ |
تتجاهلُ الأمطارُ لونَ سُفوحنا |
فتهاجرُ الأطيارُ والغاباتُ |
هذي السهولُ بخوفِها مدفونةٌ |
ماتت بها الحركاتُ والسكناتُ |
والزهرة الثكلى تَبثُ شجونَها |
لا عطرَ ظلّ بها ولا بتلاتُ |
أين المزارعُ والأزاهرُ والندى |
ذهبتْ وظَلّ الحزنُ والعبراتُ |
وجهُ الروابي صار جرحاً نازفاً |
والأمنياتُ تدوسها الحسراتُ |
ومشى عليها الوقتُ وهو مضرجٌ |
وجرتْ بأنواع الأسى قنواتُ |
شجرُ الأماني هل تعودُ غصونهُ |
تخضرُّ في أحضانِها الورقاتُ؟ |
وطني لتصْحبْكَ المسافةُ سالماً |
ما ناح ضوءٌ ما هَمَتْ بَسَماتُ |
وغداً ترابُك يستعيدُ شبابهُ |
وتقامُ فوق طَهُوره الصلواتُ |
ويزولُ شجوُ الوقتِ فهْوَ مُغردٌ |
تلقي عليهِ جمالَها اللحَظاتُ |
وغداً يرفُّ الضوءُ في آفاقنا |
وتُطِلُّ مِن وجعِ الضياع نجاةُ |
وغداً ستنفضُ شمسُنا كابوسَها |
وتزاحُ عن صدْر المُنى صخَراتُ |
وغداً يفيقُ البوحُ من غيبوبة |
الصمتِ الكئيبِ وتنتهي المأساةُ |