أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الدكتور (ح)

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 77
    المواضيع : 17
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي الدكتور (ح)

    الدكتور(ح)
    وقف في باحة إقامته يدخن ويصغي لنغمة رعد معهودة تقصفه.. ابتسم مستهينا وكأنما استحال القصف بالنار بردا طهر نفسه وغسل بدنه.. إلى متى يا رجل؟.. دكتور اكتملت أوصافه حري بأن يظفر بأميرة الكون!. لا ينقصه من نعيم الحياة شيء.. شباب وصحة.. منصب وثروة.. إذن لم العزوف؟ . دعوه وشأنه يحرق السنين.. ولربما ينتظر أن يستوفي الستين!.. ذلك لغط الشارع ورغاء الكواليس.. وكم هو فادح نعيق الشارع! وما أقسى ألسنته الطويلة القذرة.. الحاذقة فنون الغمز واللمز!... ويزداد الموقف فداحة ويكون أشد مضاضة حين تجد نفسك محاصرا في عقر بيتك تلسعك أشواك أهلك وأعز الناس لديك وأقربهم إلى قلبك.. ترميه السهام على مائدة الطعام.. في السر والعلن والصحو والمنام.. ولا حياة لمن تنادي.. لا يملك (ح) جوابا شافيا إلا ما كان من معزوفة رتيبة أعدها ردا جاهزا كتلك الردود المبرمجة في دماغ حاسوب.. "لله الأمر من قبل ومن بعد.. كل شيء بإذنه، مدبرها حكيم" ورغم ذلك التسويف لم تيأس السيدة أمه في استمالته وتأليبه على سلطان العزوبة الممسك برقبته.. "اسق نفسك من منبع طاهر وغادر المستنقعات ومرتع الحشرات..هو ذا السن المناسب.. لا يهم أن تشرف على العقد الخامس.. ما تزال شابا يافعا وزهرة نضرة فواحة.. كل بنات آدم على وجه البسيطة يمنين النفس بالانتعاش من أريج عطرك!.. أصغر إخوتك استقروا في أوكارهم ووضعوا بيضهم، ولا يترقبون سوى الفقس عن ذرية تعلي رايتنا الحريرية فتبقى على الدوام خفاقة فوق رؤوس الشجر والحجر.. وأنت؟ متى أعانق ذريتك وأراك تقدم لها المشعل كما قدمته لك.. انهض من يومك هذا ودلني على أية نجمة ضائعة في السماء". وجبة مطردة من التأنيب روض نفسه عليها واستعذب طعمها على مرارته.. ولكن حز في نفسه ما جاء تعريضا وتلويحا على لسان خالته."إلى متى يا بن أختي؟ كيف تعرض عما أحل الله وأنت سيد الناس فحولة و أشرفهم منزلة؟ أجبر خاطر أمك وتوكل على خالقك.. خبر بسقمك ننتشل الدواء من عنان السماء وبطون الصحراء.. وإلا فعزوفك مثير للشك والريبة.. هيا أقبل يا دكتور ولا تخذلنا.. عجل بإعلان الموافقة.."لله الأمر من قبل ومن بعد.. كل شيء بإذنه.. مدبرها حكيم يا خالة" إنه يقدر فحولته أشد قدرها، وإن خبت يوما على سرير حسناء هيفاء فلأنه عاين في نظراتها ـ الحسناء ـ طيف خالته يختال.. ومهما يكن يبق صوت أمه أشد بأسا من قصف الغريب.. ضربات مطرقة على الرأس وفلتات سنان في صميم القلب.. اعتاد على هذه النغمة المحزنة الجارحة كمن تعود على شرب الماء الساخن أو كمذنب مات جلده من فرط السوط.. (ح) مؤمن بأن فلسفته وفلسفة الآخرين ـ بما في ذلك أمه وخالته ـ على طرفي نقيض.. يقدر أمه وخالته حق قدرهما ويكن لهما حبا وصل درجة التقديس، حتى لكأنه يرى في كل امرأة صورة طبق الأصل لهما.. كلما استعرض شريط طفولته مثل أمام مخيلته ـ وهو صبي يافع ـ طيف أبيه، واصطدم من جديد بقبضة يد من حديد أكثر عتوا وأشد بطشا.. شفرة حادة صقيلة تفننت في رسم الأخاديد والمنعرجات على جسم واهن ذنبه أنه جسد امرأة.. كانت بحق إهانة لأمه، وضربة قاضية قوضت بناء أحلامه وحطمت أسوار آماله.. ومن ذات الكأس شربت الخالة، وإن كان الساقي قرينا آخر من شياطين آدم.. صفعة مدوية من كف رجل ـ من طينة أبيه ـ بعثرت أنفس الورود، حطمت أسمى الآمال، ولم تثنيه عن الظفر جدارة بلقب الدكتور (ح).. فهل يعز على بيطري رفيع المقام أن يخذل أمه وخالته؟ شعر بخفة ونشاط وولي شطر غرفة نومه.. استقر رأيه على أنها أعز ما تزف في رحابها عروسه البهية التي اصطفاها لنفسه على مقاسه وامتثالا لبنود شريعته.. تهلل وجهه وصاح: عزمت الليلة على تنفيذ وصيتك يا أمي.. سأكمل ديني استجابة لنداء قناعاتي .. الليلة تشرق غرفة نومي ضياء وتلمع بهاء.. قري عينا وارتاحي بالا خالتي.. سيشهد الهزيع الأول من الليل تفعيل بنود قناعاتي.. ولأمر ما انعقد لسانه وشعر بحسرة.. انهار باكيا منتحبا.. وجعل يلطم خذه وينتف شعر رأسه في هستيريا.. قرفص وأمسك برأسه حتى خفت عنه النوبة واستعاد وعيه.. لا لن يعز على دكتور مثلي أن يخذل أمه.. (ح) بيطري ناجح في مهنته.. طبقت شهرته آفاق القرى والدساكر.. مشهود له بحل أعقد حالات الولادة لدى النوق و الشياه والبقر. ولكن ما آلمه وجعله دوما في حيرة من نفسه ألا يرى قرويا يقود حمارا أو أتانا إلى عيادته.. استغرب من فداحة الذلة وهول الميز يسام بهما كادح خدوم، ذنبه أنه حمار منكر الصوت.. لذلك جند (ح) نفسه ووهب حيزا من وقته فراح يجوب القرى.. يعود مرابط الأتن والحمير.. ولفرط إشفاقه على المرأة مجسدة في أمه وخالته نالت الأتن واسع رعايته وشامل حدبه وعطفه.. الأتان في نظره رمز للأنوثة المنبوذة المغصوبة .. لذلك ترسخت في ذهنه على أنها أنثى لها ما للجنس اللطيف من الحقوق، وبالأحرى الحق في التطبيب.... عقد ميثاق العهد والمودة مع هذه المخلوقات الوديعة، فكانت الأتان أول ما يباشر بالفحص.. ومن فرط التعلق بها أعد غرفة خاصة بعيادته تحظى فيها النزيلات بالرعاية الطبية الكاملة على سرير الاستشفاء.. وكانت حمارة الشيخ إبراهيم القروي أعز الأتن إلى روحه.. خضعت لمراقبة طبية طيلة فترة الحمل.. ولم تبرح العيادة حتى وضعت حملها. كان المولود أنثى.. حرص الطبيب أن يضعها في سجل المواليد تحت اسم الجحشة شروق. وبين عشية وضحاها عادت الحمارة إلى مربط سيدها وبدا (ح) منزعجا وفي حلقه غصة من تأثر.. يرى النفساء وهي تغادر العيادة كحال امرأة جار عليها الطلاق وهي لا تعلم!.. ورغم ذلك ظل مشفقا عليها متابعا أطوار نمو الجحشة شروق حتى بلغت أشدها. تفكر مليا.. أجهش بالبكاء وعاودته هستيريا لطم الخد ونتف الشعر.. صوت الخالة يقصفه قصف الرصاص.." كيف تعرض عما أحل الله وأنت سيد الناس فحولة وأشرفهم منزلة؟ أجبر خاطر أمك وتوكل على خالقك.. خبر بسقمك ننتشل الدواء من عنان السماء وبطون الصحراء.."ما أسقمتني سوى الرتابة يا خالة.. سوف أجدد دمائي بعروس أحلامي.. سأكمل ديني وتقر أمي عينا بصنيعي".. ولبست غرفة نومه ـ في ليلة زفافه السعيد هذه ـ أرقى زيا وأبهى حلة.. إنارة ، موسيقى، ورود.. نهض وبرح القاعة في كامل زينته.. تخيل نفسه ـ وهو في الطريق إلى بيت عروسه ـ يتصدر في زهو وفخار طلائع موكب وهمي مرافق له.. (ح) يعرف أن بني آدم ذئاب مجبولة على الغدر والنفاق، لذلك كانت شريعته على صواب بفرضها على الجميع حظر الاندماج والمشاركة في طقوس ليلة الزفة! كل همه أن يحوز عروسه ويكمل دينه كما أرادت أمه..
    وتحقق الحلم.. وأشرقت غرفة النوم ضياء.. ودلف (ح) من باب غرفته يقود أميرته.. جلس على مقربة منها يتملى في عينيها البريئتين تحلمان في عالم آخر.. قرأ في عينيها أسئلة محيرة عجز عن إيجاد أجوبة مناسبة لها.. ومهما يكن فقد بدت أمام ناظريه وسيمة ساحرة، وإن ساءه أن يراها بغير زينة ولا وشاح يضفي عليها هبة عروس عذراء. استحضر أمه وخالته وانقبضت نفسه.. انتحب ونتف شعره ولطم وجهه.. استعاد وعيه ونكف الدمع عن خده مبتسما في وجه عروسه. وحرصا منه على أن يمر جو الحفل بالطريقة المعهودة التي يقتضيها العرف نهض من مكانه وأخرج من دولابه منديلا حريريا أبيض ستر به سائر وجه الأميرة البارزة. شغل آلة التسجيل بعد أن وضع في قلبها شريطا غنائيا.. وانبعثت أصوات نسائية مرتفعة بالزغاريد والأهازيج.. انزعجت الجحشة شروق و تكالب عليها وبال الوشاح والصياح..ضاقت أنفاسها وركبتها النعرة ثم اغتنمت فرصة الباب المفتوح وركضت لا تلوي على شيء والبيطري يعدو في إثرها ويصيح ملء عقيرته.. شد.. شد.. شد..
    (فرسان الجحيم)
    قصبة تادلة في:
    20-03-2008

