تحـــدي
تململت وأنا أقف على نافذة تطل على الشارع الواسع ، الشمس كانت تلقي بظلالها الداكنة على الأفق، والغيوم احتشدت في السماء منذرة بليلة عاصفة وجيبات الجيش الإسرائيلي بدأت تنتشر على أطراف المخيم بينما يرتفع صوت بعربية ركيكة:
منع تجول.. منع تجول حتى إشعار آخر… كلو يروح بيتو…
الحركة بدأت تختفي من الشوارع تدريجياً، وبقايا الحجارة تنتشر وتغطي الأرض التي اسودت من لون الكاوشوك وأعتمت وقد لونتها مظاريف الرصاص الملقاة أرضاً بلون ذهبي انعكست عليه أشعة الشمس وهي تكاد تختفي وتغوص في قلب البحر…
ارتشفت رشفة من كأس الشاي الذي كاد يبرد ، وعدت أتأمل المشهد الذي استرعى انتباهي اليوم… صبية يرتدون ملابس صيفية لا تتناسب والجو الماطر ينتشرون هنا وهناك يختبئون خلف الأطلال الملقاة يتلفتون حولهم في حذر شديد وشيئاً فشيئاً بدءوا يختفون من المنطقة وكأنهم لم يكونوا أحسست أن الأمر يحمل في طياته شيئاً خطيراً ماذا يفعل أولئك الصبية ؟ وأي شيء يخططون له ؟ في هذا اليوم الذي ينبئ بليلة لن تنتهي بسهولة لمحت أحدهم وقد اختبأ خلف جدار مجاور ومن بعيد كانت جيبات الاحتلال تواصل دورياتها وصدى مكبرات صوتهم لا زال يتردد في كل مكان… بدأ الصبي الذي يختبئ تحت مرأى بصري في التحرك انطلق جرياً نحو جدار في الناحية المقابلة أحسست أنها ساعة الصفر ابتعدت قليلاً عن النافذة وأنا أتوقع أن أسمع صوت انفجار، كالبرق انقض الفتى على الجدار قفز قفزة هائلة وضع يده على الجدار وصاح بانتصار:
حيييييييي.
ومن كل مكان برز الصبية المختفون، وقد سبقهم صديقهم، بينما علت إمارات الحنق على وجه زميلهم حارس الجدار…
ضحكت حتى احمر وجهي، وعاد الأطفال يواصلون لعبتهم بينما تظهر أطراف الدبابات على مرمى المخيم.
*******************
أحمد عيسى / أبو فارس
ديسمبر 2003