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الغالمي المبدع.....
    مقام سردي مميز ، وغوص في النفس الانسانية بحرفية وقدرة فذة ، أسلوب شيق محكم، عباراته جاءت متراصة ،الراوي يمسكنا ليحدثنا عما يخالج نفس الدكتور ، وما يراه هو في وجه الدكتور، ويصور ذلك بدقة متناهية فنراه ، يعيش حالة انقباض نفسي تدخله متاهات الهواجس ، وخرق اللاشعور ، والشعور معاً ، فحديث النفس للنفس ، وتلك الاصوات التي تأتيه من كل صوب ، وتلك الاتكالية التي دائما تعيق الانسان في اتخاذ اي قرار حتى بشأن نفسه ،كل هذه جعلته مشدوها إلى الحمارةالتي كانت هي محور تركيزه، ثم ينطلق بنا إلى نظرات جانبية ، تتكالف مع سير القصة ، وتجعلها تعبر مستنقع الذات لتصل الى الاجتماع ، وبرؤية مستمدة من خبرة بهذه النفوس وهذا الواقع يستهل الرواي القاص بالتزيين لمخالجات النفس وفق صورة وصلت في نهايتها الى محمل السخرية ، لكنها في الاصل تبحث في مشكلة اجتماعية نفسية لو قدر للمتابعين رصدها لربما افادة الكثيرين ، فعلا قرأت قصة فيها المزج بين اللغة الراقية والأسلوب المتين وجمال العبارة ، وروعة المدلول.
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 77
    المواضيع : 17
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    الغالمي المبدع.....
    مقام سردي مميز ، وغوص في النفس الانسانية بحرفية وقدرة فذة ، أسلوب شيق محكم، عباراته جاءت متراصة ،الراوي يمسكنا ليحدثنا عما يخالج نفس الدكتور ، وما يراه هو في وجه الدكتور، ويصور ذلك بدقة متناهية فنراه ، يعيش حالة انقباض نفسي تدخله متاهات الهواجس ، وخرق اللاشعور ، والشعور معاً ، فحديث النفس للنفس ، وتلك الاصوات التي تأتيه من كل صوب ، وتلك الاتكالية التي دائما تعيق الانسان في اتخاذ اي قرار حتى بشأن نفسه ،كل هذه جعلته مشدوها إلى الحمارةالتي كانت هي محور تركيزه، ثم ينطلق بنا إلى نظرات جانبية ، تتكالف مع سير القصة ، وتجعلها تعبر مستنقع الذات لتصل الى الاجتماع ، وبرؤية مستمدة من خبرة بهذه النفوس وهذا الواقع يستهل الرواي القاص بالتزيين لمخالجات النفس وفق صورة وصلت في نهايتها الى محمل السخرية ، لكنها في الاصل تبحث في مشكلة اجتماعية نفسية لو قدر للمتابعين رصدها لربما افادة الكثيرين ، فعلا قرأت قصة فيها المزج بين اللغة الراقية والأسلوب المتين وجمال العبارة ، وروعة المدلول.
    محبتي لك
    جوتيار
    الأخ جوتيار.. لقد أثلجت صدري بتحليلك العميق الذي تمكنت من خلاله من الوقوف على علة شاذة وانتشال مسبباتها وتداعياتها..
    لك كل التقدير على فائق اهتمامك..
    والحق أقول إن دأبك على متابعة ما نكتب ـ وبصدر رحب ـ لمحفز لنا على المزيد من العطاء المتمر البناء..
    دمت أخا عزيزا

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    تصوير تفصيلي لصراع داخلي عميق يعيشه البطل ثمرة مرة لما عاش في صغره من عنف أسري واضطهاد لإنسانيته، عبّر عنها القاص بأداء سرديّ متقن كان الغوص في سراديب النفس من خلاله موفقا شاهدا للكاتب بمتكأ معرفي مكين

    الأسلوب شائق والأداء طيب والموضوع إيجابي الهدف

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #5
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قصة إنسانية رائعة أسلوبها جميل وإظهارها للمعانة النفسية والصراعات التي تنشأ عنها مؤثر
    والسرد مشوق ومميز

    شكرا لك

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    حالة إسقاط نفسي لشخص تعرض في طفولته لعنف أسري ترك على شخصيته عقدة اصطحبته رغما واستفحلت دونما توقف
    أسلوب رائع وسرد جذاب وحبكة قوية ومعالجة رائعة للحالة
    كنت هنا وتركت إعجابي
    بوركت واليراع الفريدة أديبنا الفاضل
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. تهنئة لحصول الدكتور إبراهيم أحمد مقري لدرجة الأستاذ الدكتور
    بواسطة حسين لون بللو في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-01-2019, 05:32 PM
  2. قراءة في قراءة الدكتور مصطفى عراقي في الشاعر الكبير الدكتور سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-03-2015, 01:23 AM
  3. محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة نسرين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-06-2003, 02:54 AM
  4. انتظروا-مهداة الى الدكتور الرنتيسي بمناسبة نجاته من الاغتيال
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 24-06-2003, 06:34 PM
  5. رحبوا معي بالكاتب المتألق الدكتور/ابراهيم أبو جابر
    بواسطة نسرين في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 18-05-2003, 08:04 PM